الخميس، 19 مارس 2020

جلسات تحضير المبدعين


المبدعون لا يختفون، ولكننا نعجز فقط عن اكتشافهم..

أرواحهم موجودة في كل مكان ولكننا لا نملك القدرة على رؤيتهم..

الإبداع هو الوجــه الآخر للتفكير، والتفكير فطرة تلقائية يملكها جميع البشر..

حين يقل عدد المبدعين في أي بلد فاعلم أن المجتمع إما يكبت موهبة الإبداع لدى أبنائه، أو لا يملك ببساطة الوسائل المناسبة لاكتشافهم واستغلال مواهبهم..

المسابقات الفنية التي تنظمها القنوات التلفزيونية مجرد مثـال على فكرة اكتشاف المواهب.. تتفاجأ خلالها بكثرة الأصوات الغنائية الرائعة لدرجة تتساءل؛ أين كان هؤلاء؟ ولماذا لم نسمع عنهم من قبل؟ ولماذا يختفون ولا يشتهرون مستقبلاً؟

أنا شخصياً لدي تجربتان مدهشتان في هذا المجال..

الأولى مشاركتي كمتحدث في معرضين للمخترعين السعوديين في الرياض وجدة.. لم أتوقع مشاركات كبيرة أو مهمة ولكنني «للأمانة» فوجئت بالكم الهائل من المخترعين الذين يعرضون ابتكارات فاقت توقعاتي.. أصبحت أتساءل بحيرة: أين كان هؤلاء؟! وأتساءل بغضب: أين رجال الأعمال ووزارة الصناعة من استثمار هذه الابتكارات وتحويلها إلى منتجات قابلة للتصدير؟!

أما تجربتي الثانية فكانت في قناة المجد حين تشرفت بالعمل كمُحكم في برنامج يدعى «الشاشة لك».. كانت فكرة البرنامج تعتمد على استعراض لقطات سينمائية قصيرة يصورها ويبعثها عموم المشاهدين.. ورغم أن كل حلقة تستعرض 4 مشاركات فقط، استقبل موقع البرنامج خلال رمضان أكثر من 2800 مشاركة لم يظهر منها سوى 120 فـقط «وهو ما يعني تجاهل 89 مشاركة من كل حلقة»!!

هـذه الأرقام المدهشة جعلتني أتساءل: من أين أتى كل هؤلاء الشباب؟ وإلى أين سيذهبون؟ ومن أين لهم مثل هذه الخبرات التلفزيونية والسينمائية؟ وكم سيرتفع عددهم لو فـتحت لهم فرص وبرامج أكـبر!؟

هذه التجارب تؤكد أن المبدعين يوجدون في كل زمان ومكان، ولكن المجتمعات إما تعجز عن اكتشافهم، أو تطمس مواهبهم، أو لا تملك بيئة قادرة على استثمار إبداعاتهم «ولهذا السبب لا يظهر مبدعونا العرب إلا في الجامعات الغربية»..

يمكنك فتح المجال لاكتشاف آلاف المخترعين والمبدعين والعباقرة والفنانين «حتى في أقل المجتمعات سكاناً» ولكن هل يمكنهم الانتقال إلى «مرحلة التطبيق والتنفيذ» ما لم يظهروا في مجتمع مهيأ وبيئة مساندة.

ما أطالب به هو تنظيم منافسات وطنية سنوية لاكتشاف المواهب في المجالات كافة «وأدعوها مجازاً: جلسات تحضير المبدعين».. كما نحتاج لخطوة أكثر تقدماً تـسـتثمر إبداعاتهم وتربطها بالجهات القادرة على استغلالها في القطاعين الخاص والعـام..

لماذا توقفت لدينا معارض المخترعين بعد تنظيمها لمدة عامين فقط؟ ولماذا تراجعت النشاطات المسرحية والعلمية في مدارسنا؟ ولماذا تكتفي قنواتنا الفضائية باكتشاف المواهب الغنائية؟ ولماذا لا تبادر الأندية الأدبية «والعلمية إن وجدت» لاكتشاف أدباء وعلماء المستقبل؟ ولماذا لا تملك وزاراتنا مواقع إلكترونية تستقبل اقتراحات المواطنين الإبداعية «كما سبق وطالبت في مقال: مطلوب مخترعين لهذه الوزارات»؟

الموهوبون والمبدعون موجودون في كل مكان ولكنهم يحتاجون فقط إلى «جلسات تحضير» خاصة بهـم.. بمجرد أن تفتح ثقباً صغيراً في جدار الإبداع سيتدفقون بقوة كاسحة.. وحين تفتح ثقوباً كثيرة ستخلق ثـقافة إبداعية تغـمر الأفكار التنظيرية والأيديولوجية كافة التي لا تغني ولا تسمن من جوع..

جربوا فقط؛ وستفاجؤون مثلي بغزارة الـتـدفـق!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...