الخميس، 19 مارس 2020

أعظم إنجاز هندسي في القرن الماضي


قـناة بنما التي تربط المحيطين الأطلسي والهادي تم اختيارها من قبل جمعية المهندسين الأميركيين كأعظم إنجاز هندسي في القرن العشرين.. تحتاج لرؤية خريطة العالم لتدرك أهمية هـذه القناة للسفن العابرة للمحيطات.. لا تقل أهمية عن قناة السويس التي ربطت الغرب بالشرق، ووفرت على السفن التجارية عناء الدوران حول إفريقيا.. فـمن دون قناة بنما تضطر السفن إلى النزول جنوباً والالتفاف حول أميركا الجنوبية في رحلة تستغرق 42 يوماً.. بينما يمكنها عبور قناة بنما والانتقال من المحيط الأطلسي إلى الهادي خلال 12 ساعة فقط.

وتـم اختيار بـنما لحفر القناة؛ لأنها أضيق نقطة تفصل بين المحيطين، ويبلغ عرضها 65 كيلومتراً فقط «وكلمة بنما بالمناسبة تعني باللغة الهندية القديمة: الأرض التي تطل على البحرين».

وقصة القناة بدأت قبل 137 عاماً حين عرض الفرنسيون إنشاء قناة مائية «بمستوى البحر» تسمح بعبور السفن للطرف الآخر من المحيط. وحينها كان الفرنسيون قد انتهوا من حفر قناة السويس في مصر وبـدا أنهم أفضل من يتولى هذه المهمة.. بدؤوا أعمال الحفر العام 1881، ولكنهم اضطروا للانسحاب العام 1889 بسبب الخسائر المادية والبشرية الكبيرة.

في ذلك الوقت كانت بنما جزءاً من كولومبيا فقدمت أميركا عرضاً لبـناء القناة مقابل احتكار تشغيلها.. كانت أميركا أكثر دولة يهمها شق القـناة لتقصير مدة الرحلة على سفنها المنطلقة من الساحل الشرقي «من نيويورك» إلى الساحل الغربي «في لوس أنجلوس». وحين رفضت كولومبيا العرض، شجعت أميركا دعوات الانفصال التي كان ينادي بها أهالي بـنما عن كولومبيا.. وبالفعل انفصلت بنما واعترفت بها أميركا كدولة «فقط» كي تنال موافقتها على مشروع القناة.

وهكذا بدأت أميركا أعمال الحفر العام 1903 معتمدة على ثلاثة عناصر مهمة افتقدها المشروع الفرنسي.. الأول: تجفيف مستنقعات البعوض مصدر الأمراض التي أودت بحياة العمال الفرنسيين.. والثاني: بناء أهوسة وقنوات ترفع السفن «بدل حفر الجبال كما كان يحاول الفرنسيون».. والثالث: إنشاء سدود على نهر تشاجرز خلقت بحيرة اصطناعية واسعة «وسط بنما» تبحر فيها السفن وتقصر المسافة بين المحيطين.

وفي العام 1914 انتهى الأميركان من بناء القناة وأصبح بإمكان السفن التجارية الانتقال خلال نصف يوم فقط بين المحيطين الأطلسي والهادي. غير أن إشراف الأميركان على القناة تطلب احتلال المنطقة بأكملها وحظر رفع العلم البنمي فوقها.. واستمر هذا الوضع حتى العام 1979 حين تم توقيع اتفاقية تسلم بموجبها أميركا القناة لـبنما بعد عشرين عاماً.. وبالفعل أوفت أميركا بوعدها وسلمت القناة في العام 1999 وأصبحت منذ ذلك الحين المصدر الأول لاقتصاد بنما «بجانب غسيل الأموال، وتهريب المخدرات».

وكما أصبحت «قـناة الجزيرة» الوجــه الثاني لـقطر، أصبحت «قـناة بنما» الوجـه الثاني لدولة ظهرت بـهدف الموافقة على إنشائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...