الخميس، 19 مارس 2020

درجات التباعد الست


في آخر مقال تحدثت عن ادعاءات وجـود علاقة نسب بين العائلة المالكة البريطانية ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ورغم أنني لا أميل لتصديق هذا الادعاء؛ أؤمن في المقابل بإمكانية إيجاد علاقة تقارب بين أي شخصين في العالم من خلال سـت خطوات أو درجات تباعد (تدعى أيضاً Six degrees of separation).

وهذه العلاقة اكتشفت بالصدفة حين لاحظ المهندسون (ومن يخططون شوارع المدن) أن جميع النقاط ترتبط ببعضها من خلال ست خطوات (كحد أقصى).. وفي عام 1922 نشر الكاتب الهنجاري كارينثي فيريغيس قصة بعنوان سلاسل لفتت الانتباه لإمكانية وجود علاقة بين أي شخصين على كوكب الأرض من خلال ست درجات تباعد فقط.

والمدهش أن فكرته تم إثباتها لاحقاً من خلال المعادلات الرياضية وأصبحت مؤكدة بعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر (وهذا هو السر وراء عثورك في هذه المواقع على أصدقاء قطعت علاقتك بهم، فتقترح عليك إضافتهم من جديد).

ومن خلال هذه العلاقة السداسية يمكنك حتى أنت ادعاء علاقتك ليس فقط بالملكة اليزابيث، بل وبإمبراطور اليابان، ودونالد ترامب، وحتى مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

لا يستطيع أحد أن يتهمك بالكذب حين تدعي مثلاً أنـك عربي من نسل إسماعيل (أبو العرب) الذي تنحدر منه كنانة، التي تنحدر منها قريش، التي ينحدر منها بنو هاشم، التي ينحدر منها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

حتى ملكة إنجلترا يمكنك العثور على علاقة معها في حال ادعيت مثلاً أنك تعود لعرب الحجاز، الذين تنحدر منهم الملكة الأندلسية زايدة، التي تزوجت حفيدتها من الملك إدوارد الرابع، الذي تنحدر منه السلالة الملكية البريطانية الحالية.

على أي حال؛ الناس مؤتمنون على أنسابهم ما لم يدعوا شرفاً (كما قال الإمام مالك).. والسبب الأساسي لاستعراض هذه العلاقات الافتراضية معكم هو شرح ظاهرة الترابط الحتمية بين البشر في أقل من ست درجات.. يمكنكم اعتبارها نماذج لعلاقات رياضية أصبحت اليوم ركناً مهماً في تخيط المدن، وشبكات المواصلات، وبرمجة المواقع، والتسويق الإلكتروني، ناهيك عن رسائل الواتساب التي تخرج منك وتعود إليك في أقل من ست خطوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...