الخميس، 19 مارس 2020

الراسخون في مواقـفهم


الثقة بالنفس تختلف عن الغـرور رغم تشابههما أحياناً في المظهر.. الثقة بالنفس تعني وعـيك بقدراتك وفهمك لأهدافـك وثقتك بنجاح أفكارك.. أما الغرور فـشعور زائف بالعظمة ومبالغة في تقدير القدرات والأهداف والأفكار.

الثقة بالنفس تعوض كل نقص، أما الغرور فيحجب عن صاحبه كل نقص.. كلما زادت ثقتك بنفسك ارتفعت فرصة نجاحك وعـدد أتباعك ومن يؤمنون بأفكارك.. حين تقرأ سير العظماء والناجحين تكتشف تمتعهم بثـقة استثنائية تكتسح كل من يقف أمامها..

لو لم يكن الملك عبدالعزيز يثق بقدرته على فتح الرياض لما زحف إليها مع بضعة من الرجال..

ولو لم يكن غاندي يؤمن بقدرته على تحرير الهند لما تحدى الاحتلال البريطاني بعصا ومعـزة..

ولو كان نيلسون مانديلا يشك بـرسالته لما صمد 27 عاماً من الحبس الانفرادي ليخرج ويصبح زعـيماً للبلاد..

ولو كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يشـك بنجاح رسالته ما قال: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه»..

أطول حرب في التاريخ وقعت بين العامين1337 و1453 بين فرنسا وإنجلترا.. انتصر الإنجليز بمعظم المعارك واحتلوا شمال فرنسا بما في ذلك باريس. غير أن ظهور فتاة فقيرة تدعى جان دارك غيّر مجرى الأحداث وقلب الموازين رأساً على عقب. فتاة فرنسية صغيرة ويتيمة حضرت من قرية بعيدة تدعى دمريمي أصرت على مقابلة الملك تشارلز السابع.. وبفضل إصرارها الكبير تمكنت من الدخول عليه وقالت له بكل ثقة: «أيها الملك العظيم أتيت لمساعدتك على تحرير فرنسا».. سخر منها الملك، وتهكم عليها قادة الجيش، ولكن ثقتها بنفسها وثباتها على موقفها أثّرا في الملك، فعهد إليها «على سبيل التجربة» بقيادة فرقة صغيرة من الجنود. وأمام دهشة الجميع حققت بهذا العدد القليل خمسة انتصارات كاسحة على الإنجليز، وكانت تخوض المعارك بنفسها ملهمة جميع الجنود من حولها..

وبعد خمس مئة عام من إحراقها على أيدي الإنجليز ظهرت في إنجلترا امرأة لا تقل عنها إصراراً وثقة بالنفس.. يعرفها معظمنا باسم المرأة الحديدية أو مارغريت تاتشر التي خاضت حرب الفوكلاند، وكانت أول امرأة تتولى رئاسة وزراء بريطانيا.. حين تولت رئاسة الحكومة العام 1979 كان الاقتصاد البريطاني يعاني من التدهور، وكانت الخدمات العامة تثقل كاهل الدولة، ونقابات العمال تعيق نمو الاقتصاد.. كانت على ثقة بأن إنجلترا لن تخرج من أزمتها إلا «بالخصخصة» وتخلص الحكومة من الخدمات العامة وتحويلها «سلعاً» تخضع لقانون العرض والطلب.. ورغم التظاهرات التي استمرت ضدها لعامين، ورغم الإضرابات المتكررة التي قادتها نقابات العمال، لم تتراجع أو تستسلم أو تغـير موقفها أبداً.. تـذمر أفراد الشعـب، وتراجع أعضاء الحزب، وانتقدتها الصحافة ووسائل الإعلام، ولكن ثقتها بنفسها لم تتغير حتى تراجعت الأطراف المقابلة واستسلمت في النهاية لإرادتها.. واليوم لا تجني بريطانيا لوحدها ثـمرة مواقفها الحديدية، بـل العالم أجمع الذي أدرك بفضلها إيجابيات نقل الخدمات العامة للقطاع الخاص!!

.. أيها السادة؛ انتهت قصص «الراسخون في مواقـفهم»، ولكن الرسالة التي أحاول إيصالها يمكن اختصارها في 11 كلمة فقط:

ثــقـتك بنفسك يمكنها تحـريك الجبال..

ولا تحتاج غيرها لتـقـف راسخاً كالجبال..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...