الخميس، 19 مارس 2020

أضف زهرتك الخاصة


أيام دراستي الثانوية كنت من الطلاب المفضلين لدى مدرس الفـيزياء.. كنت في تنافس دائم مع زميل آخر يدعى فريد، وكان المعلم يعتبرنا عباقرة، ويعشق النقاش معنا دون بقية الفصل.. كان فريد أكثر تفوقا وذكاء، وكان الوحيد الذي صرح المعلم بأنه سيمنحه «أعمال السنة» كاملة، ولكن قبل نهاية العام حصلت أنـا على الدرجة الكاملة بفضل إضافة بسيطة لم يفكر فيها صديقي العـزيز..

فقبل الامتحانات شاهدت على التلفزيون سحلية من نوع الحقحق أو البازليسق، يمكنها الجري فوق الماء بسرعة كبيرة دون أن تغرق.. أعجبت بالمشهد، واعتبرته مثالا على ظاهرة التوتر السطحي للماء، ودليلا على أنـه كلما ارتفعت سرعة الجسم خـف وزنه.. قمت من فوري ورسمت لوحة لمستنقع، ووضعت فوقه مجسما لسحلية تجري دون أن تغرق.. نالت اللوحة إعجاب المعلم لدرجة كان يأخذها معه في كل فصل لشرح الظاهـرتين بطريقة عملية مجسدة.

كانت إضافة بسيطة حسمت صراع التفوق.. تطبيقا غير مقصود لقانون «الإضافة البسيطة»؛ حيث يتسبب فرق بسيط في اختيار الفائـز والمهزوم.. إضافة بسيطة لا تملك قيمة كبيرة لو نظرت إليها خارج إطار المنافسة، ولكنها حين تضاف إلى مسيرة التفوق تحسم النزاع وتحدد مصير المتنافسين.

يشبه الأمر سباقات الخيول؛ حيث يفوز الفرس الفائز بمقدار ربع أنف، فينال الكأس وكل الجوائز المالية.. يشبه سباقات العدو؛ حيث يتمرن الرياضيون طوال حياتهم للفوز بالميدالية الذهبية، وفي النهاية يفوز شخص واحد فقط، ليس لأنه تمرن أكثر؛ بــل لأنه مـد رقبته في آخر جزء من الثانية.. تحدث حتى على مستوى المنتخبات، حيث يفوز في المباراة النهائية فريق واحـد فقط، ليس لأنه الأفضل بالضرورة؛ بـل لأن لاعـبا فيه قـرر في آخر لحظة التفوق على نفسه وانطلق وحيدا نحو المرمى..

في كل انتصار من هذا النوع، تلاحظ أن المهزوم لم يكن سيئا أو أقل كفاءة من الفائز، ولكن المنتصر أضاف ــ فوق إنجازه ــ شيئا بسيطا كسر حالة التساوي بين الطرفين.

يجب ألا تخلط أبدا بين التفوق والتميز، فالتفوق حالة عامة، قد يشترك فيها الجميع، في حين أن التميز حالة فريدة خاصة بك، وتتطلب فقط إضافة بسيطة أو خطوة مبتكرة لا يشاركك فيها أحـد.

دائما ما أقول لأبنائي إنه لا يكفي التخرج في الجامعة بتفوق.. فحتى حين يتخرج الطالب بتفوق، يتخرج معه في العام نفسه آلاف الطلاب، الذين يشبهونه في كل شيء، سواء في العمر والتخصص، أو الطموحات ووجهة العمل.. كثرة المتسابقين وتساوي الإمكانات يـلغيان تميز أي إنسان مهما تفوق وحاول وضحى.. إن لم تكن لديك إضافة بسيطة تجعلك متميزا فوق تفوقك، فلـن يراك أحد، وستنضم تلقائيا إلى طابور المنتظرين والعاطلين عن العمل..

وبطبيعة الحال، لكل منافـسة إضافتها الخاصة بها؛ والإضافة البسيطة في حالة الطلاب الجامعيين قد تكون بحثا مميزا، أو فـكرة تجذب الشركات، أو ابتكارا بسيطا يضاف إلى التخصص ذاته.

وطالما بدأنا المقال بسلحفاة شاهدتها على التلفزيون، دعونا نُنْهِهِ بـكعكة شاهدتها أيضا على التلفزيون:

فـقبل أيـام فتحت على قـناة تركـتها ابنتي من ليلة البارحة، فشاهدت أربعة طباخين يتنافسون على صنع أفضل كعكة أمام حكام أكبر سنا، كانت جميعها رائعة وجميلة، ولكن قبل أن ينتهي الوقت بثانيتين، وبعد أن توقف الجميع عن العمل، أضاف أحدهم بسرعة خاطفة زهرة لوتس فوق كعكته.. كانت صغيرة بحجم الزيتونة، ولكنها زادتها جمالا، ومنحتها تميزا، واعتبرها الحكام بمنزلة الفـارق الذي أهـلها للفـوز..

فكرة اليوم باختصار:

تـذكر إضافة زهـرتك الخاصة في نهاية المنافـسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...