الخميس، 12 ديسمبر 2019

قوقعة الخرافة


أسباب كثيرة تدفعنا الى "إغلاق أدمغتنا" وعدم رؤية الحقائق والوقائع التي يمكن لحواسنا الخمس إدراكها!

خرافات موروثة كثيرة تجعلنا متمسكين بالتفكير الفلكلوري والأسطوري مهما نلنا من شهادات عليا وتخصصات أكاديمية محترمة.

ضغوط اجتماعية كثيرة تدفع عقولنا الى حشد طاقتها لتكذيب الآراء المعارضة بدل حشدها للتفكير بطريقة محايدة!

سطحية التفكير تجعلنا نرجح دائماً كفة القصص الفلكلورية والأفكار المتوارثة على الحقائق الملموسة والوقائع المشاهدة!

وكي لا ينهار بناؤنا الذاتي - والأفكار التي تبنيناها منذ الصغر - نستميت لتأكيدها والترويج لها (رغم شكوكنا الداخلية حيالها) أكثر من سعينا لنقدها أو مراجعتها أو الحد من انتشارها!

.. وهذه كلها مجرد نماذج على عيوب العقل البشري وعدم قدرتنا على التفكير بشكل سليم ومنطقي ومستقل عن تربيتنا والبيئة التي نشأنا فيها!

وهذه العيوب قد لا تكون واضحة بالنسبة إليك (كونك ولدت داخل الأسطورة) ولكنها تكون واضحة بجلاء لمن ولد خارجها ويحكم عليها بطريقة مجردة او من خلال ثقافة مختلفة.. وفي المقابل؛ حتى أنا وأنت؛ حين نطلع على خرافات الشعوب الأخرى نشعر أننا محصنون ضد موروثاتها الغريبة ومعتقداتها الساذجة (ونراها على حقيقتها لأننا ببساطة لم ننشأ داخلها ولم نتربّ مثل أتباعها على إغلاق عقولنا حيالها)!

.. وحين أتأمل شخصياً شعوب العالم أجدها قد تزيد أو تنقص في سلم الخرافات والأساطير - ولكن أي منها لا يسلم من تبنيها بنسب مختلفة.. فقد تكون نسبة الخرافات في اليابان أقل منها في نيجيريا، وقد تكون نسبة الأساطير في البيرو أكثر منها في روسيا، وقد تكون نسبة التصديق بالسحر في فرنسا أقل منها في أندونيسيا - ولكن الجميع يملكون نصيبهم الخاص من لوثة العقل وتغييب المنطق!!

.. الانسان بدون شك ليس مخلوقاً "عاقلا" بل مخلوق "مؤمن" يصعب فصله عما تبناه ونشأ عليه.. ولهذا السبب يتمتع جميعنا بعقلين مختلفين ومسارين منفصلين في التفكير والاستنتاج وتبني النتائج.. العقل الأول مؤمن (تغلب عليه العاطفة والولاء للموروث ومسايرة المجتمع)، والثاني عقل ناقد (يغلب عليه التفكير المنطقي والاستنتاج العقلاني والحكم المجرد).. وهذه العقلية المزدوجة تجدها في كافة المجتمعات بحيث يجتمع في ذات المواطن العلم والثقافة والشهادات الاكاديمية، مع التصديق بخرافات وخزعبلات لا تصح بالعقل ولا تجوز بالمنطق - ناهيك عن عدم وجودها أصلا على أرض الواقع.. وحالة مزدوجة كهذه لا يدركها غير شخص خرج بجهده الخاص من قوقعة المجتمع، أو غريب نشأ في بيئة مختلفة يحكم على أفكارك بشكل سليم ومحايد!

.. الإنسان بكل بساطة ابن بيئته، وحارس معتقداته، ويتشرب منذ طفولته التصورات السائدة حوله.. وحين يكبر لا يتبناها فقط بل ويستميت في الدفاع عنها وتقديمها على أي تفكير منطقي أو تحليل مجرد، ولهذا السبب يستحيل إقناع رجل مؤمن بأي نقاشات منطقية أو براهين خارجية أو حتى دلائل حسية.

والمحظوظ وحده من ينجح بنفسه - وبمجهوده الذاتي - في كسر قوقعة الخرافة فيرتفع فوق الجميع ويرى الجميع بمنظار لم يصنعه رجل آخر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...