الثلاثاء، 30 مارس 2021

مبادرة السعودية الخضراء هل تجعلنا روادا في مجال الزراعة الجافة

 مبادرة ولي العهد الأخيرة (بخصوص السعودية الخضراء) من شأنها سحب البساط الأخير من تحت قدمي إسرائيل.. 

فحتى اليوم ماتزال إسرائيل الدولة الرائدة في مجال الزراعة الصحراوية، وتقنيات الزراعة الجافة، واستخلاص الماء من رطوبة الجـو ...

تفوقها في مجال الأبحاث الزراعية جعلها المُصدر الأول لأجود أنواع التمور وفسائل النخيل في العالم.. أصبحت «النخلة الإسرائيلية» ثاني أكثر منتج للتمور بعـد (ليس نخلة المدينة أو القصيم) بـل نخلة كاليفورنيا التي استوردها الأميركان من الأحساء قبل قرنين وتنتج في المتوسط 70 كلغم (مقارنة بالنخلة الإسرائيلية 50 كلغم والنخلة السعودية 37 كلم)!

السؤال الذي مايزال قائما ؛ أين جهودنا وأبحاثنا نحن في هذا المجال؟

أين جامعاتنا ومراكز أبحاثـنا وحلولنا الخاصة بالجفاف والتصحر ورفع معدل زراعة الأشجار؟

باستثناء المكيف الصحراوي، ماذا صنعـنا؟

وإن كانت لدينا حلول وأبحاث، فـلماذا لا نراها ولا نلمس لها أثراً على أرض الواقع؟

القضية بالنسبة لنا مصيرية وتفوق في أهميتها إنتاج النفط وتصدير البترول.. فنحن نعيش في بيئة صحراوية لا مجال فيها للحياة إلا بابتكار حلول للجفاف والتصحر وضعف الإنتاج الزراعي.

يجب أن تظهر لدينا ثـقافة البحث والتخصص في هذا المجال بالذات.. يجب أن نشجع الأبحاث الصحراوية وتقديم حلول محلية.. يجب أن نخصص الجزء الأكبر من بعـثاتنا للخارج للدراسة في جامعات مشهورة بأبحاثها الزراعة الصحراوية - مثل جامعات أريزونا، وبــيرث، وجنوب تكساس، بـل وحتى جامعة حيفا وتل أبيب..

لا يتسع المقال للحديث عن تقنيات الزراعة الجافة (ولا حتى تحلية المياه التي ما زالت بأيادٍ أجنبية) لهذا سأقفز لقضية نادراً ما نتحدث عنها.. مسألة تأخرنا وتخلفنا في زراعة المحاصيل المالحة.. فرغم أننا نملك صحارى شاسعة وبيئة قاحلة، ولكن نملك أيضاً سواحل طويلة وبحاراً هائلة، يمكننا استغلالها في زراعة المحاصيل..

قد تبدو الفكرة غريبة، ولكن تذكر معي أن في أعماق البحار توجد نباتات وطحالب تعيش على المياه المالحة (طعمها أحلى من السكر).. بل إن التنوع النباتي داخل المياه المالحة أكثر من الموجود على سطح الأرض وبإمكانها سد احتياجاتنا إلى الأبد. منذ السبعينات بدأ علماء الهندسة الوراثية في البحث عن «الجينات» التي تمكن النباتات البحرية من التعامل مع الأملاح، ودمجـها لإنتاج أنواع مهجنة من القمح والأرز يمكن زراعتها على السواحل، وحتى الآن تبدو النتائج مشجعة وتمكنوا فعلاً من إنتاج أنواع من الأرز والقمح والذرة تسقي بمياه مالحة أو شحيحة أو شبه مالحة!

... وإن كـنا عاجزين عن إنشاء مراكز أبحاث مماثلة لتهجين المحاصيل (بحيث تصبح أقل استهلاكاً للمياه أو أكثر تحملاً للملوحة) فليس أقله البحث عن النباتات التي تعيش بشكل طبيعي على المياه المالحة..

قـبل عشرين عاماً سمعت عن محاولات زراعة نبتة الساليكورنيا في المنطقة الشرقية (بالتعاون مع معهد أبحاث أريزونا الزراعي) فأين وصل هذا المشروع؟ ولماذا لم نعد نسمع عـنه؟.. فهذه النبتة تعود إلى سواحل المكسيك وتشرب المياه المالحة وتفوق في إنتاجها نباتات تسقى بالمياه العذبة كالذرة وفول الصويا ودوار الشمس.. وهي مجرد مثال لنباتات كثيرة تعيش على المياه المالحة وتنموا بشكل طبيعي على شواطئ البحار والسبخات والتربة ذات التفاعل الحموضي..

كيف نستمر في استيراد محاصيل يستحيل زراعتها لدينا (كالأرز الذي يغمر بالمياه العذبة) في حين نتجاهل بطاطس تشيلي، وبذور الساليكورنيا، وطماطم كالاهاري، وجوز مالاوي التي تسقى كلها بمياه البحر المالحة...

أين وزارة الزراعة لدينا من تجربة محاصيل كهذه تعد أقل كلفة من تحلية المياه نفسها؟.. ألا يفترض بها امتلاك مركز متخصص بالمحاصيل المالحة يليق بامتلاكنا 3400 كيلومتر من السواحل القابلة للزراعة!؟

الموضوع ذو شجون.. وكل الشجون تجتمع تحت السؤال الكبير: أيـن ابتكاراتنا الصحراوية؟

وسائل الدفع القادمة

 خلال أغسطس 2018 وصلت إلى بنما ضمن جولة طويلة درت فيها حول العالم "بمعنى الكلمة". وحين وصلت إلى بنما تمت مصادرة الأموال النقدية التي أحملها بحجة أنني لم أصرح عنها كاملة، وبعـد انتهاء محاكمتي (وتكفل سفارتنا في البيرو بأتعاب القضية والمحامي) خرجت إلى المكسيك، وأكملت جولتي حول العالم ببطاقتي ائتمان فقط، توقـفت إحداهـما في هاواي.

وهذه القصة المختصرة، تختصر أفضلية البطاقات البلاستيكية "بأنواعها" على حمل الأوراق النقدية "الشكل الأقدم للمال".
أما هذه الأيام فـيبدو أن جائحة كورونا جعلت حـتى "البطاقات البلاستيكية" تبدو متخلفة أمام وسائل دفع أكثر تطورا ــ مثـل الدفع من خلال المحافظ الإلكترونية والتطبيقات الذكـية.
أمــا إن أردنـا التنبؤ بما هـو أبعـد من ذلك، فـدعونا نتذكر أولا أن أهــم مكونات بطاقاتنا الحالية "ليس البلاستيك" بــل الشريحة الإلكترونية التي تحمل بياناتك المالية والبنكية، وتتيح لأنظمة الدفـع الإلكترونية التعـرف على رصيدك ومعلوماتك الشخصية.
وهـذا يعني أن الشكل التقليدي والمستطيل للبطاقة البلاستيكية "غـير ضروري" أو مهم بحــد ذاته، فـالشريحة الإلكترونية يمكن زرعها مباشرة تحت جلدك ــ وتحديدا بين الإبهام والسبابة. لن يزيد حجمها على حبة الأرز ولكنها ستغنيك قريبا عن حمل المحفظة والنقــود وجميع البطاقات الإلكترونية. ستعمل كـــ"ذاكرة سحابية" تتضمن حساباتك البنكية وأرقامك السرية وملفاتك الصحية وشهاداتك الأكاديمية وصورك الشخصية، يمكنك أن تـحمل فيها كافة المعلومات والبيانات والوثائق التي ترغب في وجودها معك حتى أثناء نومك وسفرك واستحمامك وضياعك في صحراء النفود. ستتفوق على هاتفك الذكي وتضم عددا لا يحصى من التطبيقات الذكية والخدمات الشخصية والتفاعلات الطرفية، ستتفاعل بشكل مباشر مع جميع الأجهزة حولك "من خلال تقنية البلوتوث" فـتفتح لك الأبواب، وتقطع التذاكر، وتسمح بمرورك على مراكز التفتيش والجوازات والحدود الدولية بمجرد اقترابك منها.
وهذه الفرضيات ليست من قبيل الخيال أو المبالغة كونها تقنيات موجودة هذه الأيام، ولا يوجد عائق طبي يمنع زرعها "تحت جلدك" لأداء هـذه المهام.
أما الخطوة "ما بعـد المقبلة" فـستعتمد على بصماتك البيولوجية التي تميزك عن ثمانية مليارات إنسان ــ بمن فيهم شـقيقـك التوأم، ستلغي الشرائح "بأنواعها" وتكتفي بـنبرة صوتك، وبصمة أصبعك، وقزحية عينك، وتضاريس وجهك للتـعرف على بياناتك الشخصية وأرصدتك المالية وسجلاتك الائتمانية، سـتعتمد على أكثر من 21 بصمة بيولوجية "أخـرى" تغـنينا عن حمل المحافظ الجلدية، وتجعـلنا مكتفين بـأجسادنا "فقط" للدخول على بياناتنا الشخصية والحصول على المال من أي مكان في العالم .. بما في ذلك بـنما..

فكر داخل الصندوق

قـبل فترة ذهبت لبنكي المفضل لـلاشتراك في صندوق خاص بالأسهم أثبت نجاحه في آخر عشرة أعوام .. والمشكلة في صناديق الاستثمار أنها تستقطع من أموالك نسبة مئوية (سـنوية) سواء ربحت أم خسرت..
سألت موظف البنك: كم نسبة الاستقطاع؟ قال: سنأخذ 3 في المائة من رأس المال عند اشتراكك لأول مرة فـقـط. قـلت: هذه أعرفها، ولكنني أتحدث عن النسبة التي تستقطع سنويا.. قال: لايوجد استقطاع سنوي، فقط الاستقطاع الخاص بــأول اشتراك.. أصررت على رأيي وقلت: لا أعتقد ذلك، هناك حتما رسوم سنوية تخص المصاريف الإدارية.. أصر هو أيضا على موقفه، فـقلت: ما رأيك أن نتصل بالمسؤول عن الصندوق لنسأله.. اتصل بالفعل: فأخبره كلاما فضفاضا لم يجـب عن سؤالي.. طلبت الإذن بالحديث معه وسألته بنفسي: عفوا، كم النسبة التي تأخذونها (سنويا)؟.. كرر الكلام نفسه بخصوص أول استقطاع فقط، وأن الحسابات تصدر في نهاية العام، وأن أرباح الصندوق تعتمد على نشاط السوق ووو...
لم ينجح في تشتيت ذهني، فكررت سؤالي للمرة الثالثة: "الله يرضى عليك، كم تبلغ النسبة التي تأخذونها سنويا؟".. رضخ في النهاية وقال: 1,7 في المائة فقط.. قلت: وهل هذه النسبة مرتبطة بالربح فقط، دون الخسارة؟ قال: لا، هذه مصاريف ثابتة سواء ربح الصندوق أم خسـر..
وللوهلة الأولى قـد تبدو النسبة بسيطة (خصوصا حين يحقق الصندوق ربحا يفوق الــ10 في المائة) ولكن المشكلة أنه، في حال خسر بنسبة 10 في المائة ســتضاف هذه الخسارة إلى الـــ1,7 في المائة (الاستقطاع السنوي) والــ3 في المائة (أول استقطاع) فـيصبح مجموع خسائرك 14,7 في المائة.. وخسارة كهذه ستتراكم بمرور الأعوام لتصبح مبلغا ضخما لن يتحمله الصندوق أو البنك بالنيابــة عنك...
وحين أدركت هذه الحقيقة، أخبرته أنني سألغي فكرة اشتراكي معهم، وأشتري (بالمبلغ نفسه) أسهما مباشرة من دون استقطاع أو مصاريف سنوية.. وحينها فقط وافق على تخفيض الرسوم السنوية إلى 1.25 في المائة (وحتى في هذه الحالة لم أكن سأوافق لولا أن تاريخ الصندوق يؤكد نجاحه في آخر عشرة أعوام).
ـــ مــاذا نستفيد من هذه القصة؟
... ثلاثة أشياء:
الأول: أنها نموذج لوضعـية "عـدم إخبار العميل بكل شيء" التي تـعـتمدها البنوك خشية رفضه للخدمة..
والثاني: أنها مثال على أن البنوك عـدو من يجهل، وصديق من يعـلم، وأن معرفتك بطريقة عملها قــد يترجم لـربح أو خسارة...
أما الثالث، فهو أن استثمارك المباشر في الأسهم أفضل من اشتراكك في الصناديق في حال زادت نسبة الاستقطاع السنوي على 1,5 في المائة (ويجب أن يكون لديك سبب قوي للموافقة على 2 في المائة).

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...