الأربعاء، 18 مارس 2020

القصة التي تحدث لكل إنسان


قرأت قبل فترة قصة عجيبة عن شقيقين من البرتغال.. فبعد 55 عاماً من الفراق التقى الأخوان مصادفة في المطار أثناء عودتهما «من دون سابق اتفاق» لزيارة وطنهما الأم.. وكان الشقيقان ماريو وفرانسسكو قد التقيا آخر مرة العام 1963 عندما غادر الأول إلى الأرجنتين والثاني إلى أستراليا للعيش هناك.. ويقول الأخ الأكبر فرانسسكو: لم أستطع التّفوّه بكلمة حين رأيت ماريو في المطار، فانخرطت في البكاء في حين صرخ هو باسمي عدة مرات وهو يجهش بالبكاء.. وبدل البقاء في لشبونة قررا إكمال رحلتهما إلى البلدة التي ينحدران منها للبحث عن شقيقهم الثالث الذي بقي في البرتغال!!

هذا النموذج من اللقاءات الغريبة قصة تحدث مع كل إنسان، ولكن لمرة أو مرتين في حياته فقط.. ورغم أنها تمتزج بالجانب العاطفي لدى عامة الناس - يحاول علماء النفس صياغتها في نماذج ومعادلات يمكن تفسيرها.. فمواقف كهذه تدخل ضمن مفهوم المتزامنات الرياضية «المصطلح المقابل لما نسميه نحن مصادفات».. وكان عالم النفس السويسري كارليونج قد حاول تفسير المصادفات الغريبة «كتذكر صديق ما، ثم رؤيته فجأة» بتوافق زمني لحادثتين غير مرتبطتين بعلاقة سببية خارقة.. فتذكر صديق قديم ثم رؤيته فجأة يعد توافقاً زمنياً بين حالة نفسية «هي تذكرك أنت له فجأة»، وحالة زمانية ومكانية «هي حضوره الشخصي في نفس التوقيت».. ورغم ندرة اجتماع الحدثين تبقى التجربة في ذاكرتنا طوال العمر بسبب تفردها وغرابتها، فنظل نستشهد بها في كل مناسبة ومجلس - في حين أنها لا تعد نادرة أو غريبة من الناحية الرياضية عطفاً على ملايين اللقاءات الشخصية والفردية التي نمر بها طوال العمر!!

وهناك عالم نفس أسترالي يدعى كين أندرسون ألف كتاباً كاملاً عن المصادفات المركبة وظروف تحققها على أرض الواقع.. والطريف أنه وقع بنفسه في متزامنة مدهشة أثناء بحثه عن قصص حقيقية تدعم هذه الظاهرة؛ فذات يوم وصلته رسالة من شخص يدعى جلينكيبر يروي فيها مصادفة غريبة وقعت له.. ولأن الرسالة لم تضم رقم العنوان أو الهاتف قرر الاتصال بالاستعلامات والاستفسار عن رقم جلينكيبر، وحين طلب الرقم من عامل الاستعلامات سأله الأخير متعجباً «ومن يريده؟».. تعجب من وقاحة السؤال، ولكنه تجاهله وكرر حاجته لمعرفة رقم جلينكيبر.. إلا أن عامل الهاتف أصر على موقفه وسأله مجدداً: من يريده، فأنا جلينكيبر!

وحين قرر الحلفاء تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في مايو 1944 قرروا اختيار أسماء سرية لمواقع الإنزال البحري، واتفقوا على اختيار عدة أسماء كورية وإغريقية غريبة لا تخطر على بال الألمان.. ولكن الغريب أن محرر الكلمات المتقاطعة في صحيفة الديلي تلغراف اللندنية أورد هذه الأسماء بالذات في الجريدة قبل أربعة أيام فقط من بدء الغزو السري. كانت مجرد مصادفة دعت المخابرات البريطانية إلى اختطافه واستجوابه معتقدة أنه جاسوس يسرب معلومات الإنزال للألمان من خلال الصحيفة «وحتى حين تأكدت من براءته لم تطلق سراحه إلا بعد اكتمال الإنزال العسكري في غرب فرنسا»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...