الخميس، 12 ديسمبر 2019

تكفي البكتيريا كإثبات


حين نتحدث عن مخلوقات الكواكب الأخرى فإننا نتحدث في الغالب عن شيء من ثلاثة:

حياة بسيطة ومجهرية مثل البكتيريا والجراثيم والطحالب البدائية..

أو مخلوقات حيوانية قادرة على التحرك كالزواحف والطيور والحشرات..

أو مخلوقات ذكية تفوقنا علماً وتطوراً وتملك حضارة ضاربة في القدم..

.. ورغم أن عامة الناس يعنون في كلامهم الاحتمال الأخير (المخلوقات الذكية) إلا أن علماء الفلك يعنون غالباً الاحتمال الأول (المجهرية البسيطة) ولا يتوقعون عثورهم على الاحتمال الثاني (مخلوقات زاحفة) خلال المئتي عام القادمة..

.. فبعكس ما تصوره الروايات والأفلام الخيالية لا يبحث علماء الفلك عن رجال صغار خضر بل عن طحالب خضراء وفطريات مجهرية وأنواع بكتيرية تشكل الوجه الأبسط والأقرب للحياة..

فمجرد إثبات وجود حياة مهما كانت بدائية على أي كوكب يجعل احتمال وجود حياة أكثر تطوراً وتعقيداً (بلا حدود) على بلايين الكواكب الأخرى..

وأذكر أنني كتبت مقالاً عن اكتشاف بقايا ميكروبية على نيزك انفصل عن المريخ وسقط على الأرض قبل 13 ألف عام.. وحدث خارق كهذا يثبت أن المريخ كان عامراً بالحياة في الماضي وأن احتمالات ظهور الحياة ليست قاصرة على الأرض فقط.. فالنيازك التي تنفصل عن كواكبها وتسقط على الأرض وسيلة سهلة (وفي متناول اليد) لدراسة الكواكب وبنية الكون.. وتوظف وكالة ناسا الفضائية من يبحث عن هذه النيازك في القطب الجنوبي على وجه الخصوص (كون الغطاء الجليدي يوفر هبوطاً ناعماً ويحمي مكونات النيزك من التشتت).. وكان النيزك المذكور قد اكتشف عام 1984 في القطب الجنوبي ولكنه بقي منسياً على رفوف ناساً حتى عام 1996 بسبب تصنيفه بطريقه خاطئة.. وحين احتاج أحد العلماء لدراسة أحد النماذج اختاره بالصدفة فلم يصدق عينيه حين اكتشف آثار حياة متحجرة عليه.. وكان الاكتشاف مهماً لدرجة عُد أهم من غزو القمر (الذي لم يقدم دليلاً مشابهاً) ولدرجة قرر الرئيس كلينتون حينها تولي مهمة إعلان هذا الحدث شخصياً..

المفارقة أن أهم اكتشاف كوني قد يأتي من بيئة الأرض ذاتها وليس من خلال الصواريخ الفضائية أو التلسكوبات الراديوية مثلاً.. فكوكبنا الجميل يملك بيئات متطرفة تشبة معظم الكواكب الأخرى.. فثلوج سيبيريا مثلا تشبه القمر المتجمد يوروبا، وصحراء كالهاري تشبه بيئة المريخ الجافة، وبراكين هاواي لا تختلف كثيراً عن براكين عطارد، وصدوع أيسلندا نماذج مصغرة لصدوع أورانوس، وقيعان القطب الشمالي تشبه قيعان المياه تحت الكواكب الجليدية في معظم الكون..

وحتى وقت قريب كان علماء الفلك يعتقدون باستحالة وجود حياة على كوكب عطارد الملتهب (أقرب الكواكب للشمس) ولكن اتضح أن أنواعاً من البكتيريا الأرضية يمكنها العيش في ظروف مشابهة قرب الحمم والبراكين.. أما حول المشتري فيدور قمر متجمد بالكامل يدعى "يوروبا" أصبح مرشحاً لوجود حياة فوقه اعتماداً على وجود حياة متنوعة وغنية تحت القطبين المتجمدين على كوكب الأرض!

.. وهكذا يمكن القول إن البيئات الأرضية المتطرفة أتاحت فرصة إجراء الدراسات والتجارب الفضائية المكلفة (على الأرض) دون الاضطرار لمغادرتها أو الارتفاع عن سطحها لأكثر من متر واحد فقط !!

.. وبناء عليه؛ لو عثرت يوماً على نيزك في البر افحصه أولاً تحت المجهر.. فقد ترى بالفعل آثاراً لحياة مجهرية دقيقة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...