الخميس، 19 مارس 2020

حـان الوقت لمناقشة مسألة التجسس


في مايو 1964 اكتشف فريق أميركي متخصص 40 جهاز تنصت زرعها الروس في السفارة الأميركية في موسكو.. قررت أميركا بناء سفارة جديدة، ولكنهم اكتشفوا في العام 1982 أن الروس زرعوا فيها أيضاً أجهزة تنصت داخل خرسانة الأعمدة والأسقف.. وهكذا اضطرت أميركا لبناء سفارة أخرى ولكن أعمال البناء توقفت العام 1985 حين تبين أن الروس سربوا أدوات تجسس جديدة من خلال المقاولين المحليين.

أما بريطانيا فـمنعت في العام 1987 كتاباً بعنوان صائد الجواسيس Spycatcher لأن عميل المخابرات المتقاعد بيتر رايت يفضح فيه طريقة تجسس بريطانيا على السفارات الأجنبية منذ ثلاثين عاماً. وفي العام 2010 أثار إدوارد سنودن "المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي" أزمة كبيرة حين كشف بالأدلة تجسس أميركا منذ عشرين عاماً على السفارات الفرنسية والألمانية والإيطالية ومقرات الاتحاد الأوروبي.

وهذه مجرد نماذج تؤكد أن جميع الدول تتجسس على بعضها البعض ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.. آخر حادثة من هذا النوع هو تجسس الاستخبارات التركية "وبحسب الصحف التركية نفسها" على القنصلية السعودية وتسجيلها حادثة جمال خاشقجي.. حديث أردوغان "في 23 أكتوبر 2018" عن التحضيرات المسبقة للعملية تؤكد أن التجسس على القنصلية كان يتم منذ وقت طويل، وأن المخابرات التركية كانت تعلم بتفاصيل الجريمة قبل وقوعها.

وبما أن التجسس على البعثات الديبلوماسية يخالف قانون فيينا للعمل الديبلوماسي "للعامين 1961 و1964" وبما أنه ينافي الأعراف الدولية ويرجح فرضية التجسس على بقية السفارات؛ أصبحت السلطات التركية في حـرج من ادعاءات وجود التسجيلات نفسها.. ففي حال ثبت فعلاً وجود "التسجيلات" فإنها لا تدين نفسها فقط، بــل تعد شريكاً في الجريمة؛ كونها علمت مسبقاً بوقوعها ولم تحاول منعها.. على أي حال؛ التجسس على قنصليتنا في إسطنبول يلفت انتباهنا لاحتمال التجسس على سفاراتنا كافة في الخارج.. وهو احتمال لا يغـيب عن وزير خارجيتنا عادل الجبير، ويدفعنا لوضع بروتوكولات تواصل جديدة تمنع عمليات التجسس عليها "بل وتشكيل فريق تقني متخصص يكشف على مبانيها بشكل دوري". أيها السادة؛ قبل 22 عاماً كتبت مقالاً توقعت فيه اختفاء السفارات "في المستقبل"؛ كون تقنيات التواصل الحديثة ألغت الحاجة لوجود مندوب بشري "يعيش بشكل دائم" في الدول الأخرى.. أعتقد اليوم أننا نعيش ذلك المستقبل!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...