الاثنين، 9 ديسمبر 2019

الأصل لون المسك


المورون طائفة منشقة عن المسيحية أسسها في القرن التاسع عشر قس يدعى جوزيف سميث.. ويمكن القول إنها ديانة أمريكية بحتة كونها ظهرت في ولاية يوتا وحاولت إضفاء القومية الأمريكية على الأفكار المسيحية.. فحسب هذه الطائفة كانت جنة آدم في ولاية ميسوري، وبُعث المسيح بين الهنود الحمر، وينبع نهر المسيسبي من تحت العرش، في حين عاش الرب مع مريم في ولاية نيويورك (إلى آخر هذه الخرابيط).

وقبل كتابتي لهذا المقال كنت أقرأ مقاطع من كتابهم المقدس الذي يدعي جوزيف أنه تلقاه عام1827 من ملَك يدعى موروني نهض من موته ليسلمه إليه. والكتاب من الناحية الأدبية ممتع ولا يختلف كثيرا عن الروايات الخرافية وقصص الفنتازيا والأساطير اليونانية.. غير أن متعتي انتهت حين وصلت الى هذه الجملة:

((.. والجلد الأسود لعنة من الله ودليل على الخطيئة، وكلما أصبح الانسان صالحا خف لون جلده حتى يصبح أبيض تماما..))!!!

أنا شخصيا لم أقرأ في حياتي نصا أكثر عنصرية وغباءً من هذا القول كونه يفترض تلقائيا صلاح أي إنسان أبيض (بحكم الولادة) وخطيئة أي انسان أسود (مهما فعل من أعمال صالحة).. وحينها فقط فهمت لماذا لا ينتمي لديانة المورمن غير البيض ويفسر في المقابل حب المورمن لمايكل جاكسون كونه - في تصورهم - انتقل بأعماله الصالحة (وليس ببراعة أطباء التجميل) من اللون الأسود الى اللون الأبيض!!

ولأن العنصرية جهل وغباء، ولأن العلم هو ما يثبته الواقع والتجربة، خطر ببالي كتابة هذا المقال واختيار هذا العنوان. فالحقيقة التي تثبتها دراسات الأنثروبولوجيا هي أن سواد الجلد هو الأصل في البشر وليس العكس وأنه دليل على الكثرة والغنى وليس القلة والنقص. فالانسان الأول ظهر في أفريقيا وكانت البشرة السوداء (التي تعد دليلا على كثافة مادة الميلانين في الجلد) هي المناسبة للطقس المشمس هناك.. فالبشرة الغامقة تمنع امتصاص الأشعة الشمسية والكونية المؤذية للجسم والمسببة لسرطان الجلد. وحين هاجر الانسان القديم من أفريقيا الى المناطق المعتدلة في الشمال خفت مادة الميلانين لديه وأصبحت بشرته أقل سوادا.. وبمرور الأجيال خف لون البشرة في المناطق الباردة والمعتدلة بما يتناسب مع التدفق الشمسي فيها.

وهذه الحقيقة يمكن التأكد منها بملاحظة تدرج ألوان البشر، كلما صعدنا شمالا من الأكثر سوادا على خط الاستواء، حتى الشعوب العربية السمراء، ثم البيضاء في أوروبا، وصولا للشقراء في أسنكندنافيا والصهباء في اسكتلندا وشمال فنلندا.

أيضا لاحظ أن الأفارقة المهاجرين الى أوروبا وشمال أمريكا (حيث التدفق الشمسي قليل) يصبحون أقل غمقا بمرور الأجيال.. كما يلاحظ أن أبناء الأفارقة يولدون بألوان أفتح من آبائهم كونهم يحتاجون إلى ضوء الشمس الضروري لنمو العظام وتخليق فيتامين "دال".. وبمرور العمر يصبحون أكثر غمقا (كالبالغين) كونهم لم يعودوا بحاجة لقدر كبير من أشعة الشمس التي تسبب سرطان الجلد.

باختصار؛ تدرج ألوان البشر مجرد آلية لضبط وتقنين الكمية التي يحتاجها الجسم من الاشعاع الشمسي وتتغير عبر الأجيال بحسب مستوى تدفقه في المنطقة التي يعيش فيها الانسان.. غير أن الأقدمية والأساس يظلان للون السواد الذي ظُلم على أساسه الأفارقة باعتباره دليل نقص وخطيئة في حين أنه وهنا المفارقة دليل غنى وأصالة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...