قرأت في كتاب "العلوم الحديثة" لتيم بارتسون أن 80% من علماء الغرب إما يهود أو يعودون إلى أصول يهودية.. وأنا شخصياً لا أستبعد هذه النسبة عطفاً على معرفتي الجيدة بسير العلماء والمخترعين المشهورين.. وكنت قد كتبت في رمضان الماضي مقالاً بعنوان (كيف أسرت القصيدة العرب وأعتق العلم إسرائيل) قلت فيه إن ثقافة العلم والابتكار تبلورت في إسرائيل بفضل تاريخ طويل من العلماء اليهود الذين ساهموا في بناء عصر العلوم والمعرفة كما نعرفه اليوم..
فقبل العصر الصناعي كان اليهود في نظر الأوروبيين مثالاً على اللؤم والخداع والقذارة وفي نظر المسيحيين المتدينين كفاراً ضالين صلبوا المسيح وقتلوه.. إلا أن الإنجازات المذهلة للعلماء اليهود بدأت على مهل بتغيير تلك النظرة حتى انقلب اليوم تماماً.. فقد كانوا رواداً في العديد من المجالات التقنية والعلمية والفكرية بشكل لا يمكن إنكاره؛ فمن وايزمان وفرويد إلى ماركس وانشتاين (وأكثر من 176 اسما مماثلاً) تغيير النموذج اليهودي من الصورة الدنيئة الجشعة إلى نموذج يحتذى به في الذكاء والعبقرية لدى طلاب الجامعات والأجيال الجديدة…
ليس هذا فحسب بل كان لكثير منهم دور حاسم ومباشر في قيام ومساندة دولة إسرائيل الحالية التي ينظر إليها حتى غير المتدينين كملاذ آمن للشتات اليهودي.. خذ كمثال عالم الكيمياء المشهور وايزمان الذي اكتشف طريقة سريعة لتحضير الجلسرين من مخلفات السكر.. والجلسرين يستخدم أساساً لصنع القنابل والمفرقعات فأتاح بذلك للحكومة البريطانية صنع متفجرات وقنابل بوفرة وثمن زهيد لم يتيسر لغيرها من الدول المتحاربة!
وقبل ذلك كانت لوايزمان أبحاث ناجحة في الكيمياء العضوية درت عليه أموالاً وفيرة بفضل بيع حقوق استغلالها للشركات الصناعية. ولما اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى ترك عمله كباحث في جامعة مانشستر والتحق بمختبرات البحرية البريطانية حيث تمكن من تحضير الجلسرين بطريقة اقتصادية سريعة.. وحين أدرك الجيش أهمية اكتشافه تقدم إليه رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج (والذي كانت له جذور يهودية أيضاً) بطلب رسمي لمعرفة سر الجلسرين وشراء براءة اكتشافه بما يرضاه من ثمن.. إلا أن وايزمان لم يطلب مالاً فلديه الكثير منه بل طلب من رئيس الوزراء وعدا بإقامة وطن يهودي في فلسطين!!
وبسبب إصراره وعده رئيس الوزراء بدراسة الطلب مع وزير خارجيته بلفور. وبدوره كان بلفور يرى أن من مصلحة بريطانيا إعطاء فلسطين لليهود فكان"وعد بلفور" المشؤوم.. وبهذا يمكن القول إن تحضير الجلسرين كان سبباً غير مباشر في احتلال فلسطين!!
... ووايزمان مجرد مثال على سلسلة علماء يهود ساهموا في تغيير النظرة السلبية إليهم خلال المئتي عام الأخيرة؛ فاليهود لم يعوضوا فقط ضعفهم العددي بالتفوق العلمي والاقتصادي، بل ونجحوا في تغيير النظرة إليهم على المستوى الشعبي والإعلامي والديني.. فقد تمكنوا مثلاً من تغيير النظرة المسيحية إليهم من زنادقة كافرين إلى إخوة ضالين.. فالكنيسة الكاثوليكية برأتهم من دم عيسى عليه السلام، والبروتستانت أصبحوا ينظرون إلى تجمعهم في فلسطين بمثابة نبوءة ذكرها الإنجيل (استعداداً لنزول المسيح آخر الزمان في القدس وإعادتهم إلى حظيرة المسيحية).. ولأن معظم المسيحيين اليوم يؤمنون بالاعتقاد الأخير غدا تعاملهم مع اليهود أكثر تسامحاً وتأييداً باعتبارهم مسيحيي المستقبل سيقودهم عيسى في نزوله الثاني لمحق الكافرين في معركة هيرمجدون (آخر معارك التاريخ)!
.. والآن؛ سأترك لخيالك عدد المرات التي تكرر فيها شرط وايزمان لصالح إسرائيل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق