الخميس، 19 مارس 2020

آخر تصرف ساذج


هل يوجد تعريف علمي دقيق للـسذاجة، والحـمق، وخفة العقل؟

نعـم يمكننا ملاحظتها بين الناس، ولكن حتى المتخصصين يختلفون في تعريفها وتصنيف أصحابها..

فـالسذاجة مثل الذكاء والعبقرية (تشعر بها) ولكن يصعب عليك وصفها أو تصنيفها بطريقة علمية دقيقة..

لهذا السبب لم أعـد أعترف شخصيا بالتعريفات النفسية للذكاء والغباء.. تعريفي لهما مؤقت ومتغير ويعتمد -بكل بساطة- على تصرفنا وقتها بطريقة ذكية أو غبية.. جميع الناس يتصرفون أحيانا بطريقة ذكية، وأحيانا بطريقة غبية، وبالتالي ليس من الذكاء تكرار كلمة «ياغـبي» على طفلك - لأن تكرارها يقـنعه بأنه غبي فعلا.. أخبره أنه (في العادة) شخص ذكي، ولكنه هذه المرة بالذات تصرف بطريقة غـبية لا يجب تكرارها.

(والسذاجة) أيضا مثل (الغباء) فعل متحرك، قد يصعب تعريفها علميا ولكن يمكنني أنا وأنت ملاحظتها بين الناس..
فأنت مثــلا تتصرف بسذاجة حين تثق بالآخرين ثـقة عـمياء..

فـالثقة لا تمنح إلا بعـد تعامل وتجربة؛ وكي لا تكون ساذجا افترض مؤقتا سوء النية مع كل شخص لم تتعامل معه من قبل..

وتتصرف بسذاجة حين تدخل في خصام حاد أو نقاش طويل مع شخص جاهل أو طفل صغير أو إنسان ساذج فعلا.. لا تفعل ذلك وإلا سيضعك الناس في منزله مساوية للطرف الآخر..

وتتصرف بسذاجة حين تتحدث بلا توقف أو تحاول «سرقة المجلس» ممن هم أكبر منك سنا ومنزلة.. تعتقد أنك تفرض بذلك رأيك وحضورك، ولكنك في كل دقيقة إضافية تقدم دليلا إضافيا على سذاجتك وخفة عقلك.

وتتصرف بسذاجة حين تتحدث في كل شيء (حتى عن أسرارك الشخصية) أمام مجموعة كبيرة من الناس.. فليس كل ما يعلم يقال، وليس كل ما يقال يظل مكانه في المجلس.. والساذج وحده من لا يدرك ذلك.

كما تتصرف بسذاجة حين تفقد الإحساس بمقامات الناس فتعامل الجميع بطريقة موحدة.. يفترض أن تتعامل مع كل إنسان بحسب مستواه الاجتماعي والرسمي والأكاديمي، وتكسب بذلك احترام كل «المستويات»..

وبدون شك؛ الإنسان الساذج يُصدق كل شيء، وينقل كل شيء، وينفذ كل شيء، ويساير كل شيء.. لا تفعل ذلك دائما.. اصنع لنفسك مجموعة «فـلاتر» تمنعك من التصرف كإمعـة (والإمعة في اللغة من يكثر من قول: أنا معك)!!

أيضا تتصرف بسذاجة حين تناقش، وتحـتد، وتختلف على قضايا سطحية تافهة.. فبعض القضايا أصغر من خوضها أو خسارة الناس بسببها.. إصرارك على الخوض فيها يجعل الناس يضعونك في مستواها..

ولكن هذا لا يعني أن تبقى صامتا، أو تخفي رأيك، أو توافق على كل ما يقال.. فـعدم المشاركة (نهائيا) يوحي بأنك ساذج لا تستطيع الارتفاع لمستوى الناس حولك.. المسألة تتطلب توازنا ذكيا بين متى تتجاوز، ومتى تناقش، ومتى تفحم غيرك.

وأخيرا؛ تتصرف بسذاجة حين لا تهتم بسماع آراء غيرك وتفكر بالرد حتى قبل أن ينهوا كلامهم معك.. فكما يكره الناس من يسرق المجلس، يحبون من يستمع إليهم دون مقاطعة أو مخالفة - والعجيب أنهم يصفونه لاحقا «كمتحدث لبـق»!!

وهذه في الحقيقة مجرد أمثلة ونماذج لتقريب الفكرة فقط.. فـالتصرفات الساذجة لا تملك نهاية، ويمكنك في كل يوم اكتشاف شيء جديد..

وكما هو تعريفي للغـباء والذكاء؛ لا أعتقد أنك شخص ساذج ولكنك تتصرف أحيانا بطريقة ساذجة تندم عليها لاحقا.. الحل هـو: خــذ على نفسك عهدا بعـدم تكرار (آخر تصرف ساذج)!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...