الأحد، 29 مارس 2020

الخيميائي


الخيمياء علم قديم (سبق الكيمياء) يهتم بأمرين رئيسيين هما تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، والتوصل إلى سر الشباب الدائم. وفي سعي الخيميائيين لهذين الحلمين أسسوا بدون قصد منهم الكيمياء الحديثة.

فمعظم علماء العصر القديم كانوا يؤمنون بوجود ما يسمى بحجر الفلاسفة الذي يهب لمن يملكه القدرة على تحويل كل ما يلمسه إلى ذهب. واقتضى الأمر قروناً طويلة حتى تشكلت قناعة باستحالة تحويل المعادن الرخيصة كالنحاس إلى أخرى نفيسة كالذهب.. أما الحلم الآخر (البقاء شاباً) فيمكن القول إننا نجحنا نسبياً في تحقيقه هذه الأيام من خلال الارتفاع المستمر في متوسط عمر الإنسان المعاصر!

ورغم أن علماء الذرة في هذا العصر نجحوا أخيراً في تحويل الرصاص إلى ذهب، تكلف الطريقة المتبعة أموالاً تفوق قيمة الذهب المنتج. وهذا النجاح المتواضع يعد تتويجاً لمحاولات تعود إلى أيام الإغريق حين ادعى أرسطو أن الاختلاف بين النحاس والحديد مجرد تفاوت في محتواهما من تلك العناصر وأنه يمكن بشيء من التوافيق والتباديل تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب. وقد أثارت هذه الفكرة حماس الأباطرة والملوك فتبنوا تجارب من هذا النوع.. فالملكة اليزابيث الأولى مثلاً استأجرت عالماً خاصاً من أجل تلك المهمة. وفي القرن السابع عشر وظف إمبراطور النمسا فيردناند الثالث مجموعة كبيرة من الكيميائيين الذين انتجوا معدناً براقاً يشبه الذهب حصلوا عليه بعد صهر الكبريت مع الرصاص بنسب معينة.. أما الكيميائي السويسري براسيلوس فبعد أن قضى فترة طويلة في خدمة ملوك أوروبا اقتنع أخيرًا باستحالة تحويل المواد إلى ذهب فأحرق جميع كتب الخيمياء قبل وفاته عام 1541.

وبعد سكون طويل عادت الحياة لعلم الخيمياء في عام 1919 حين نجح عالم الذرة أرنست رذفورد في تحويل النتروجين إلى أكسجين بواسطة الإشعاع. وبهذه التجربة أثبت إمكانية تحويل المواد بعمومها إلى أخرى مختلفة. وأثناء وجود هتلر في السجن عام 1924 سمع عن كيميائي من ميونخ يدعى فرانز تاوسند نجح في إنتاج الذهب من الكوارتز وأكسيد الحديد. وفور خروجه من السجن استدعاه وضمه للحزب النازي وأمره بإجراء إحدى التجارب أمامه.. وفعلاً أجريت التجربة ونجح تاوسند في إنتاج 17 غراماً من خليط فلزي يشبه الذهب فأمر هتلر بإنشاء شركة خاصة لتحويل المعادن. ولكنها سرعان ما أفلست بعد سنتين وزج بتاوسند في السجن واختفت أوراقه نهائياً.

بقي أن أشير إلى أن نجاح أي جهة في تحويل المعادن إلى ذهـب، سيهبط بقيمة الذهب نفسه لمستوى المعدن الذي أنتج منه.. فما يجعل الذهب ثميناً هو ندرته في المقام الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...