الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

سيرة فهد الأحمدي .. بقلم عبدالله المغلوث

 ارفع يدك إذا كنت تريد أن تصبح كاتبا ناجحا. لن أدعك ترفعها طويلا. فسيرة الزميل الكاتب المتألق فهد الأحمدي، ستقطفها وتجعلها تسبح على لوحة المفاتيح أو على أقرب ورقة أمامك.

ولد فهد عام 1969، في المدينة المنورة في حي العطن الشعبي المناهز للمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف. نشأ في منزل جدته لأمه والتي تنتمي لأسرة الصقعبي التي تعود جذورها إلى منطقة القصيم (وسط السعودية)، مما دفع من حوله مبكرا إلى مناداته”فهد الصقعبي” إثر التصاقه بجدته وولعه بها.
عندما خرج إلى الشارع وجد نفسه بالقرب من موقف كبير للسيارات في الحي الذي يقطنه يدعى” موقف السبق”، والذي كان محطة للحجاج والمعتمرين من كافة أنحاء المعمورة لالتقاط سيارات الأجرة قبل انتشار الحافلات.
فاختلط بالعديد من الجنسيات في سن مبكرة فأصبح منفتحا مبكرا لا يستنكر، لا يشجب، بل يتأمل، ويصغي، ويكبر بسرعة.
احتكاكه بالعالم شجعه على العمل في محل لبيع الأدوات المنزلية يمتلكه عمه ووالده ،الذي يعمل ممرضا، أمام المسجد النبوي. خطف في المحل كلمات وجملاً عديدة من شفاه الأجانب الذين يتقاطرون بوفرة إلى المحل. تردد الحجاج والمعتمرين على المنزل الذي يقطنه طور لغاته الأجنبية، حيث كانت العديد من الأسر في المدينة ومكة تؤجر غرفا في منازلها للقادمين من أصقاع العالم إثر عدم توفر فنادق وشقق تستوعبهم.
درس الابتدائية في مدرسة الشهداء الزاخرة بالتاريخ. أحب الكتب. واقتنى في سن العاشرة كتاب أدب الرحلات في التاريخ، ومذكرات هتلر . انتقل إلى متوسطة ابن خلدون. وفيها تعلق بالكتب أكثر. فانصرف عن المناهج. يبرر:”لم نلتق”. كانت المرحلة الثانوية مأهولة بالحيرة. ازداد ارتباطه بالكتاب، وابتعاده عن المناهج والمدرسة، فقد كان يضع كتاب النحو وفي بطنه كتابا آخر احتيالا على أسرته. فطالما قال له أهله عندما يرونه وهو يقرأ:”ما شاء الله عليك. تذاكر طوال 24 ساعة”.
بعد المرحلة الثانوية دخل عدة جامعات داخلية وخارجية. درس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة تخصصي الجيولوجيا، والحاسب الآلي دون أن يحصل على البكالوريوس. ثم حزم حقائبه وحلمه إلى جامعة هاملن في مانيسوتا الأمريكية. لم يكمل فيها أيضا. فقد كان يداوم في المكتبة.
قرر أن يغادر أمريكا ويعود إلى الوطن برفقة فكرة حالمة تهمس في أذنه قائلة:” ستجد وظائف عديدة دون شهادة. فأنت مثقف ومجتمعك بحاجة إليك”.
لم تكن أكثر من مجرد فكرة حالمة. فالوطن لم يقدر موهبته وهو لا يحمل شهادات ووثائق. أيضا، والده كان مأهولا بخيبة الأمل. فهو يعتقد أن عودة ابنه بددت حلمه، وماله الذي أنفقه عليه، كونه لم يكن مبتعثا على حساب أي جهة. جلس فهد عاطلا عن العمل والفرح عامين وهما90 و91.
وخلال إحدى رحلاته المكوكية لجدة بحثا عن عمل، وهربا من حزن أبيه، والناس في المدينة المنورة الذين نهبوه أسئلة عن مستقبله وحلمه حط ركابه وأناخ قلقه في كافتيريا شعبية. استوقفته فيها جملة موجزة خلال حديث بين مصريين. فقد كان أحدهما يقول للآخر:” اللي تغلب بو العب بو”. أي استثمر ما تفوز به. تلك العبارة دارت في رأسه طويلا حتى جعلته يتساءل قائلا:” ماذا لدي لأستثمره وأفوز من خلاله؟”. لم يجد فهد غير المعلومات والثقافة التي اكتسبها من قراءة مئات الكتب والمقالات. خرج من الكافتيريا محاصرا بالعبارة السابقة والرغبة في ترجمتها من خلال بضاعته(الثقافة)، لكنه سأل نفسه مجددا:”من يشتري الثقافة والمعلومة؟”.
لم يطل تفكيره. لاحت فكرة مراسلة الصحف في أفقه رغم أنه لم يفكر قبل ذلك بالكتابة. فلم تعبره هذه الفكرة أبدا قبل ذلك.
راسل الصحف السعودية لمدة عام ونصف دون أن يرد عليه أحد حتى أجاب عليه رئيس تحرير صحيفة المدينة وقتئذ، الأستاذ محمد حسني محجوب وطلب مقابلته على ضوء الخطاب الذي بعثه والمقالات التي أرفقها معه. ومن فرط سعادة الأحمدي بالاتصال ذهب إلى جدة، حيث المركز الرئيس للصحيفة، في نفس اليوم رغم أنه للتو قد عاد للمدينة المنورة. ويتذكر فهد أن الأستاذ محجوب لم يبد حماسة كبيرة لاستكتابه مباشرة. فقد كان يحاول بلباقة كبيرة الاعتذار عن ضمه لقائمة المتعاونين مع الصحيفة كونه جاء حديثا لصحيفة المدينة قادما من صحيفة عكاظ وبحاجة إلى مزيد من الوقت قبل اتخاذ قرار بشأنه إثر الملفات الغفيرة التي تحيط به آنذاك. وخلال الاجتماع دخل الزميل الأستاذ جمال خاشقجي، الذي كان يعمل في المدينة وقتئذ، واستمع إلى جزء من الحوار بينهما قبل أن يقول للأستاذ محجوب:”لمَ لا نجربه؟” وبالفعل اقتنع رئيس تحرير المدينة بالفكرة وباركها.
وحينها بدأ فهد بكتابة زاوية يومية في المدينة بعنوان”حول العالم”. يقول:” عملتُ مجانا لمدة ستة أشهر. لكن كنت سعيدا و مدينا للصحيفة التي فتحت صدرها لي”.
وكانت أول مكافأة يحصل عليها من المدينة ألفي ريال. وارتفعت المكافأة مع مرور الوقت إلى ستة آلاف ريال. وكتب في المدينة كمتعاون لمدة 10 سنوات. وكانت مقالته تتكون من نحو 500 كلمة.
في عام 2000 تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس تحرير صحيفة الرياض، الأستاذ تركي السديري. وأبدى السديري خلال الاتصال رغبته في انتقاله إلى صحيفة الرياض وأشار إلى أن الصحيفة سوف تعطيه ضعف المكافأة التي يحصل عليها من المدينة رغم أنه لا يعرف حجمها، إيمانا بموهبته.
وقد نقل الزميل فهد العرض إلى الزملاء في المدينة، وانتظر إجابتهم لمدة 40 يوما من”باب الوفاء” على حد قوله قبل أن ينقل أمتعته ومقالاته إلى صحيفة الرياض التي أصبح حاليا أحد عناصرها المهمة.
الأحمدي لا يملك شهادة دكتوراه، لكن يملك موهبة حقيقية، وتجربة مطرزة بالكفاح والفشل والشغف جعلت مقالاته تستلقي على الصفحة الأخيرة لإحدى أهم الصحف المحلية في المملكة. فربما تحقق أنت وأنتِ ذات النجاح أو أكثر من خلال المزيد من الإصرار والطموح.

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...