الخميس، 31 ديسمبر 2020

من يكسب أثناء الخسارة؟

 ليس سـرا أن انهيار سوق الأسهم لا يعني خسارة الجميع ــ ولا يعني عدم تحقيق البعض أرباحا مجزية.. فحين انهار مثلا مؤشر السوق السعودية 2006 إلى أقـل من النصف (وهو أعظم أكبر انهيار في أسواقنا المالية) اتضح بسرعة أن هناك من حقق أرباحا ضخمة بفضل بيع استثماراتهم في المستويات العليا. أصحاب الأموال الضخمة، ومن يوجهون السوق (ومن نصفهم اختصارا بالهوامير) هـم أعظم فـئة تحقق أرباحا طائلة بعد كل فقاعة، لأنهم ببساطة من يتسبب فيها، أو على الأقـل أدرى الناس بموعد وقوعها ــ كما أثبتت فقاعة الإنترنت والرهن العقاري في أمريكا.

وبـعـد هــؤلاء، هـناك فئة أقـل تأثرا وتأثيــرا يمكنها تحقيق مكاسب متوسطة بعد كل انهيارــ أو على الأقل البقاء دون خسارة كبيرة.. هؤلاء هم المستثمرون الصغار (مثلي ومثلك) الذين يمكنهم تجاوز موجات الانهيار بفضل نفسهم الطويل وعــدم خروجهم من السوق مع أفواج الخارجين. من يستثمرون على مدى طويل قــد تنخفض أسهمهم (مؤقتا) من حيث قيمتها، ولكن ليس من حيث عددها.. يمكن تشبيههم بسيدة اشترت عشر أساور ذهبية بسعر معقول.. في حـال باعتها وقت انهيار الأسعار (ستخسر بكل تأكـيد) ولكن، في حال احتفظت بها سيظل عددها دون تغيير (عـشر أساور) تظل في حوزتها حتى ترتفع مستقبلا.. أو تعود على الأقل إلى سعرها السابق.
لا يتسع المجال لإخباركم بتجاربي الشخصية، ولكن دعوني أضرب لكم مثلا بأسهم بـنك الراجحي التي طرحت لأول مرة 1989 بسعر 100 ريـال للسهم.. من اشترى (وقت الاكتتاب) ألـف سهم بـ 100 ألف ريـال وصلت قـيمة أسهمه في 2007 (أي بعد عــــام من انهيار السوق) إلى 13 مليون ريــال.
أيضا من استثمر في البنك السعودي للاستثمار في العام نفسه (1989) وبالمبلغ نفسه وصلت قيمة أسهمه في 2007 (أي بعد عـــــام من سنة الانهيار) إلى 17.2 مليون ريــال.
وهذا يعـني أن من استثمر لأطفاله بمبلغ 100 ألف ريـال حـقق لهم خلال 18 عاما فقط (وعلى الرغم من انهيار سوق الأسهم 2006 إلى النصف) ثــروة تقدر بالملايين. وهذه الأرقام تثبت نجاعـة وصلاحية فكرة الاستثمار على مدى طويل ــ وفشل فكرة المضاربة السريعة والهرب بعـد كل انهيار صغير. الاستثمار على مدى طويل هو ما أنصح به (المستثمر المواطن)، كونه يرتفع فوق الفقاعات والانهيارات كافة، وأي خسائر محتملة على المدى القصـير.
وبناء عليه، فكر يا صديقي على مدى طويـل.. إن لم يكن من أجل تقاعدك، فمن أجل أطفالك حين يصبحون في ســن الشباب.

https://www.aleqt.com/2020/12/31/article_2002776.html

الخميس، 24 ديسمبر 2020

السبب الأول لفشل المشاريع

 السبب الأول لفشل المشاريع الناشئة

   قبل عامين كنت في رحلة من المدينة إلى الرياض. وقبل أن تقلع الطائرة حملت المضيفة "صينية" تضم كافة الصحف السعودية. عرضتها علي أولا فاعتذرت لانشغالي بتصفح تويتر. ثم عرضتها على الموجودين خلفي ولكن جميعهم اعتذروا مثلي.. تنبهت فجأة لما يحدث؛ فتركت الهاتف، والتفت أراقب المضيفة حتى مرت على كافة الركاب فـلم أر أحــدا يأخذ أي صحيفة.. بما فيهم أنا الذي يكتب فيها مقالا يوميا!!    

تأكدت حينها من حتمية اختفاء الصحف الورقية بسبب عزوف المشترين (وهجرهم) للسلعة.. لم يأخـذ أحــد أي صحيفة رغم أنهـا كانت

توزع مجانا (وهذا أولا) وأتـت بنفسها للمستهلك (وهذا ثانيا) خلال وقـت فــراغ طويـل (وهذا ثالثا) ومن مضيفة حسناء تملك ابتسامة جميلة (وإن ناسبك؛ اعتبر هذا رابعا)... 

أنا شخصيا كنت أعـتقد (قبل ذلك) أن توزيع الصحف مجانا هـو الحل الوحيد لإنقاذها.. كنت اعتقد أن الناس لاترفض أخذ شيء بالمجان الأمر الذي سيرفع معدلات توزيعها وبالتالي عـوائد الإعلانات فيها. غير أن عزوف الركاب عن أخذها (حتى بالمجـان) الغى الفكرة من رأسي، وأكد لي بأن صحفنا الورقية ستنهار لامحالة، وأنني سأستقيل قريبا من عملي فيها (وهذا ماحدث فعلا عام ٢٠١٩ حين استقلت من صحيفة الرياض)...

أدركت حينها فقط أن السبب الأول لإنهيار الأعمال التجارية هــو: عـدم حـاجة أو رغبة المستهلكين في السلعة...

في الكتاب الذي أعمل عليه حاليا أحصيت 19 سببا لإنهيار المشاريع الناشئة؛ من بينها عدم كفاية رأس المال(29%) وعدم اختيار فريق العمل المناسب(23%) وعــدم القدرة على المنافسة(19%) وارتفاع كلفة المنتج(18%)...غير أن السبب الأول يظل: عزوف الناس عن السلعة وعـدم حاجتهم إليها...

وضعته كأول سبب؛ لأنك حين تنتج سلعة لايريدها المستهلك، لن تنجح في بيعها مهما فعلت.. لن تنجح حتى لو وزعتها مجانا، أو أوصلتها لـباب الدار، أو صنعتها بإتقان.. أنــت شخصيا لن تشرب قهوة لاتحبها أو لاتريدها لمجرد أنها مجانية أو حضرت بطريقة احترافية أو قدمت بواسطة نادلة حسناء.. ستفشل حتى لـو أعلنت عنها، أو تفوقت في صنعها منافسيك، أو قدمتها في غلاف جذاب.. 

الخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع الجـديدة أنهم يقدمون منتجا (قــد يحبونه ويجيدون تحضيره) ولكن الناس؛ لا يريدونه، أو لم يحبوه بكل بساطة..

والخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع القـديمة أنهم (يستمرون) في تقديم منتج سـئم منه الناس، أو لم يعودوا يحتاجونه، أو ظهر ماهـو أفضل منه.. وهذا حال صحفنا الورقية...

القضية المهـمة؛ ليس أن تكون ماهرا في صنع المنتج بــل: هـل يرغب فيه المستهلك؟ أو يضيف إليه قـيمة جديدة؟ أو يفضله على المنتجات الشبيهة؟

تذكر دائما بأن القهوة التي لايحبها المستهلك (تظل في ابريق صاحبها) مهما اجـتهد في تحضيرها أو حاول تسويقها.. أو حتى وزعها مجانا..

الخميس، 17 ديسمبر 2020

«تعميل المال»

جميعنا يعرف أن المال (وسيلة لتداول المنافع) ولكنه أيضا يمكن أن يستخدم كـمنتج، وبضاعة، وخدمة مدرة للمال.. فـالمال مثلا هو منتج البنوك، وبضاعة المرابين، والخدمة التي يقدمها لك تجار التقسيط.. يتحـول إلى أصل مــدر للمال حين تتوقف عن استهلاكه وتبذيره، وتبدأ باستثماره أو استخدامه لشراء أصول تقـدم عوائد دورية مستقرة..
الحقيقة التي أكره قـولها هي أن البشر ينقسمون إلى فريقين، فريق يعمل لأجل المال، وآخر يعمل المال لأجلهم.
حين تصبح سيدا للمال سيعمل بالنيابة عنك، وبطريقة أفضل منك، ويكفيك عـناء التعـب وتحصيل الـرزق وضيق الوقــت..
أما حين تكون عـبـدا للـمال، ستظل في حالة مطاردة له، وانتظارا لحضوره، وتعيش حياة شحيحة بسبب طبيعته الغالية والعـزيزة..
حين تعمل من أجل المال (ومـن لا يفعل ذلك؟!) تصبح مغلوبا على أمرك وتستقطع من صحتك وأوقات فراغك مالا يمكنك تعويضه ــ وكلاهما نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس كما جاء في الحديث الشريف.. ولكن حين تسخر المال ليعمل من أجلك، وبدلا منك، تحقق عوائد مالية أكبر ــ وفي الوقت نفسه تملك وقتا أطوال للاستمتاع بحياتك والاهتمام بعائلتك.. وتتقاعد في سن الشباب!!
"تـعميل المال" مصطلح لا تجده في القاموس ويأتي على وزن (تـفـعـيل) وجعل الشيء يعمل لمصلحتنا ــ كـتفعيل النظام الجديد في هاتفك القديم.. والطريقة الوحيدة لــ"تعميل المال" هي استثماره وتنميته وادخاره بنية شراء الأصول المدرة لــه.. أكبر أكذوبة نعلمها لأطفالنا هي أن الثراء وكسب المال يتطلب قدرا كبيرا من العمل والتعب والعمل المرهق. لـو كانت هذه النصيحة (صحيحة) لكان عامل البناء أغنى من جيف بيزوس، وعامل النظافة أغنى من بيل جيتس، وعمال المناجم أكثر ثراء من الموجودين كافة في قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم..
الحقيقة التي لا يعرفها معظم الناس، أن ما يصنع الثروة ويزيد الدخـل (ليس العمل المرهق) بــل الصفقات الذكية، والاستثمار المنتظم، وتسخير المال لجلب المال.. ما يجب أن تفهمه جيدا أن الأثرياء لا يعملون بأنفسهم (مثل بقية الخلق) لأنهم اكتشفوا (دون بقية الخلق) كيفية تعميل المال وجعله يعـمل بالنيابة عنهم...
وهذا بالضبط ما عـناه وارن بافيت حين قال: إن "لم تجد وسيلة لجعل المال يعمل عـنك وأنت نائم، ستضطر للعمل طـوال حياتك".


https://www.aleqt.com/2020/12/17/article_1993391.html

الخميس، 10 ديسمبر 2020

سجلك الائتماني .. أبيض أم أسود

 حين كنت في سن المراهقة، كانت بطاقة الفيزا والماستركارد بمنزلة حلم كبير.. كانت حينها شيئا عزيزا وامتيازا لا يناله غير الأثرياء، ولكنني لاحظت أنني كلما تقدمت في العمر انهالت علي عروض البطاقات المجانية - ناهيك عن القروض البنكية - دون أن أطلبها.

وفي المقابل، أعرف قريبا في السن نفسها، لم يقـبل أي بنك منحه أي بطاقة أو قرض منذ 30 عاما بسبب (سواد) سجله الائتماني.. لم يعـد التعامل معه مضمونا أو مأمونا، في حين تحولت أنـا إلى بقرة حلوب يتسابق نحوها الجميع.
ما لا يعرفه معظمنا أننا نملك سجلا ائتمانيا يمكن للبنوك والمؤسسات والجهات الرسمية الاطلاع عليه، فالقرض الذي تهربت منه، والأقساط التي لم تسددها، والإيجار الذي لم تـدفعه، ومستحقات البطاقة الائتمانية، جميعها "نقاط سوداء" تتراكم في سجلك الائتماني، وتحذر (الآخرين) من التعامل معك.
إن كانت هذه المعلومة جديدة عليك، ما عليك سوى إدخال رقــم هويتك في موقع "سـمة" www.simah.com، لتشاهد كامل سجلك الائتماني (وسمة، هو الاسم المختصر للشركة السعودیة للمعلومات الائتمانیة). في حال كان أسـود، سيدمر هذا سمعتك المالية وفرصك الاستثمارية في سـن مبكرة.. وسيمنع عنك أي تسهيلات وتعاملات وعروض مستقبلية، لأن كل من تلجأ إليه سيطلع دون أن تدري على تقريرك الائتماني. وهذه العلاقة تبدو أكثر وضوحا في الدول، التي سبقتنا في الاحتكام إلى هذا السجل، ففي أمريكا مثلا، السبب الأول للتشرد والبطالة، هـو إساءة الإنسان لسجله الائتماني.. قد يبدأ الأمر بخطأ بسيط، مثل: التهرب من دفع إيجار الشقة لشهرين أو ثلاثة، فـيوضع اسمه في قائمة سوداء خاصة بملاك العقارات. ومن هنا، تبدأ عملية رفضه في كل مرة يحاول فيها السكن في منزل جديد.. ليس هذا فحسب، بـل ويصبح من الصعب توظيفه أو إقراضه، لأن البنوك والشركات تتخوف بدورها من مسألة تهربه من التسديد، فكيف بحالات الاختلاس والرشوة.
وعقبة بعد أخرى، تغلق في وجهه جميع الأبواب، الأمر الذي يفسر ارتفاع نسبة الانتحار وإدمان المخدرات بين المسجلين في "القوائم الائتمانية السوداء".
وفي المقابل، "السجل الأبيض" يؤكد ليس فقط نزاهة صاحبه، بـل قـدرته على تسديد الالتزامات والمستحقات المطلوبة منه، وهذا بالضبط ما تريد البنوك التأكد منه.
ولهذا السبب، أنصح الجميع بالاهتمام ببياض سجلهم الائتماني في وقــت مبكر من حياتهم.. فالسمعة المالية توثق بدقة هذه الأيام، وتتحول بسرعة إما إلى "عقبة" تغلق أمامك الأبواب، أو "ميزة" تفتح أمامك الأبواب كافة، بما في ذلك تمويل مشروعك الخاص.
فــقـط، لا تنس إدخال رقم بطاقتك في موقع "سـمة".. وأكاد أجزم أن أغلبكم سيفاجأ بالنتيجة.


الخميس، 3 ديسمبر 2020

الجشع الحميد

 يوجد في العالم مال يكفي جميع الناس؛ لأن الناس ببساطة هـم من يوفرون المال.

فـالمال ترجمة لجهود البشر واحتياجاتهم، ويتكاثر بالتوازي مع تكاثرهم في أي مجتمع.
تـبـدأ عملية إيجاده حين نبذل (طاقـة) للعمل وتقديم خدمات يحتاج إليها المجتمع، خـذ كمثال العامل الذي يبني لك المنزل أو المزارع الذي يبيع محصوله في السوق، العامل يوفر المال من العدم لأن (جهده العضلي) يتحول إلى أجر مالي يتسلمه منك ـ ثم يدفعه لاحقا لصاحب البقالة أو المطعم، الذي ينفقها بدوره لشراء الملابس أو الأدوية.
أيضا؛ المزارع يوفر المال كونه يبيع منتجاته مقابل أوراق نقدية (أو أي مظهر آخر للمال) يستعملها لاحقا لتسديد شركة الكهرباء أو الماء ـ التي تدفع بدورها رواتب الموظفين وضرائب الدولة.
وكي تستمر حركة التداول بيسر وسهولة تراقب الدولة احتياج المجتمع للأوراق النقدية، فتطبع منها كميات إضافية تناسب نمو الأعمال الجديدة ـ وفي الأغلب ضمن ما يعرف بـعملية التيسير الكمي Quantitative Easing
وكل هـذا يعني أنه؛ كلما ارتفع عدد الناس ظهرت أموال جديدة تكفي جميع الناس ـ وبالتالي لا تصدق من يخبرك بأن ارتفاع عدد السكان يتسبب في فقر المجتمعات. لو كانت الأموال شحيحة بطبيعتها، لكانت الدول التي تضم ملايين البشر تعاني الفقر ونقص المال المستمر. ولكن الواقع يثبت أن المجتمعات الصناعية والمزدهرة، هي الأكثر ثراء بصرف النظر عن عدد سكانها، لاحظ مثلا كيف يتجاوز دخل المواطن الأمريكي 66000 دولار رغم أن عدد سكان أمريكا يتجاوز 331 مليون نسمة. وفي المقابل لا يتجاوز سكان جنوب السودان 13 مليون نسمة، ولكن دخل المواطن ينحدر إلى 244 دولارا ـ رغم تمتع البلد ذاته بثروات طبيعية هائلة،
ما يتسبب في فقر الناس هو الجهل أولا، وعـدم المساواة ثانيا، فالجهل بطرق استقطاب المال من أهم أسباب فقر الإنسان حتى في الدول الثرية ـ بدليل كثرة المشردين في شوارع أمريكا، أما عدم المساواة فـيتسبب في استقطاب (القلة العارفة) لأغلب الأموال التي يوفرها بقية الناس من العـدم.
يزداد الفقراء فقرا، ويزداد الأثرياء ثراء؛ لأن أغلب الناس يستعملون المال للاستهلاك في حين يستعمله الأثرياء للاستثمار وزيادة تدفقاتهم النقدية. يعرف الأثرياء أن هناك أموالا جديدة تتولد باستمرار فيصبح هاجسهم الأول: كيف أستحوذ عليهـا قبل غيري؟، ومجرد محاولتهم فعل ذلك تفتح عليهم أبواب الثراء ومضاعفة الدخل ـ في حين يتخلى عن نصيبه في "الكعكة" من يجهل وجودها أصلا.
لا يمكنك لوم الأثرياء على ثرائهم (إلا إن كنت شيوعيا تؤمن بالماركسية) ولكن يمكننا لومك على جهلك بطرق جمع المال (إلا إن كنت زاهدا تعيش في مغارة صحراوية)، ليس للمجتمع دخل في مستواك الاقتصادي، وتصبح الملوم وحدك على قلة دخلك في حال كنت جاهلا أو فاشلا أو لا تـتمتع بقدر مرتفع من الجشع الحميد.
وبالمناسبة (الجشع الحميد) مصطلح ابتكرته للتـو، ويعني حقك في جمع أكبر قـدر من المال، دون أن تخالف القانون، أو تهضم حقوق الآخرين، أو تـغبن الناس في أرزاقهم.


الخميس، 26 نوفمبر 2020

استعد لفرصتك القادمة

 جميع البشر مقدر لهم فرصة أو فرصتان للثراء وزيادة الدخل، ولكن حين تعترض الفرصة طريقهم يتفاجأون بحضورها فيصطنعون الأعذار لرفضها.

ما يجب أن تفعله أنت هو العكس تماما.. حين تطرق الفرصة بابـك، أدخـلها وأغلق الباب خلفها.. واعرض عليها الزواج.
أحــد أقربائي الطاعنين في السن كان في شبابه يملك محلا لبيع الدراجات الهوائية، وحين كنت طفلا صغيرا اشترى منه صاحب مخبز ثلاث دراجات بقرض مؤجل (بغرض توزيع الخبز). وحين حل موعد سداد القرض ذهبت معه لمطالبته بقيمة الدراجات.. صاحب المخبز أخبره أنه يعاني ضائقة مالية، وعرض عليه مقابلها أرضا صغـيرة بلا صك. ولكن الأرض كانت حينها بعيدة (عن الحـرم) فـرفـض أخذها، ولكنه وافق على تمديد مهلة القرض.. المشكلة، أنه حين وصل إلى سن الـ60 وصل سعر الأرض إلى ستة ملايين!.
وفي المقابل هناك مهندس النفط روبرت تشيزبرو، الذي شاهد مادة دهنية شفافة تتكون على حواف الآبار النفطية فـتعاقد مع شركات النفط على شرائها وإعادة توضيبها، فحقق ثروة كبيرة بفضل ما نعرفه اليوم باسم "فازلين"، من هرب من الفرصة هـم آلاف العمال، الذين شاهدوها قبله (بل وسمع منهم تشيزبرو أنها مفيدة للبشرة)، ولكنهم لم يشاهدوا مثله النتائج المالية الكامنة خلفها.
وفي عقد التسعينيات لم يكن معظم الناس يعرفون ما الإنترنت، ولكن كان هناك قـلة سارعت لشراء النطاقات الأساسية Domain name قبل الجميع. وحين اتضحت أهميتها لاحقا عادوا وباعوهـا بمبالغ كبيرة على من يعملون في المجالات المتعلقة بها.. خذ كمثال كرايس كلارك، الذي اشترى نطاق Pizza.com بـ20 دولارا عام 1994 وباعه لاحقا على شركة بيتزا متخصصة بــ2.6 مليون دولار، في حين أعيد بيع النطاقات التالية بمبالغ تجاوز مليوني دولار بأسعار ذلك الوقت: Ticket.com / Auction.com / Dating.com / Fly.com / Computer.com.
والآن اسأل نفسك:
لماذا فقد صاحبنا فرصة امتلاك الأرض؟
ولماذا خسر آلاف العمال فرصة استثمار الفازلين؟
ولماذا احتكر قلة من الأشخاص النطاقات الأساسية على الإنترنت؟
الجــواب:
لأن الفرص الرائعة تأتي فقط للعقول المؤهلة.
لأن الفرص الرائعة تقـتنصها فقط العقول الجريئة.
لأن الفرص الرائعة يلتـقطها أولا الخبراء والمتخصصون والمهيأون لاستغلالها.
الهدف من هذا المقال (والعبرة من هذه القصص) هـي أن تستعـد لفرصتك القادمة، ونصيبك من الحظ السعيد.. حين تطرق بابـك، لا تغلق فقط الباب خلفها، بــل هـيئ لها متكأ واعرض عليها الزواج.

الخميس، 19 نوفمبر 2020

مفتاح المال وخزنة الأسرار

 قـصص النجاح الملهمة، والتجارب المالية الرائعة، يمكن توثيقها في الكـتب مثل أي معارف بشرية. ولهذا السبب لا أبالغ حين أقول إن القراءة هي بوابة الثراء، ومفتاح المال، وخزنة الأسرار، كلما قرأت أكثر ارتفع لديك معـدل الإلهام، وفـتحت أمامك أبوابا جديدة، وعرفت أسرارا لا يعرفها معظم الناس. حين تقرأ وتتعلم، تصبح غالي الثمن في سوق العمل وتستحق دخـلا أكبر، وحين تجهل وتكسل تصبح ضعيف المهارة وقليل الفائدة ولا تملك ما يستحق منحك المال من أجله.

دراسات كثيرة تؤكد أن "الـقراءة" من أسباب الثراء وأبرز عادة تميز الأغنياء. وأول من لاحظ هذه الحقيقة هو نوبيل هيل الذي درس سير الأغنياء في أمريكا على مدى 26 عاما ونشرها في موسوعة بعنوان "أسرار الناجحين".
وبحسب دراسة أجراها الباحث الاقتصادي توماس كرولي في عام 2009 اتضح أن 85 في المائة من المليونيرات العصاميين يقرأون أكثر من كتابين في الشهر.
ويؤكد هذه الحقيقة اتحاد الناشرين في أمريكا الذي يشير إلى أن الأثرياء العصاميين هم أكثر الناس قراءة وشراء للكتب. وبحسب تقريره لعام 2017 يقرأ الملياردير مارك كوبان 200 كتاب في العام، ووارن بافيت 80 كتابا في العام، وبيل جيتس 50 كتابا في العام.
وحـين تقـرأ في مجال المال والأعمال بالذات، ستكتشف أن القراءة لا ترفع فقط حصيلتك المعـرفية، بــل تـلهمك أفكارا جديدة، وتـنبهـك إلى فرص لا يراها عشاق الموبايـل ومسلسلات "نتفليكس". بيل جيتس مثلا وضع أول برنامج للحواسيب الشخصية بعد أن قرأ في مجلة Computer Magazine "عدد يناير 1975" عن ظهور كمبيوتر جديد يدعى Altair 8800 يحتاج إلى برنامج تشغيل. أما وارن بافيت فأصبح ثالث أغنى رجل في العالم بفضل كتاب Security Analysis الذي نبهه مبكرا إلى أهمية التشبث بأسهم شركات مـعـيـنة "من بينها كوكاكولا الذي يملك حاليا 9 في المائة من أسهمها". أما جيف بـيزوس "أغنى رجل في العالم" فأسـس شركة أمازون بعد أن قـرأ في صحيفة W.S.J أن مستقبل مبيعات التجزئة سيكون عـبر الإنترنت - الأمر الذي يفسر ارتفاع ثروته المفاجئ خلال جائحة كورونا دون بقية الأثرياء.
والآن، ماذا عـنك أنــت؟ هــل ألهمك هذا المقال شيئا؟.
تخيل فـقـط مـاذا ستعـرف حين تقرأ عـشرة أو 20 كتابا في العـام.


الخميس، 12 نوفمبر 2020

المهنة التي لا يتحدث عنها أحد

 دعـني أطرح عليك أربعة أسئلة بسيطة جـدا:

- ماذا يعمل الطبيب؟
- وماذا يعمل المحامي؟
- وماذا يعـمل المعـلم؟
- وماذا يعمل التاجر ورجل الأعمال؟
لماذا خطر في بالك "المال" حين أجبت عن السؤال الأخير؟
السؤال الأخير ليس بسيطا، لأن جمع المال هـو فعلا وظيفة التاجر ومهنة المستثمر!
فحين يكون المال مهنتك وتخصصك وأول اهتماماتك، تصبح فرصتك في الثراء كبيرة وشبة مؤكدة. أمـا حين يتراجع إلى "ثاني، وثالث، ورابع" اهتماماتك، ستتراجع فرصتك في الثراء خلف ثاني وثالث ورابع أولوية لا تدر عـليك دخلا كبيرا.
تأمل حال الطلاب في الجامعات، لماذا الأول يريد أن يصبح طبيبا، والثاني مهندسا، والثالث قاضيا، والرابع معلما.. مجرد انتسابهم إلى هذه التخصصات يعني أن هدفهم الأول ليس جمع المال ومنافسة رجال الأعمال، بـل الحصول على تخصص يعشقونه ويضعونه في مقدمة أولوياتهم.. وبالطبع، نيـل وظيفة مجزية من خلاله!
الحقيقة التي نتجاهلها هي أن هناك وظيفة حقيقية تدعى "صانع ثروات" و"جامع أموال" - ننطقها تأدبا "مستثمرين" و"رجـال أعمال".
الأثرياء ورجال الأعمال هـم القلة التي "لم ترفض فقط مبدأ العمل لدى الغـير"، بــل أسهمت في إيجاد الوظائف للغير، من خلال تأسيس مشاريعها الخاصة. وفي المقابل، لا يصبح عــامة الناس أثرياء، لأن بناء الثروة لم يتحول لديهم إلى مهنة يومية كأي مستثمر ورجل أعمال.. صحيح أن عمل الإنسان "لنفـسه" لا يضمن الثروة، لكنه دون شـك المدخل لبناء الثروة والاستقلال المادي.. هو الوضع الذي كان سائدا في جيل الأجداد الذين لم يعرفوا معنى البطالة، كونهم تربوا على مفهوم العمل بأنفسهم ـ- وليس البحث عمن يقدم لهم راتب ووظيفة. وهـذا يؤكد أن للبطالة جانبا تربويا، كون أطفال اليوم ينشؤون على فكرة التفوق في الدراسة للحصول على راتـب ووظيفة. وهذه وصفة للفقر "كما أشار روبرت كيوساكي في كتاب الأب الغني"، كونها تجعل تفكيرهم منصبا على البحث عمن يـوظفهم - وتجعل المتفوقين أكاديميا يتوظفون في النهاية لدى الأطفال الأقـل تفوقا ممن دخلوا سوق العمل مبكرا.
على أي حال، لا تشغل نفسك بمسألة تحول الجميع إلى "مستثمرين" و"رجـال أعمال".. فـاحتدام المنافسة لا يضمن نجاح الجميع، وتركيبة المجتمع تتطلب دائما وجود طبيب في المستشفى، ومعلم في المدرسة، وقاض في المحكمة.
وفي النهاية، هـذه سنة الله في خلقه "وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا".

الخميس، 5 نوفمبر 2020

عباقرة التوحد

 رأيت قبل فترة برنامجا عن الأطفال المتوحدين تضمن طفلا يملك موهبة فنية خارقة لا يجاريها أي رسام معروف، والعجيب أكثر، أنه يملك ذاكرة خارقة تتيح له رسم أي تفاصيل معقدة "كالبرلمان البريطاني" من أول نظرة فقط. حين شاهدته تذكرت رساما عجيبا قابلته في جزيرة بـالي اتفقت معه على رسم ثلاث لوحات شخصية "بورتريه". اللوحة الأولى للملك سلمان، والثانية لأم كلثوم، والثالثة لشخصي المتواضع.

فتحـت جوالي ليشاهد الصور فــألقى عليها نظرة خاطفة اتفقنا بعدها على السعر وتسليم اللوحات بعد أسبوع.
سألته: هل لديك إيميل كي أبعث لك الصور من جوالي؟ تأخـر في الـرد ثم قال بكسل قـاتل، لا داعي لذلك.
لم أفهم، لأنـه يحتاج إلى الصور الفوتوغرافية كي يرسم اللوحات، لم أتصور قدرته على حفظ تفاصيل الوجوه من أول نظرة، فـقلت بتهديد مبطن، إن لم تتطابق اللوحات مع الصور الموجودة في الجوال لن آخـذها. هــز رأسه ولم يجب، فمضيت في طريقي وأنا متوجس من هـدوئه الغريب.
وحين عدت بعد أسبوع، وقبل دخولي مرسمه، وجدت اللوحات معروضه خارج الاستديو. أصبت بدهشة مضاعفة بسبب قوة ذاكرته وكمية التفاصيل الدقيقة في اللوحات ذاتها "وسأضعها اليوم في حسابي على تويتر ليراها الجميع".
ورغم غرابة هذه الحالة، إلا أنها معروفة لدى معظم المتوحدين ممن يتفوقون ويبرزون في مجال معين دون غـيره، فقد يعاني الطفل مثلا تأخرا ذهنيا "أو هكذا نعتقد" ولكنه يبرز في مجال الرسم أو الموسيقى أو الرياضيات أو الحسابات الخارقة. وفي حين يحتاج الإنسان العادي إلى أعوام من التمرين والممارسة لإتقان مهارة معقدة كـالعزف والرسم يتصرف هؤلاء الأطفال وكأنهم ولـدوا بهذه الموهبة وينفذوها بدقة مدهشة - في حين لا يأخذ منهم حـل المعادلات الرياضية أكثر من جزء من الثانية.
وهذه المواهب قد لا تكون مفهومة بشكل كامل للعلماء، ولكنها دليل على امتلاك أدمغتنا قدرات خفية وكامنة لا نعلم عنها شيئا ـ ولا نعلم لماذا لا يتمتع جميع الناس بها.
الجديد في الموضوع، اكتشاف أن كثيرا من المتوحدين لا يبدون من الخارج كـمتوحدين. اتضح أن كثيرا من العباقرة كانوا يعانون التوحد بنسبة خفيفة "وغير ملاحظة بالضرورة" بدليل عزلتهم، وهدوئهم، وانطوائهم على أنفسهم، وعزوفهم عن المناسبات العامة.
ولا أخفيكم، حـين أخــذت لوحاتي أدركت أنني قابلت للتــو واحدا منهم.



الخميس، 29 أكتوبر 2020

سياج المثالية الزائفة

 أشياء كثيرة تعـوقـنا عن بناء الثروة أهمها الأمية الاستثمارية، وغـياب الهدف، وموقع الولادة، وعدم امتلاك مهارات استثنائية راقية... إلخ.

غير أن هناك سببا خفيا لا يتوقعه أحد هو التربية المثبطة، أو ما أدعـوه أنا (سياج المثالية الزائفة).
وسياج المثالية في تعريفي هـو: أي أفكار سلبية مثبطة يعـتنقها الفرد أو ينشأ عليها تعوقه عن تحقيق مصالحه الاقتصادية.
وكلمة "الزائفة" مهمة في المصطلح، كون المثالية جميلة بطبعها، ولكن البعض ينتحلها ليداري بها فشله أو قلة حيلته. فمن المفارقات التي نلاحظها في كل المجتمعات، حــب المال وذمـه في الوقـت نفـسه. في داخلنا، نحـب المال حـبا جـما، وفي العلن نكرر مقولات تـحـمله الشرور كافـة، نسعى خـلفه، ولا نكـتفي من كنزه، ثم نذم أصحابه. نربي أطفالنا على نصائح مثبطة وحكم تـمنع تحصيله مثـل: (القناعة كنز لا يفـنى، والمال لا يشتري السعادة، وعلى نياتكم ترزقون). لا ندرك أن موقـفـنا المزدوج من المال يربك عقولهم ويصنع سياجا لا واعيا يحثهم على الهرب منه. مـا يجب أن تفعله هو "العكس تماما" أن ترفع ثقافة أطفالك المالية وتشجعهم على الادخار والاستثمار في وقت مبكر ــ وإفهامهم أن صنع الثروة دليل نجاح وتفوق.
نعـم، قـد لا يشتري المال الصحة والسعادة وراحة البال، ولكنه يظـل وسيلة العـيش، وشبكة الأمان، وزينة الحياة الدنيا، قدم حتى على الأبناء في قوله تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، لأن بؤسـك يتضاعف، وكرامتك تستباح، حين تعجز عن تـلبية احتياجات أبنائك.
ستظل فقيرا حين تعتقد أن القناعة كنز لا يفـنى، وأن الزهـد دلـيل صلاح تقـوى. كبار الصحابة كانوا تجارا وماتوا أثرياء لدرجة جهـز عثمان بن عفان - رضي الله عنه - جيش العسرة، ومات ابن عوف ونصف المدينة شركاء في ماله.
الـثروة قـوة، والغـنى كرامة، والمال يضاعـف قدرتنا على فعـل الخير. وفي المقابل، الزهـد لم يعـد فضيلة، والفـقـر أسوأ صديق، والمثالية الزائفة تضعك في مؤخرة السلم الاجتماعي.. من يتصنع أمامك الزهـد والمثالية (خصوصا هذه الأيام) إما فـشل في جمع المال، وإما محتالا يلبس ثياب الرهـبان.
دون تغيير موقـفـك اللاواعي سيعمل عقلك الباطن على تـثبيطك قـبل أن تبدأ. المثاليات الزائفة هي الشماعة الخفية، التي نعلق عليها أسباب العجز والفشل وعـدم الإصرار، هي السبب "الذي لا يتوقعه أحد" للتخاذل وتضييع الفرص وموت معظم الناس في الطبقة، التي ولدوا فيها، وبالمناسبة، "على نياتكم ترزقون" ليست حديثا نبويا.

الخميس، 22 أكتوبر 2020

لماذا لـم تصبح ثريا حتى الآن؟

لا أعتقد أن الأثرياء العصاميين في مجتمعنا كانوا يتوقعون وصولهم (إلى هذا القدر من الثراء) .. ولا أعتقد أن الموجودين في قائمة فوربس العالمية (لأغنى أغنياء العالم) كانوا يخططون لجمع مثـل هذه الثروات الضخمة..
لا أعتقد ذلك، لأن الثروة مزيج معقد من الحظ والعصامية والمعاناة والوجود في الوقت والمكان المناسبين. تـحتاج ـ كي تصبح ثريا عصاميا ـ أن تولد ذكرا وتعاني في بداية حياتك البطالة وسوء الطالع وعدم الحصول على شهادة أو وظيفة راقـية.. لا تستغرب، فهذه هي الشروط القاهرة والملاحظة في سير الأثرياء الذين صعدوا من الصفر بمجهودهم الشخصي .. لا يمكنك مثلا أن تصبح ثريا وأنت تملك وظيفة مضمونة، أو تعمل في جامعة مرموقة، أو تولد لعائلة ثرية أصلا ـ في حين يصعب على الإناث تكوين الثروات لتحيز المجتمع من جهة، ولأن دافع الثراء لدى المرأة من جهة أخرى أقـل من الرجل (بدليل الغلبة الساحقة للرجال في قائمة فوربس وجميع دول العالم)...
وحين تراجع سير من صعدوا من الصفر ستلاحظ أن معظمهم لم يكملوا الجامعة، ولم يتعـلموا عن تكوين الثروة، ولم يملكوا حتى استراتيجية عمل واضحة .. كان معظمهم أيتاما، أو سيئ الحظ، أو في أحسن الظروف اضطروا للعمل منذ طفولتهم!!
... أخـبرك بهذا لأنـه من خلال دراسة سـير الأثـرياء العـصاميين ستكتشف إيجابيات قـد لا تعمل لمصلحتك، مثـل:
• أنـك لن تصبح ثريا وأنت تملك وظيفة مريحة...
• أنـك لن تصبح ثريا وأنت غارق في دراساتك الأكاديمية...
• أنـك لن تصبح ثريا إن اكتفـيت بقراءة كتب الاقتصاد وتكوين الثروات...
• أنـك لن تصبح ثريا حين لا تضطر للعمل وتـلبي كل احتياجاتك في سن صغيرة...
نعـم .. من المؤلم أن يولد الإنسان فقيرا أو يتيما أو يضطر للعمل منذ طفولته، ولكن من المفارقات الجميلة أن هذا ما يصنع العصاميين الناجحين...
انظر مجددا إلى عنوان المقال وحاول الإجابة عن السؤال بنفسك،
... فـقـد يكون السـبب (في أنك لـم تصبح ثريـا) أن حياتك سارت (حتى الآن) على ما يـرام .. وراجع سير العصاميين لتعـرف الفرق...

الخميس، 15 أكتوبر 2020

مأساة ماتيلدا

 

قـرأت في طفولتي قصة فرنسية قصيرة عن شابة تدعى ماتيلدا، قررت حضور حفل زفاف راق، فـطلبت من جارتها الثرية استعارة عقد ألماس باهظ الثمن دون علم زوجها. وافقت جارتها الطيبة ومنحتها العقد مع كثير من التوصيات بالمحافظة عليه. ولكن ماتيلدا اكتشفت لاحقا أنها فقدت العقد فـصارحت زوجها، واضطر الاثنان إلى بيع ممتلكاتهما، واقتراض مبالغ كبيرة لشراء عقد مماثل أعاداه لجارتهما دون إخبارها بما حصل. وبسبب الديون الكبيرة والفوائد، التي تحملاها في مقتبل العمر انحدرت حياتهما، واضطرت ماتيلدا للعمل كخادمة، في حين تخلى زوجها مونسيور عن حلمه بأن يصبح فـنانا عظيما. وبعد أعوام طويلة التقت ماتيلدا بالصدفة السيدة الثرية، التي فوجئت بملابسها الرثة، وحالتها الصحية البائسة، سألتها عن سـر بؤسها وسبب انتقالها المفاجئ فأخبرتها ماتيلدا لأول مرة بما حدث وكيف أن الديون قضت على حياتها ومستقبل زوجها.. السيدة الثرية وضعت يدها على فمها وقالت بذهـول: أوووه ياعزيزتي، لماذا لم تخبريني وقـتها، كان العـقد مزيفا ولا يساوى بضعة فرنكات!
وما حدث هنا مجرد مثال لما أسميه: (عقبة مالية مبكرة).
فرحلتنا مع المال طويلة، وتستغرق العمر كله، وليس من مصلحتك التعثر مبكرا.. يمكن تمثيل حياتنا بسباق عـدو طويل يحدد الإصرار (والنفس الطويل) من يصل لخط النهاية.
وهذا يعني أن المهم ليس كيف تركض، بـل كيف لا تـتعـثر، وترتكب أخطاء معوقة في بداية حياتك.. فـهناك تصرفات مالية خاطئة من شأنها تدمير خططك الاستثمارية حين ترتكبها في سن الشباب (مرحلة التأسيس والانطلاق).. ليس من الجميل أن تسـقط، أو تلتوي قدمك، أو يطير حذاؤك في بداية السباق، لأن هذا أكثر مأساوية من خروجك بسبب منافسة شريفة.
لا يمكنك بناء مستقبلك (ناهيك عن بناء ثروتك)، وأنت مكبل بالقروض والأقساط، وينتهي راتبك قبل خروجه من الصراف.. لا يمكنك الادخار والاستثمار وبناء الثروة، وأنـت مقيد بالتزامات وقـيود يصعب التخلص منهاــ أيا كان سببها.
وإن سألتني عن أربـعـة قـيود تكـبلنا في ســن مبكرة سأقول:
القروض (فلا تقترض قدر الإمكان).
والتقسيط (فلا تشتري بالآجل بجميع الأحوال).
والاستخدام المفرط لبطاقات الائتمان (وتسديد الحد الأدنى فقط).
ومحاولة العيش فوق مستوانا المادي (كـلبس عقد ألماس لا نملك ثمنه).
فهذه الأخطاء لا تقلل فقط فرصنا في الادخار والاستثمار وبناء الثروة، بــل وتدمر مستقبلنا المالي وتتراجع بمستوانا الاقتصادي حين نرتكبها في بـداية حياتـنا.
وانظر حولك لتكتشف مأساة ماتيلدا في كل مكان.
* القصة من تأليف الكاتب الفرنسي جي دو موباسان ونشرها لأول مرة في 17 فبراير 1884 في صحيفة لوجولوا تحت عنوان 

La Parure


الخميس، 8 أكتوبر 2020

رأس المال الجريء

 في عام 2006 دفعت ألفابيت "المالكة لجوجل" 1.65 مليار دولار لثلاثة طلاب مقابل موقع متواضع يدعى يوتيوب.

وأقول "متواضع" لأن خبراء تصميم المواقع يعرفون سهولة إنشاء مواقع الفيديو بمبالغ ضئيلة نسبيا. أنا من الأشخاص الذين لم يفهموا في ذلك الوقت سـر هذه الصفقة الضخمة، خصوصا أن جوجل كانت حينها تملك موقعا مشابها يدعى Google Video "ألغـته نهائيا عام 2009".
غير أن الأرباح الخرافية التي يحققها اليوتيوب هذه الأيــام "15 مليارا في 2019 وحده" تثـبت أن خبراء الاستثمار في جوجل كانوا على دراية بما يفعلون، بل إن ما فعلوه مع اليوتيوب كرروه مع 460 شركة وخدمة ناشئة اشترتها جوجل قـبل أن تنضج "بما في ذلك برنامج التشغيل أندرويد الذي اشترته بــ50 مليون دولار من المهندس أندرو روبين، وحققت بفضله أرباحا تجاوزت 30 مليار دولار حتى الآن".
وما تفعله جوجل مجرد أمثلة لما يعرف في عالم الاستثمار بـرأس المال الجريء أو Venture capital الذي يفضل المغامرة واقتحام أسواق جديدة ومختلفة.
يتشكل غالبا من مجموعات مالية عملاقة، وصناديـق استثمارية جريئة، وشركات عملاقة تبحث عن أفكار ومشاريع رائــدة. رأس المال الجريء هو الذي ساعد طالبا ماكرا يدعى زوكربيرج على تأسيس الفيسبوك ودخول قائمة أغنياء العالم، وهـو من ساعد لاري بيج وسيرجي برين بعد أن فشلا في بيع "محرك جوجل" على محركات البحث المعروفة حينها، وهـو أيضا من سـاعد مبتكرين ورواد بـسـن الشباب، على تأسيس شركات، مثل: أبل وأمازون ومايكروسوفت وتسـلا مقابل نسبة كبيرة من ملكية الشركة.
وحين تـتأمل قطاع التقنية بالذات، تكتشف أن رأس المال الجريء هو الذي أسس شركات تقنية ومعلوماتية حديثة تجاوزت قيمتها السوقية شركات صناعية عريقة، مثل: فــورد وبوينج وجنرال إلكتريك. بفضل جراءته وشجاعته انتقلت أمريكا بأكملها من اقتصاد التصنيع "الذي تركته للصين وكوريا وتايوان"، إلى اقتصاد المعرفة وتجارة المعلومات - التي تبيعها لنا جوجـل وأبل ومايكروسوفت دون أن نـدري.
المدهش أكثر، أن رأس المال الجريء لا يوظف في الشركات المعـرفـية "عـشـر" من توظفهم شركات صناعية، مثـل: فورد وبوينج وجنرال إلكتريك.
كل ما في الأمر أن "جوجل وأبل ومايكروسوفت" تضم أكبر عدد من الأذكياء في كل متر مربع.

الاثنين، 5 أكتوبر 2020

امتلك وثيقة تأمين.. وقد بأمان


حوادث مفاجئة، أزمات غير متوقّعة، ظروف استثنائية تطرأ فجأة ومن دون سابق إنذار. تأتي لتلقي بحملها الثقيل على كاهل الأفراد، محدثةً إصابات جسدية وخسائر مادية واضطرابات نفسية يصعب عليهم تحمّلها بأنفسهم. من هنا، وللتخفيف من تداعياتها السلبية على المستويات كافة، ظهر في القرن الرابع عشر مفهوم التأمين، ليكون وسيلة لمواجهة المخاطر والتخفيف من وطأتها.

ومع مرور الوقت، تزايدت أهمية قطاع التأمين لكونه يحقق مبدأ التعاون بين مكونات المجتمع كافة، ويساعد في المحافظة على الثروات، ويساهم في تفادي خسائر محتملة تفوق قدرة الفرد والشركات على تحمّلها. كما أنه يساعد على الادخار، ويوفر الطمأنينة في نفوس الأفراد، ويؤدي بالتالي إلى رفع إنتاجيتهم وتحسين جودة حياتهم. هذا بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية المرتبطة بانعكاسه الإيجابي على كل القطاعات الإنتاجية والاستثمارية، حتى بتنا نعيش وفق مقولة "اقتصاد متطوّر يحتاج تأميناً متطوّراً". 

قبل ثلاثين عاماً، كنت في مطار دالاس حينما جلس بقربي شاب لطيف تجاذب معي أطراف الحديث. وحينما اقترب موعد صعودنا إلى الطائرة، قال فجأة: "أووووه نسيت المرور على الجهاز"، فاغتنمت الفرصة وقلت بدوري: "أووووه وأنا أيضاً".. وحينما وصلنا، سألني: "كم ستضع فيه؟"، فقلت "ماذا تقصد؟". قال: "خمسة أم عشرة أم عشرون دولاراً؟؟".. ولأنه كان يعتقد أننا ــ نحن السعوديين ــ نملك آبار نفط في منازلنا، اخترت مكرهاً "العشرين".. وعلى الفور أخرج لي الجهاز إيصالاً برقم الرحلة والمقعد وبوليصة تأمين على الحـياة بعشرين مـلـيــون دولار!!!

كان الجهاز ببساطة يبيع وثائق تأمين على الحياة تدفع تعويضاً لعائلة الراكب في حالة سقوط الطائرة، ولأن كوارث الطيران نادرة في أمريكا (حيث لا تسقط طائرة أو طائرتان كل عام) غدت الفكرة مربحة لشركات التأمين.

ليس فقط تأمين السفر مسألة أساسية في حياتنا، فالبعض ربما لم يضطر للسفر أصلاً. وهنا يمرّ في ذاكرتي عدد من القضايا التي سمعنا عنها أو عايشنا قسماً منها، حول تعويضات تمّ دفعها جرّاء حوادث أو أخطاء، لعلنا لم نتوقع أنها قد تحصل ولو لمرة في حياتنا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، دفعت شركة مختصّة بصناعة المستحضرات الطبية مبلغ 40 مليون دولار لسيدة و110 ملايين دولار لأخرى بعد إصابتهما بالسرطان نتيجة استخدامهما لمنتجاتها. وفي قضية أخرى، قضت محكمة أمريكية بتعويض امرأة مبلغ 209 ملايين دولار أمريكي، خُفّض فيما بعد إلى مليون دولار، بعدما انسكب عليها كوب قهوة ساخن اشترته من سلسلة مطاعم شهيرة تسبب لها في إصابات وحروق من الدرجة الثالثة، وذلك لأن الشركة لم تطبع علامة تحذير على كوب القهوة من سخونة المشروبات.

وفي قضية غريبة، قام عامل في أحد الفنادق الأمريكية بضرب نزيل في الفندق بالحذاء على وجهه، فلجأ الأخير إلى مقاضاة شركة الأحذية لعدم كتابة تحذير أن حذاءها قد يتسبّب بأضرار كبيرة إذا تم استعماله في ضرب أحدهم، فأجبرت الشركة على تعويضه بمبلغ 60 مليون دولار أمريكي.

جميع هذه الحوادث وتداعياتها تبرز أهمية التأمين وتعويضه المعنوي والمادي على الأطراف ذوي العلاقة، لكنها في الوقت عينه هي حوادث ظرفية غير قابلة للتكرار ربما أكثر من مرة في العمر. لكن ماذا عن الحوادث التي يمكن أن تتكرر كل عام، كل شهر، كل أسبوع، بل ربما كل يوم؟! هل نعي الآن أهمية التأمين على المركبات وضرورته مثلاً، والذي ربما أجزم أنه يأتي بموازاة التأمين الصحّي، إن لم يكن أهمّ في بعض الحالات؟ إن التأمين على المركبات برأيي، هو واجب وضرورة أكبر بكل المعايير، وبخاصة في بلد كالمملكة التي تعد، وللأسف، من أعلى دول العالم نسبةً في الحوادث المرورية. ذلك لأن احتمالية الحوادث المرورية والمخاطر الناجمة عنها أكبر، نظراً إلى الكم الهائل من المركبات على الطرقات واستخدامنا للمركبات بنحو شبه يومي، وأيضاً لأن خطورة حوادث المركبات لا تكمن في مجرد حصولها فقط، بل في نتائجها الأليمة سواء على صاحب المركبة أو على الغير. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن الالتزام بثقافة التأمين عموماً، والحرص على أن تكون جزءاً من مسؤوليتنا الحياتية خصوصاً، تجنباً لأي طارئ هو المسالة المهمة بحد ذاتها.


والآن بـقي أن أسألك أنــت، بـأي العـقـليتين تتمتع؟! 

هل تدفع مثلاً عشرين دولاراً فقط مقابل 20 مليوناً يستلمها ورثتك في حالة سقوط الطائرة (وهو احتمال لا يتجاوز واحداً على 120 مليوناً!؟) أم تدفع مبلغاً بسيطاً للتأمين على مركبتك التي تقودها بشكل يومي؟ 

إن التأمين على المركبات وُضع ليكون ذا تكلفة زهيدة، أي أقلّ تكلفة، حتى لا يزيد الوطأة الاقتصادية على المؤمن، ولكنّه، في نفس الوقت، يحفظ حقوقه وحقوق غيره. وهذا بحد ذاته عنصر اطمئنان وأمان يعزز ثقتك في قيادة سليمة وأكثر سلامة. 

وأذكر أن منظمة الصحّة العالمية أصدرت تقريراً يشير إلى أن حوادث السير (وليس السرطان أو الإيدز أو أي مرض آخر) هي السبب الأول لوفيات صغار السن في العالم. فقد اتضح أن حوالي 400 ألف شخص دون سن الخامسة والعشرين يموتون سنوياً في حوادث سير، وأن الملايين يصابون بجروح أو إعاقات دائمة. 

وهذه المفارقة وحدها تثبت أهمية الثقافة المرورية والتوعية المستمرة في تخفيض عدد الوفيات والإعاقات في أي مجتمع، والتي يأتي في مقدّمها الالتزام بامتلاك وثيقة التأمين على المركبات حمايةً لنفسك ولغيرك.

وقد أشادت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها، بجهود المملكة في تعزيز السلامة المرورية بما يحقق المستهدفات العالمية في حفظ الأرواح والممتلكات. وبيّنت المنظمة في التقرير أن هناك انخفاضاً في أعداد وفيات حوادث الطرق بنسبة 35 في المائة، وانخفاضاً في معدل الوفيات لكل 100 ألف نسمة بنسبة 40 في المائة خلال الفترة من 2016 إلى 2018. كما لفت تقرير منظّمة الصحة العالمية إلى المنهجية التي تسير عليها المملكة في تحسين السلامة المرورية، وذلك من خلال برنامج التحوّل الوطني و«رؤية 2030». 

بالتأكيد، يعود هذا الأمر إلى الوعي والاهتمام والصرامة في تطبيق قواعد المرور. وبموازاة ذلك، يبرز الوعي والحث على امتلاك وثائق تأمين ضد الحوادث بمختلف أنواعها.. وثائق تأمين تحميك، وتحمي غيرك، وتعيد تأهيل مركبتك، وتعفيك من دفع فواتير الخدمات الطبية المرتفعة في حال احتجت إليها...

امتلك وثيقة تأمين... وقد بأمان..


References:

https://www.spa.gov.sa/2031163

https://www.albayan.ae/editors-choice/varity/2019-10-09-1.3669782

https://www.okaz.com.sa/news/local/2009174

https://aawsat.com/home/article/2124861/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%AF%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-52-%D9%88%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7




‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

سيرة فهد الأحمدي .. بقلم عبدالله المغلوث

 ارفع يدك إذا كنت تريد أن تصبح كاتبا ناجحا. لن أدعك ترفعها طويلا. فسيرة الزميل الكاتب المتألق فهد الأحمدي، ستقطفها وتجعلها تسبح على لوحة المفاتيح أو على أقرب ورقة أمامك.

ولد فهد عام 1969، في المدينة المنورة في حي العطن الشعبي المناهز للمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف. نشأ في منزل جدته لأمه والتي تنتمي لأسرة الصقعبي التي تعود جذورها إلى منطقة القصيم (وسط السعودية)، مما دفع من حوله مبكرا إلى مناداته”فهد الصقعبي” إثر التصاقه بجدته وولعه بها.
عندما خرج إلى الشارع وجد نفسه بالقرب من موقف كبير للسيارات في الحي الذي يقطنه يدعى” موقف السبق”، والذي كان محطة للحجاج والمعتمرين من كافة أنحاء المعمورة لالتقاط سيارات الأجرة قبل انتشار الحافلات.
فاختلط بالعديد من الجنسيات في سن مبكرة فأصبح منفتحا مبكرا لا يستنكر، لا يشجب، بل يتأمل، ويصغي، ويكبر بسرعة.
احتكاكه بالعالم شجعه على العمل في محل لبيع الأدوات المنزلية يمتلكه عمه ووالده ،الذي يعمل ممرضا، أمام المسجد النبوي. خطف في المحل كلمات وجملاً عديدة من شفاه الأجانب الذين يتقاطرون بوفرة إلى المحل. تردد الحجاج والمعتمرين على المنزل الذي يقطنه طور لغاته الأجنبية، حيث كانت العديد من الأسر في المدينة ومكة تؤجر غرفا في منازلها للقادمين من أصقاع العالم إثر عدم توفر فنادق وشقق تستوعبهم.
درس الابتدائية في مدرسة الشهداء الزاخرة بالتاريخ. أحب الكتب. واقتنى في سن العاشرة كتاب أدب الرحلات في التاريخ، ومذكرات هتلر . انتقل إلى متوسطة ابن خلدون. وفيها تعلق بالكتب أكثر. فانصرف عن المناهج. يبرر:”لم نلتق”. كانت المرحلة الثانوية مأهولة بالحيرة. ازداد ارتباطه بالكتاب، وابتعاده عن المناهج والمدرسة، فقد كان يضع كتاب النحو وفي بطنه كتابا آخر احتيالا على أسرته. فطالما قال له أهله عندما يرونه وهو يقرأ:”ما شاء الله عليك. تذاكر طوال 24 ساعة”.
بعد المرحلة الثانوية دخل عدة جامعات داخلية وخارجية. درس في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة تخصصي الجيولوجيا، والحاسب الآلي دون أن يحصل على البكالوريوس. ثم حزم حقائبه وحلمه إلى جامعة هاملن في مانيسوتا الأمريكية. لم يكمل فيها أيضا. فقد كان يداوم في المكتبة.
قرر أن يغادر أمريكا ويعود إلى الوطن برفقة فكرة حالمة تهمس في أذنه قائلة:” ستجد وظائف عديدة دون شهادة. فأنت مثقف ومجتمعك بحاجة إليك”.
لم تكن أكثر من مجرد فكرة حالمة. فالوطن لم يقدر موهبته وهو لا يحمل شهادات ووثائق. أيضا، والده كان مأهولا بخيبة الأمل. فهو يعتقد أن عودة ابنه بددت حلمه، وماله الذي أنفقه عليه، كونه لم يكن مبتعثا على حساب أي جهة. جلس فهد عاطلا عن العمل والفرح عامين وهما90 و91.
وخلال إحدى رحلاته المكوكية لجدة بحثا عن عمل، وهربا من حزن أبيه، والناس في المدينة المنورة الذين نهبوه أسئلة عن مستقبله وحلمه حط ركابه وأناخ قلقه في كافتيريا شعبية. استوقفته فيها جملة موجزة خلال حديث بين مصريين. فقد كان أحدهما يقول للآخر:” اللي تغلب بو العب بو”. أي استثمر ما تفوز به. تلك العبارة دارت في رأسه طويلا حتى جعلته يتساءل قائلا:” ماذا لدي لأستثمره وأفوز من خلاله؟”. لم يجد فهد غير المعلومات والثقافة التي اكتسبها من قراءة مئات الكتب والمقالات. خرج من الكافتيريا محاصرا بالعبارة السابقة والرغبة في ترجمتها من خلال بضاعته(الثقافة)، لكنه سأل نفسه مجددا:”من يشتري الثقافة والمعلومة؟”.
لم يطل تفكيره. لاحت فكرة مراسلة الصحف في أفقه رغم أنه لم يفكر قبل ذلك بالكتابة. فلم تعبره هذه الفكرة أبدا قبل ذلك.
راسل الصحف السعودية لمدة عام ونصف دون أن يرد عليه أحد حتى أجاب عليه رئيس تحرير صحيفة المدينة وقتئذ، الأستاذ محمد حسني محجوب وطلب مقابلته على ضوء الخطاب الذي بعثه والمقالات التي أرفقها معه. ومن فرط سعادة الأحمدي بالاتصال ذهب إلى جدة، حيث المركز الرئيس للصحيفة، في نفس اليوم رغم أنه للتو قد عاد للمدينة المنورة. ويتذكر فهد أن الأستاذ محجوب لم يبد حماسة كبيرة لاستكتابه مباشرة. فقد كان يحاول بلباقة كبيرة الاعتذار عن ضمه لقائمة المتعاونين مع الصحيفة كونه جاء حديثا لصحيفة المدينة قادما من صحيفة عكاظ وبحاجة إلى مزيد من الوقت قبل اتخاذ قرار بشأنه إثر الملفات الغفيرة التي تحيط به آنذاك. وخلال الاجتماع دخل الزميل الأستاذ جمال خاشقجي، الذي كان يعمل في المدينة وقتئذ، واستمع إلى جزء من الحوار بينهما قبل أن يقول للأستاذ محجوب:”لمَ لا نجربه؟” وبالفعل اقتنع رئيس تحرير المدينة بالفكرة وباركها.
وحينها بدأ فهد بكتابة زاوية يومية في المدينة بعنوان”حول العالم”. يقول:” عملتُ مجانا لمدة ستة أشهر. لكن كنت سعيدا و مدينا للصحيفة التي فتحت صدرها لي”.
وكانت أول مكافأة يحصل عليها من المدينة ألفي ريال. وارتفعت المكافأة مع مرور الوقت إلى ستة آلاف ريال. وكتب في المدينة كمتعاون لمدة 10 سنوات. وكانت مقالته تتكون من نحو 500 كلمة.
في عام 2000 تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس تحرير صحيفة الرياض، الأستاذ تركي السديري. وأبدى السديري خلال الاتصال رغبته في انتقاله إلى صحيفة الرياض وأشار إلى أن الصحيفة سوف تعطيه ضعف المكافأة التي يحصل عليها من المدينة رغم أنه لا يعرف حجمها، إيمانا بموهبته.
وقد نقل الزميل فهد العرض إلى الزملاء في المدينة، وانتظر إجابتهم لمدة 40 يوما من”باب الوفاء” على حد قوله قبل أن ينقل أمتعته ومقالاته إلى صحيفة الرياض التي أصبح حاليا أحد عناصرها المهمة.
الأحمدي لا يملك شهادة دكتوراه، لكن يملك موهبة حقيقية، وتجربة مطرزة بالكفاح والفشل والشغف جعلت مقالاته تستلقي على الصفحة الأخيرة لإحدى أهم الصحف المحلية في المملكة. فربما تحقق أنت وأنتِ ذات النجاح أو أكثر من خلال المزيد من الإصرار والطموح.

الأحد، 29 مارس 2020

كيف انتهت هذه الزاوية؟


طوال الــ28 عاما التي قضيتها في تحرير هذه الزاوية «من عام 1991 حتى 2019»، لم أعتقد يوما أنني على حـق.. كنت وما زلت على قناعة بأن الكاتب ليس معلما ولا حكيما، ولا يفترض به الحديث من برج عاجي، هـو فقط شخص يفكر بصوت مكتوب، ويعـبر عن رأيه علنا «مكره أخاك لا بطل».. تعبيره عن رأيه علنيا لـيس شجاعة، بـل طبيعة مهنة تجعله يعيش على كف عفريت، ويجذب إليه عداوات واتهامات يتقبلها كضريبة عمل.. الصحافيون والكتاب بالذات يدركون قبل غيرهم، أن الجماهير لا تتفق على رأي، وتميل إلى اتهام وتخوين من يختلف معهم في الرأي - ولا يتلقون آراء غيرهم بالنظرة والمستوى ذاتيهما.

أنا من جهتي؛ لا أستطيع الجزم بعدد العقول التي أثرت فيها، ولكن هناك إحصائية للدكتور أحمد الزمامي (نشرت بتاريخ 4 أكتوبر 2017 في صحيفة الرياض)، تشير إلى أن ما نشر في زاوية حول العالم يعادل 50 رسالة دكتوراه.. وحين انتقده البعض «كيف تقارن مقالات صحافية برسائل أكاديمية؟»، أشار إلى أن المقالات نشرت جميعها بنسبة 100 في المئة، وتأثر بمحتواها الناس، وتم تداولها في المواقع والمنتديات.. وفي المقابل، ظلت الثانية - في معظمها - حبيسة الأدراج، وغير مقروءة، ولا يتداولها الناس.. أنـا شخصيا؛ ابتعدت نهائيا عن هذا النقاش، ليس فقط لأن شهادتي فيه مجروحة، بل لأن ما يهمني أكثر هو شهادات القراء الذين يملؤون بريدي الإلكتروني أو يتعرفون علي في الشارع، ويتحدثون معي كصديق يعرفونه من سنين (بدليل تكرارهم جملة أصبحت تشعرني بالشيخوخة: كنت أقرأ لك من أيام الابتدائي)!!

غير أنني أخيرا قررت التوقف عن الكتابة اليومية، والتفرغ للتأليف، لأسباب يصعب قـولها حاليا..

وفي المقابل، أصبحت ثقتي كبيرة بمجال التأليف كوني نشرت حتى الآن تسعة كتب ناجحة (خلال ست سنوات فقط) رغم التزامي بكـتابة مقالين في اليوم.

وهذا يعني أنني لن أهجر الكتابة ذاتها، (فالكتابة عشق يرفض التقاعد)، ولكنني سأطل عليكم من خلال كتابين في الـعـام، وربما مقال أسبوعي أو شهري للتنفيس عن أفكار يصعب كبتها.. نعـم؛ ستغيب الزاوية بعد هذا المقال؛ ولكن الأفكار ذاتها ستستمر بصرف النظر عن وسيلة النشر. لدي قناعة بأن ما يستحق النشـر سيتولى الناس نشره بعفوية في الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، لن أغيب (حتى لو أردت الغياب)؛ لأن الإنترنت تحولت إلى أرشيف أزلي، والشيخ جوجل يسترجع خلال ثوان مقالات كـتبتها قبل ربع قرن.

وبما أن هذا المقال هو آخر مقال لي في صحيفة الرياض، أجدها فرصة لتقديم اعتذاري من كل قــارئ أغضبته، أو اختلفت معه، أو أسأت إليه من دون قصد.

أتقدم بالشكر والعرفان للقراء الذين تابعـوا الـزاوية، وكبروا معها، وبقوا أوفياء لها.

للأساتذة والمسؤولين الذين منحوني ثقتهم في صحيفة المدينة، ثم جريدة الرياض، وساعدوني على نشر 9520 مقالا، وممارسة (أجـمل مهنة في العالم).

كيف بدأت هذه الزاوية؟


بعـد عامين من مراسلة الصحف ظهر أول مقال (من هذه الزاوية) في صحيفة المدينة بتاريخ 7 أغسطس 1991.. كان بعـنوان (انفجار سيبيريا) وكان عمري حينها 24 عاماً فقط. لم أستلم أي راتب طوال الستة أشهر التالية، رغم أنني كنت حينها عاطلاً عن العمل، ولكنني كنت سعيداً بظهور صورتي في صحيفة كبيرة. وبسرعة حققت الزاوية شعـبية كبيرة بفضل بعدها عن السياسة والهموم المحلية وتركيزها على الغرائب والشؤون العالمية (خصوصاً أنها ظهرت قبل ظهور الإنترنت في السعودية بتسع سنوات).. وفي الرابع من يونيو 1999 أثبت استطلاع رأي نظمته الصحيفة أنها تعـد ثاني أبـرز عنصر جاذب للقراء (بعد الصفحات الرياضية) فقرر رئيس التحرير نقلها إلى الصفحة الأخيرة ومنحني راتباً قدره ألفا ريـال.. في الشهر.

وفي أغسطس 2000 تلقيت عرضاً من المرحوم الأستاذ تركي السديري للعمل في صحيفة الرياض.. وافقت فوراً، ولكن بشرطين، الأول؛ أن أكون حراً ولا أداوم في مقر الصحيفة، والثاني أن تظهر الزاوية في الصفحة الأخيرة كما في صحيفة المدينة.. قال بكل ثـقة: مقالاتك أرسلها لنا بالإيميل، وزاويتك تناسب الطبيعة الخفيفة للصفحة الأخيرة.. لم يسألني كم راتبي ولكنه قال في نفس المكالمة: سنمنحك ثلاثة أضعاف راتبك في المدينة، ولكن الزاوية يجب أن تظهر بنفس العنوان في الرياض.. فرحت بالراتب، ولكنني كرهت الشرط الثاني لأن (حول العالم) كان عنواناً قديماً ومستهلكاً حتى في ذلك الوقت، ولم أختره بنفسي حين بدأت مغلوباً على أمري في صحيفة المدينة.

ودون شك، كان انتقالي لصحيفة الرياض علامة فارقة في حياتي المهنية.. أول مقال فيها ظهر يوم الخميس 21 سبتمبر 2000 وكان بعنوان "فيروس يلتهم قارة".. وفي عـام 2006 تم تفريغي لأصبح موظفاً رسمياً بكامل الامتيازات (وحدث ذلك متأخراً لأنني كنت أعمل حتى ذلك التاريخ مديراً للشؤون الإعلامية في إمارة المدينة المنورة).

كان الأستاذ تركي يؤمن بمبدأ تفريغ المواهب لقناعته بأنهم عـماد أي صحيفة ناجحة.. منح الصحفيين والكتّاب ليس فقط وظائف ورواتب رسمية، بل وأيضاً أسهماً في مؤسسة اليمامة ضماناً لـبقائهم فيها.. لم أطلب منه يوماً علاوة في الراتب، ولكنه كان يمنحني علاوات متقطعة كلما حضر مجلساً يشيد فيه الناس بزاوية حول العالم (حتى أصبحت قيمة مقالي اليومي في صحيفة الرياض، تساوي جميع مقالاتي خلال شهر في صحيفة المدينة).

قبل أن يتراجع إقبال الناس على الصحف الورقية؛ عـاشت زاوية حول العالم فترة تألق تؤكدها أعداد الزيارات والمشاهدات في موقع الرياض الإلكتروني.. خذ كمثال مقال (أين تستعيد محفظتك) الذي نشر بتاريخ (17 مايو 2010) وحقق 688,234 زيارة و764 رداً من القراء.. وفي عام 2008 نظم الموقع، بالتعاون مع وكالة الرياض للسياحة، جائزة للكتّاب الذين يتلقون أكثر عدد من الردود الشهرية، فنلت جميع التذاكر.. وحتى وقت قريب كان الموقع ينشر قائمة بالمواد "الأكثر مشاهدة" وكانت زاوية حول العالم تحتل المركز الأول في كافة أيام الأسبوع (ما عدا الأيام التي يفوز فيها الهلال على النصر).

غـير أنني بعـد 28 عاماً لم أتوقف فيها عن الكتابة اليومية (حتى أثناء إجرائي لعمليتين جراحيتين ووفاة ابنتي الصغيرة) قررت اليوم إحالة الزاوية للتقاعد.. وتفريغ الكاتب للتأليف.

تراجع الصحف الورقية ليس السبب الوحيد، ولكن لضيق المساحة سأخبركم في المقال المقبل بـالمزيد.. وسيكون آخر مقال من زاوية حول العالم.

ما تبقى من العالم


سئل عباس العقاد: لماذا تقرأ؟ قال: لأنني أريد أن أعيش أكثر من حياة..

ونفس الجواب تقريباً أقــوله لمن يطرح علي هذا السؤال: (لماذا تسافر؟)..

فأنا أسافر، ليس فقط بحكم المهنة، بـل لأنني أبحث عن تجارب ومواقف وخبرات مختلفة.. لن أنتظر سن التقاعد لأرى العالم، بل أريد أن أتقاعد وقد شاهدت كل العالم.. أعتبر نفسي محظوظاً أكثر من العقاد لأنني (بالإضافة لقراءة ألف كتاب) زرت 90 دولة، وتعاملت مع شعوب كثيرة، وشاهدت أغلب المعالم التي يراها الناس على التلفزيون.. وصلت لمرحلة أصبح فـيها (ما تبقى من العالم) أقــل مما شاهدته وسافرت إليه فعلاً..

ومن الرحلات والوجهات التي لم أزرها.. وأتـمنى زيارتها قبل وفاتي:

زيارة القدس الشريف (علماً أن معظم الناس يخلطون بين المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة الأكثر شهرة)!

ومن هناك أصعد لروسيا لأخذ (قطار سيبيريا) الذي يستغرق أسبوعاً في رحلته من موسكو إلى الصين!

وقبل القطار ربما أركب كاسحة الجليد التي تتولى فتح الممرات البحرية في القطب الشمالي (وللأسف لم أركبها حين زرت فنـلندا قبل أعوام)!

وكذلك ركوب زورق في النيل يبحر من القاهرة حتى منابع النهر في كينيا وأثيوبيا.

وكذلك الإبحار على خطى التايتانك في أضخم سفينة ركاب (كوين ماري2) من ليفربول حتى نيويورك!

وبعد أن حلقت فوق شلالات إجوازو في البرازيل أرغب بالتحليق بالهليكوبتر فوق شلالات آنجل أعلى شلالات بالعالم في فنزويلا..

وكنت في كتاب حول العالم في 80 مقالاً قـد تمنيت عبور قناة بـنما (وهي الأمنية التي حققتها في سبتمبر 2018) وبالتالي بقي قناة السويس وحلم العبور من البحر الأحمر للبحر الأبيض المتوسط!

وفي العام 2015 حققت حلمي بزيارة مضائق النرويج الغـربية، ولكنني للأسف لم أدخل الدائرة القطبية، وتراجعت عن رؤية أضواء الليل الملونة التي تشكلها الرياح المغناطيسية في تلك المنطقة!

ولأنني تراجعت أيضاً عن زيارة الأندلس مرتين (أثناء زيارتي المغرب العام 2009 وإسبانيا العام 2011) أرغب بتكرار المحاولة وزيارة آثار أجدادنا في قرطبة وإشبيلية وغرناطة!!

ورغم أنني زرت كوريا الجنوبية مرتين (2009 و2012) لم أزر كوريا الشمالية ولم أنجح في زيارة الحدود العسكرية الفاصلة بين البلدين (أكبر منطقة ملغمة في العالم)..

وأخيراً؛ أتمنى (بعد عودة الاستقرار لليمن) رؤية صنعاء القديمة وزيارة ناطحات السحاب الطينية بشبام حضرموت (التي تأتي ضمن قائمة التراث العالمي التابع لمنظمة اليونيسكو)!!.

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...