الخميس، 19 مارس 2020

الدوائر المحيطة بـك


خطر ببالي مقال اليوم بعد كتابة آخر مقال (لا تقدموا كبار السن).. فبعـد توضيح الفرق بين احترام كبار السن، وتقديم كبار السن.. وبعد إيضاح مآسي الاكتفاء بـأقدمية «السن» على حساب العلم والخبرة والكفاءة؛ اقترحت أربعة عناصر للترشيح؛ تبدأ بالعلم والتخصص، ثم الخبرة والتجربة، ثم مهارة الإدارة والتواصل ــ وفي حال تساوت هذه كلها، نختار حينها أكبرهم سناً (بشرط سلامة الحواس)..

وما أود التأكيد عليه اليوم هـو أن الاختيار -بحسب هذه العناصر- يجب أن يتجاوز أيـضــاً نطاق الدوائر المحيطة بنا.. يجب أن نتجاوز أقرب الدوائر إلينا ونبحث (عن الأكثر كفاءة) خارج نطـاق الأقارب والأصدقاء والمحيطين بنا..

فـعلاقتنا بالمجتمع والناس حولنا تأتي بشكل دوائر تحيط بنا الواحد تلو الأخرى.. تخيل نفسك نقطة سوداء تحيط بها دائرة صغيرة، ثم دائرة ثانية أكبر، ثم دائرة ثالثة أكبر من الجميع - ثم رابعة وخامسة وسادسة أكبر وأكبر..

هكذا الإنسان بمثابة نقطة سوداء محصورة ضمن دوائر اجتماعية تبعد عنه باستمرار..

أول دائرة تحيط بالإنسان هي دائرة الأقرباء وأفراد الأسرة..

يليها دائرة الأصدقاء وزملاء العمل ومن نراهم بشكل يومي تقريباً..

بعد ذلك تأتي دائرة ثالثة تتمثـل في أشخاص نعرفهم ولكن نادراً ما نقابلهم (كصديق قديم أو جار بعـيد أو قريـب لم تشاهده منذ سنين)..

بعـد ذلك تأتي دوائر أكبر وأوسع يتواجد فيها أشخاص لا نعرفهم ولا نقابلهم ونموت غالباً دون أن نراهم (ولكنهم قد يكونون أكثر كفاءة ومهارة وأحقية من أي دائرة قريبة منك)..

المشكلة -المعنية في هذا المقال- أننا غالباً ما نختار ونرشح من نعرفهم فقط (من الدائرتين الأولى والثانية).. يحدث هذا لأننا نادراً ما نتعرف أو نتواصل مع ما يوجد بعد أول دائرتين حولنا.. نادراً ما نختار أو نرشح أحداً من الدائرة الثالثة أو الرابعة (ناهيك عن الخامسة والسادسة والسابعة) لأننا ببساطة لا نعرفهم ولم نقابلهم ولم نجرب العمل معهم.. عجزنا عن رؤية ما يوجد خلف أول دائرتين حولنا هو ما يجعلنا نكتفي باختيار الأكبر سناً أو الأقرب مجلساً أو الأكثر بروزاً ضمن دائرتنا الصغيرة..

لهذا السبب يجب أن نفتح دائماً أبواب الترشيح لنستكشف الموجود في أبعـد الدوائر عـنا.. يجب أن نملك آلـيات تتجاوز المجاملات، وتخترق نطاق المحيطين بنـا، وتستقطب كفاءات لــم نسمع بها أو نتصور وجودها.. يجب أن نملك ثـقافـة البحث، ليس فقط في النطاقات البعـيدة؛ بل وفعـل ذلك بطريقة مسبقة ومبكرة (قـبل أن نضطر للاختيار من أقرب الدوائر إلينا).

هل أختصر لك المقال في 22 كلمة:

لا يجب أن نفكر فـقط خارج الصندوق، بــل وخارج الدائرة الأولى والثانية التي تحاصرنا، وتؤثر علينا، وتحجـب أعيننا عن رؤية ما يوجد خلفها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...