الخميس، 12 ديسمبر 2019

الماسونية.. أين مكانها بالضبط؟


لا أستبعد وجود "مؤامرات "تحيكها الدول ضد بعضها البعض..

ولا أدعي أن تاريخنا العربي لا يتضمن مؤامرات انتهت باستعمار ومكائد وثورات..

غير أنني أرفض فكرة (اختلاق المؤامرات) ورمي أخطائنا التاريخية على أطراف خارجية وكأننا أمة من البهائم تقاد كل مرة في اتجاه..

لو قلت لي إن منح فلسطين لليهود كان نتاج مؤامرة عالمية لصدقتك لأن هناك حقائق تاريخية تؤكد هذا الادعاء؛ بما في ذلك وجود منظمة الصهيونية العالمية التي تملك مقرا وأعضاء وعقدت مؤتمرها الأول في بازل في 1897 لمناقشة هذا الهدف..

ولو قلت لي إن تقسيم الهند إلى دولة مسلمة وهندوسية مؤامرة استعمارية قادتها بريطانيا لأيدتك جزئيا (وبنسبة أقل) لأن بذور الانقسام بين المسلمين والهندوس كانت موجودة أصلا قبل الاستقلال.. وفي الحقيقة لو وافق الهندوس على اقتراح غاندي بتولي محمد جناح رئاسة الهند لما انقسمت إلى دولتين..

ولكن حين تخبرني أن الثورات العربية أو ما يحدث في سورية والعراق وليبيا مؤامرة حاكتها "الماسونية العالمية" سأرفض ذلك وأعتبره تنصلا من المسؤولية وتنزيها للحركات المتطرفة التي ظهرت هناك.. سأرفض ذلك لأنني أعتبره (ليس فقط تجاهلا لثقافة العنف والتطرف وإفرازات الأنظمة الديكتاتورية السابقة) بل ومشكلة فكرية تتعلق بتعريف المصطلحات وغياب وجوه المتآمرين علينا فعلا..

فحين نتحدث مثلا عن "الماسونية العالمية" ماذا نقصد بالضبط؟..

هل يخبرني أحدكم عن موقعها الحالي؟..

اسأل من سيتواجد بقربك على الإفطار ما هي الماسونية؟ ما أهدافها؟ من يرأسها اليوم؟.. لا أحد يعرف؛ وكأنها شماعة خلقناها لتعليق ما نرفض الاعتراف بمسؤوليته..

حين تسألني مثلا عن منظمة المؤتمر الإسلامي سأخبرك فورا أن موقعها في جدة، وأنها تأسست في الرباط عام 1969 بهدف الدفاع عن مصالح الدول الإسلامية.. وحين تسألني عن "الفيفا" سأخبرك أنها الاتحاد العالمي لكرة القدم ويوجد لها مقر في زيورخ ويترأسها رجل سويسري فاسد - نعرفه أكثر من رؤساء أفريقيا - يدعى جوزيف بلاتر..

إذاً؛ نحن نتحدث هنا عن كيانات مادية لها مواقع حقيقية ووجوه رسمية وتأثيرات فعلية.. وفي المقابل نتحدث كثيرا عن منظمات وجهات (إما وهمية أو جزئية) لنحملها كافة أخطائنا التاريخية.. وهذا للأسف جزء من التفكير التآمري الذي يزدهر في الأمم العاجزة، وبين المجتمعات التي ترفض الاعتراف بمسؤولياتها الحقيقية..

لا أنكر وجود كيانات حقيقية (مثل المخابرات الأميركية والصهيونية العالمية) لا تتردد في حياكة المؤامرات العالمية لتحقيق مصالحها الخاصة.. ولكن مشكلتنا تكمن في تحميل هذه الجهات مسؤولية كافة أخطائنا ومآسينا وأسباب تخلفنا، وهو ما يبدو في نظر العالم سخيفا كسخافة النظام السوري الذي مايزال يتهم "الاستعمار" بمشاكله الحالية!!

.. على أي حال؛ قد تختلف معي - وتصر على إعادة كل شيء الى نظرية المؤامرة - ولكنك بهذه الطريقة ستضطر للإجابة على سؤال أكثر خطورة هو:

.. كيف لأمة تتكون من 400 مليون عربي، ومليار ونصف المليار مسلم، أن تتلاعب بها شخصيات فردية ومنظمات لا تملك حتى كيانات ووجوها ومقرات؟!

.. أقترح؛ قبل أن نتحدث عن مكائد الماسونية والصهيونية وبروتوكولات حكماء صهيون، أن نتحدث أولا عن أسباب انحطاط أمة لم تكف عن التناحر والانقسام منذ موقعة الجمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...