الأحد، 29 مارس 2020

كيف انتهت هذه الزاوية؟


طوال الــ28 عاما التي قضيتها في تحرير هذه الزاوية «من عام 1991 حتى 2019»، لم أعتقد يوما أنني على حـق.. كنت وما زلت على قناعة بأن الكاتب ليس معلما ولا حكيما، ولا يفترض به الحديث من برج عاجي، هـو فقط شخص يفكر بصوت مكتوب، ويعـبر عن رأيه علنا «مكره أخاك لا بطل».. تعبيره عن رأيه علنيا لـيس شجاعة، بـل طبيعة مهنة تجعله يعيش على كف عفريت، ويجذب إليه عداوات واتهامات يتقبلها كضريبة عمل.. الصحافيون والكتاب بالذات يدركون قبل غيرهم، أن الجماهير لا تتفق على رأي، وتميل إلى اتهام وتخوين من يختلف معهم في الرأي - ولا يتلقون آراء غيرهم بالنظرة والمستوى ذاتيهما.

أنا من جهتي؛ لا أستطيع الجزم بعدد العقول التي أثرت فيها، ولكن هناك إحصائية للدكتور أحمد الزمامي (نشرت بتاريخ 4 أكتوبر 2017 في صحيفة الرياض)، تشير إلى أن ما نشر في زاوية حول العالم يعادل 50 رسالة دكتوراه.. وحين انتقده البعض «كيف تقارن مقالات صحافية برسائل أكاديمية؟»، أشار إلى أن المقالات نشرت جميعها بنسبة 100 في المئة، وتأثر بمحتواها الناس، وتم تداولها في المواقع والمنتديات.. وفي المقابل، ظلت الثانية - في معظمها - حبيسة الأدراج، وغير مقروءة، ولا يتداولها الناس.. أنـا شخصيا؛ ابتعدت نهائيا عن هذا النقاش، ليس فقط لأن شهادتي فيه مجروحة، بل لأن ما يهمني أكثر هو شهادات القراء الذين يملؤون بريدي الإلكتروني أو يتعرفون علي في الشارع، ويتحدثون معي كصديق يعرفونه من سنين (بدليل تكرارهم جملة أصبحت تشعرني بالشيخوخة: كنت أقرأ لك من أيام الابتدائي)!!

غير أنني أخيرا قررت التوقف عن الكتابة اليومية، والتفرغ للتأليف، لأسباب يصعب قـولها حاليا..

وفي المقابل، أصبحت ثقتي كبيرة بمجال التأليف كوني نشرت حتى الآن تسعة كتب ناجحة (خلال ست سنوات فقط) رغم التزامي بكـتابة مقالين في اليوم.

وهذا يعني أنني لن أهجر الكتابة ذاتها، (فالكتابة عشق يرفض التقاعد)، ولكنني سأطل عليكم من خلال كتابين في الـعـام، وربما مقال أسبوعي أو شهري للتنفيس عن أفكار يصعب كبتها.. نعـم؛ ستغيب الزاوية بعد هذا المقال؛ ولكن الأفكار ذاتها ستستمر بصرف النظر عن وسيلة النشر. لدي قناعة بأن ما يستحق النشـر سيتولى الناس نشره بعفوية في الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، لن أغيب (حتى لو أردت الغياب)؛ لأن الإنترنت تحولت إلى أرشيف أزلي، والشيخ جوجل يسترجع خلال ثوان مقالات كـتبتها قبل ربع قرن.

وبما أن هذا المقال هو آخر مقال لي في صحيفة الرياض، أجدها فرصة لتقديم اعتذاري من كل قــارئ أغضبته، أو اختلفت معه، أو أسأت إليه من دون قصد.

أتقدم بالشكر والعرفان للقراء الذين تابعـوا الـزاوية، وكبروا معها، وبقوا أوفياء لها.

للأساتذة والمسؤولين الذين منحوني ثقتهم في صحيفة المدينة، ثم جريدة الرياض، وساعدوني على نشر 9520 مقالا، وممارسة (أجـمل مهنة في العالم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...