الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

500 دونم فوق سطح القمر


إسرائيل لم تحتل فلسطين فقط، بل لم تكف يوماً عن تغيير معالم الأرض لخدمة ادعاءاتها التاريخية..

لم تتوقف يوماً عن طمس المواقع الإسلامية، وإخفاء القرى الفلسطينية، وإعادة تسمية المواقع العربية - بل وإعطاء الخرائب الجديدة أسماء عبرية توحي بأنها ذات تاريخ عريق يسبق التواجد العربي...

وقرية "عين الحوض" على سفح جبل الكرمل مجرد نموذج لآلاف القرى الفلسطينية التي إما طمست معالمها تماماً أو (إن كانت ملائمة للاستيطان) يُغير فيها كل شيء بحيث تلبس ثيابا عبرية..

وبعد حرب 1948 طرد كامل سكان عين الحوض وحضرت الجرافات لطمس معالمها.. غير أن أزقتها الجميلة وموقعها الساحر وتربتها الخصبة أجلت القرار بشأنها لعدة أيام.. وفي النهاية اقترح فنان يهودي من رومانيا (يدعى مارسيل جانكو) تحويلها الى مجتمع خاص بالفنانين اليهود فتم تكليفه بمهمة منحها هوية عبرية جديدة.. وهكذا تحولت القرية من "عين حوض" الى "عين هود" ونقشت أسماء الشوارع بالعبرية على جدرانها الصخرية.. وسرعان ما أصبحت مقصدا للفنانين ثم مركزا للمتنزهين الذين يأتون بسياراتهم من تل أبيب ليقضوا أياماً جميلة في بيوتها الصخرية على سفح جبل الكرمل..

وقبل فترة بسيطة شاهدت فيلما وثائقيا بعنوان (500 دونم فوق سطح القمر) من إخراج إسرائيلية تدعى راشيل ليا جونز يتحدث عن حقيقة هذه القرية.. فحين هاجرت من أمريكا وهي طفلة صغيرة تعلقت بشكل كبير بقرية الفنانين (عين هود) وكانت تظنها قرية عبرية عريقة بسبب بيوتها الصخرية ونقوشها العبرية ومعالمها اليهودية.. لم تكتشف أنها قرية فلسطينية إلا حين كبرت وقابلت عجوزاً فلسطينية أخبرتها بالحقيقة وأشارت بأصبعها الى منزلها قبل انتزاعه منها.. صدمت راشيل لدرجة تابعت البحث وقررت إنتاج فيلم وثائقي عن القرية الفلسطينية وسكانها الأصليين.. وتقول عن نفسها: لم أفهم إلا في سن الثامنة والعشرين لماذا تضم القرية يهوداً مهاجرين حديثاً من جنسيات عالمية مختلفة في حين يعود عمر القرية نفسها الى 700 عام!!

.. الفيلم التسجيلي قوبل بمعارضة شديدة في إسرائيل ولكنه عرض في عام 2002 في بريطانيا ضمن المهرجان السينمائي الثالث عشر الذي أقامته المنظمة العالمية لحقوق الإنسان العالمية.. ويتضمن الفيلم مقابلات مع من تبقى من أهالي القرية وأحفادهم بمخيم اللاجئين بجنين في الضفة الغربية.. وكانت معظم الأسر قد هجّرت قسراً الى خارج حدود 1948 غير أن أسرة (أبوحلمي) عادت لاحقا وأسست قرية جديدة بنفس الاسم القديم (عين حوض) في مكان أعلى من الجبل بحيث تطل على "عين هود" كشبح من الماضي البعيد..

تقول راشيل بكل شجاعة:

الناس في إسرائيل يختارون طواعية نسيان الحقيقة حتى حين يتجولون في شوارع القرى والبلدات الفلسطينية.. عندما تنشأ في إسرائيل ترى الخرائب في كل مكان فيخبروك وأنت طفل بأنها آثار عبرية ضاربة في القدم في حين أنها فلسطينية كانت تنبض بالحياة حتى 30 أو 40 عاماً مضت!!

نهاية الكورونا


أنا متفائل رغم كل ما قيل وكتب بقدرتنا على التغلب على فيروس الكورونا..

متفائل بأنه لن يتحول الى وباء وأن عدد الوفيات به لن تتجاوز أي مرض معد قديم..

متفائل لأنه حتى في حال فشلت وزارة الصحة لدينا؛ سيتراجع الفيروس بذاته بسبب حالات المناعة المتزايدة ضده كما حدث مع أوبئة كثيرة قبله..

وقبل التوسع أكثر أشير إلى أن لكل عصر أمراضاً معينة تنتشر به بشكل لم يعهد قبله.. فالطاعون مثلا (الذي تسببه بكتيريا تدعى يرسينيا بيستيس Yersinia pestis) قضى على نصف الصين وثلث أوروبا وتسبب في وفاة أعداد كبيرة من الناس في العهد العباسي.. ولكنه هذه الأيام يعتبر فى حكم المنتهى بفضل اكتساب الأجيال التالية مناعة ضده ولأن مجرد معرفتنا بالأسباب والظروف المتسببة فيه (مثل مكافحة الفئران الناقلة له) جعلته ينحسر (وجعلتنا نحن) نتعلم تبني قواعد صحية تكافح أي ميكروبات قادمة.

... في الماضي البعيد كان بإمكان الميكروبات والفيروسات الخطيرة التسبب بأمراض تبيد مدنا وقرى وشعوباً بأكملها لثلاثة أسباب مهمة (أصبحنا نجيد التحكم بها في هذا العصر):

الجهل بمسببات المرض ووجود أشياء تدعى أصلاً فيروسات أو جراثيم...

عدم وجود مناعة في غير مناطقها القديمة؛ وبالتالي سرعة القضاء على الناس في الأماكن الجديدة.

والثالثة ببساطة عدم تقدم الطب ووجود اللقاحات ووعي الناس بطريقة انتشار المرض ذاته...

وبطبيعة الحال في عصرنا الحاضر استحدثت أمور، وتبدلت ظروف، وتغيرت أشياء كثيرة الأمر الذى استدعى ظهور أمراض جديدة، وعلل غريبة، وتفاقم أمراض كانت نادرة في الماضي.. غير أن العوامل الثلاثة الأخيرة أتاحت لنا سرعة القضاء عليها أو على الأقل - عدم تحول أي منها إلى وباء بمستوى طاعون القرن الرابع عشر..

مشكلتنا الأساسية في هذا العصر هي (عولمة الأمراض) بسبب تحول العالم إلى قرية صغيرة حيث يمكن لحالة واحدة معدية الانتقال إلى دولة أو قارة بعيدة خلال ساعات بالطائرة.. ومع هذا لاحظ أن الانتشار العالمي لأمراض (نالت ضجة كبيرة في وقتها) مثل السارس، والوادي المتصدع، وإنفلونزا الطيور، والخنازير، والكورونا هذه الأيام؛ أمكن حصارها في كل الدول ولم تنجح مجتمعة في قتل أكثر مما يقتله مرض بسيط كالإسهال والأنفلونزا العادية..

وعلى ذكر الإنفلونزا؛ يمكن القول إن آخر وباء حقيقي في العصر الحديث حدث قبل مئة عام حين تسبب فيروس خبيث من نوع H1N1 في انتشار "الإنفلونزا الإسبانية" حول العالم خلال عامي 19181919 .. وخلال عشرة أشهر فقط قضى على مابين 20 إلى 50 مليون نسمة حول العالم (من الهند واليابان إلى أمريكا والأرجنتين) وكلا الرقمين يفوقان خسائر الحرب العالمية الأولى المستعرة في ذلك الوقت ولا يقارنان بأي سلاح من اختراع البشر.. هذا الانتشار الواسع يصعب تصور حدوثه هذه الأيام لنفس الأسباب السابقة.

مرة أخرى أنا متفائل بخصوص فيروس كورونا لأن اهتمام الدولة به واضح، ووزارة الصحة تتخذ حياله النهج السليم (خصوصاً البدء بإنتاج لقاحات ضده)، ناهيك عن أنه سيتراجع بطبيعته كونه كما يبدو وصل حالياً إلى ذروة انتشاره ناهيك عن امتلاك عدد متزايد من الناس مناعة ضده...

.. نصيحتي لك:

لا تشغل بالك بالكورونا؛ بل في تعلم كيفية الوقاية من أي ميكروبات وفيروسات تحوم حولك وتلتقطها بيدك وتعيش فوق جسدك!!

فكر بالبتكوين


هذه الكلمة bitcoin تأتي دائماً ضمن أكثر الكلمات التي يبحث عنها الناس في محركات الإنترنت.. وهي عمله افتراضية (ليس لها وجود مادي) يتم تداولها على الإنترنت وتوليدها داخل الكمبيوتر!!

... أنا شخصياً لم أحاول توليدها بنفسي، ولكنني توقعت ظهور مثيلٍ لها منذ عرفت الإنترنت..

فمنذ ظهرت الإنترنت لاحظت أن أعظم عقبة تواجهني وتواجه جميع الناس هي عدم وجود طريقة مباشرة وعملة افتراضية يتفق عليها الجميع.. صحيح أن هناك بطاقات الائتمان ومواقع الدفع (مثل Paypal) ولكن جميعها طرق لا يتخوف منها الناس فقط، بل وتتعامل مع (نقود حقيقية) بطرق إلكترونية مضنية.. وعبر وسيط ثالث...

ولأنني أعرف كيف تتولد النقود عبر التاريخ (وكيف تتحول لأموال حقيقية بمجرد اتفاق الناس عليها) توقعت ظهور "عملة افتراضية" سواء من خلال اتفاقية دولية، أو بطريقة تلقائية من خلال المتعاملين عبر الشبكة...

ومن الواضح أن عملة البتكوين ظهرت من خلال الطريقة الثانية.. فحتى يومنا هذا لا تقف خلف البتكوين دولة أو منظمة رسمية معينة.. فقد سمع عنها العالم لأول مرة في نوفمبر2008 حين نشر شخص مجهول (يدعى ساتوشي ناكاموتو) دراسة تثبت إمكانية خلق عمله افتراضية (دعاها bitcoin وتنطق بت - كوين) بواسطة حل معادلات معقدة على الكمبيوتر (بحيث يوازي الجهد المبذول قيمة العملة المولدة)..

وهذه المعادلات عبارة عن خوازميات تتولد تلقائيا ويشاهد نتيجتها جميع الموجودين على الشبكة.. وكلما نجح أحدهم في فك رموزها ينال 25 بتكويناً يتم توثيقها عالمياً.. وكل بتكوين يتم توليده يملك فور ولادته تسلسلاً رقمياً يستحيل تكراره ويكسبه مصداقية وصعوبة في التزوير (مثلما تُعطىَ الورقة النقدية تسلسلاً رقمياً يكسبها مصداقية وصعوبة في التزوير)..

وكان ناكاموتو الغامض (وهو بالمناسبة اسم ياباني) قد نجح في توليد أول 50 بتكويناً في مارس 2008.. ولأن العملة كانت شبة مجهولة حينها، ولم تخضع بعد لقانون العرض والطلب، لم يزد سعرها منذ عام 2008 وحتى نهاية 2012 عن نصف دولار فقط.. ولكن سعرها ارتفع بسرعة خارقة بدءا من 2013 حتى وصلت قيمة البتكوين الواحد إلى1000 دولار في نوفمبر2013 (ولكنه انخفض لاحقاً ووصل سعره قبل كتابة هذا المقال الى 600 دولار) وهو ما يؤكد أن البتكوين ملكية أكثر منه عملة كونه يخضع لقانون العرض والطلب!!

... وهناك أسباب كثيرة ساهمت في ارتفاع قيمة البتكوين بهذه السرعة الخارقة أهمها إغلاق المباحث الفيدرالية لأكبر متجر مخدرات على الانترنت يدعى "طريق الحرير" اتضح أنه كان يستعمل البتكوين في تعاملاته.. كما أصبح البتكوين مدعوماً فجأة من مواقع وشركات معلوماتية أعلنت تعاملها به عبر الشبكة.. أما الأمر الثالث فهو أن ألمانيا (ودول أخرى في الطريق) اعترفت به رسمياً في حين انتشرت في كندا وسويسرا صرافات تقبل تحويله لعملات ورقية، وأصبحت المحاكم الأمريكية تعامله معاملة النقود في قضايا التعويض والنفقة...

... بقي أن أشير إلى ظهور أكثر من ست عملات رئيسية مشابهة على الانترنت أهمها لايت كوين (التي تدعى العملة الفضية كونها أسهل استخراجا وأقل قيمة من البتكوين).. غير أن ما يميز البتكوين ويجعلني أتوقع ارتفاعه مستقبلاً هو:

أولا: صعوبة استخراجه أو تعدينه (حيث يُشبه استخراجه بتعدين الذهب)..

والثاني: موثوقيته (حيث يصعب تزويره أو إعادة استنساخه).

والثالث: اعتراف الجميع بوجوده وانتقال ملكيته (حيث يشاهد الجميع حركة تنقله بين المحافظ العالمية)..

والرابع: أن العالم بدأ يتوافق على التداول به (والتوافق هو مايعطي العملات الورقية قيمتها الحقيقية/ كالدولار الذي يتفق الجميع عليه كعملة دولية)!

... وبناء عليه ما المانع في أن تفكر أنت بالبتكوين كاستثمار أو وعاء للادخار.. فاليوم يوجد أكثر من 20 مليون بتكوين في العالم الافتراضي تزيد قيمتها عن12,3 مليار دولار لا يمكن غدا ضمان كميتها أو قيمتها في السوق...

... مالم أفهمه حتى الآن؛ لماذا لا يكشف ناكاموتو عن شخصيته لينال جائزة نوبل في الاقتصاد !!

مشكلة الواحد بالمئة


هناك مشكلة اقتصادية - وأخلاقية في نفس الوقت - تواجهها جميع الدول بلا استثناء.. مشكلة تركز معظم ثروات البلاد بيد فئة محدودة من الأثرياء، مقابل 99% من الناس يتقاسمون ما تبقى..

ففي روسيا مثلا تتركز معظم الثروة في أيدي 110 أشخاص فقط.. وفي بريطانيا يملك (أكبر ألف غني) ثلث ثروة البلاد.. وفي أمريكا يملك أول 400 ثري أكثر من النصف الأدنى من الشعب..

أما حول العالم بأكمله فاتضح أن أغنى 32 شخصا فقط يستحوذون على 41% من ثروات العالم، وأن أغنى 85 ثريا في العالم يكتنزون ثروات تعادل نصف عدد البشر مجتمعين..

هذه الأرقام كشفها قبل أيام بنك كريدت سويس ضمن تقرير طويل يؤكد مدى الاختلال الحاصل في توزيع الثروات العالمية وتركزها أكثر وأكثر في أيدي الأقلية الثرية..

ويؤكد هذه الظاهرة تقرير منظمة أوكسفام الخيرية التي أكدت بالأرقام (في يناير الماضي) أن ثروات العالم تتراكم أكثر فأكثر في يد قلة من الناس، مقابل فقد عامة الناس لمدخراتهم البسيطة..

وكان عالم الاقتصاد الفرنسي توماس بيكتي قد نشر كتابا بعنوان "الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين" أثبت فيه أن الرأسمالية تهدم نفسها بنفسها حتى في الدول الديمقراطية بسبب الارتفاع المتواصل لثروات الأغنياء أصلا، وتقلص مدخرات الطبقة المتوسطة التي تكافح للبقاء فوق خط الفقر (وقدم نماذج لتنامي هذه الظاهرة في فرنسا وأمريكا وكندا وبريطانيا)..

والمشكلة الحقيقية - التي قصدتها أنا في عنوان المقال - لا تتعلق باستحواذ الأثرياء على معظم الثروات، بل في أن وجودهم ذاته أصبح عصب الاقتصاد الحر والمزدهر.. فمعظم الأثرياء (وخذ كمثال قائمة أغنى 400 رجل في أمريكا) صنعوا أنفسهم بأنفسهم واكتسبوا أموالهم بطريقة نزيهة - أو على الأقل غير مخالفة للقانون.. وخلال سعيهم لبناء ثرواتهم الشخصية خلقوا وظائف، وقدموا ضرائب، ورفعوا نسبة الانتاج، وبنوا في المحصلة اقتصاد البلاد (ولك أن تتأمل سيرة هنري فورد أو بيل غيتس لتدرك كم وظيفة خلقا وكم أرباحا حققاها لبلادهما)..

وبناء عليه لا يمكن القول إن المشكلة تكمن في وجود الطبقة الثرية ذاتها، بل في وجود وخلق ظروف سياسية واقتصادية تفاقم نسبة الاستقطاب، وتسمح بتدفق مدخرات البسطاء لجيوب الأثرياء - بدل حدوث العكس - واستحواذهم بالتالي على نسب متصاعدة من ثروات البلاد..

ومن الأمثلة التي قدمها بيكتي في كتابه أن نصيب الواحد في المئة في بريطانيا وأمريكا كان (عام 1950) يساوي عُشر ثروات البلاد.. ولكنه ظل يرتفع باستمرار في السنوات الستين الأخيرة حتى أصبحوا اليوم يمتلكون خُمس ثروات البلاد !!

وفي هولندا وأسبانيا وليتوانيا أصبح الخُمس الأكثر ثراء (من الشعب) يستحوذ على 40% من ثروات البلاد بعد أن كانوا يمتلكون 35% منها عام 1950!!

.. ومع هذا تظل هذا النسب عادلة (وصحية) مقارنة بمجتمعات عربية وإسلامية يصعب ذكرها (..) أما في كولومبيا وتشيلي ونيكاراجوا وجنوب أفريقيا فيستأثر الخُمس الثري بأكثر من 60% من مقدرات البلاد.. وهذا يعني أن أربعة أخماس السكان المتبقين يتصارعون على 40% فقط من الناتج القومي (وهو ما يزيد بالتأكيد من حدة الفقر)..

وفي المقابل توجد مجتمعات أكثر عدالة - من النموذجين السابقين - مثل الدنمرك واليابان والسويد وسلوفاكيا وهنغاريا حيث لا تستأثر الطبقة الثرية بأكثر من 35% من الدخل القومي (وهو ما يترك 65% من ثروة البلاد للمواطنين الأقل دخلا)!!

.. أتصورك تتمتم قائلا: إن كانت هذه حال المجتمعات النزيهة والشفافة، فماذا نقول عن المجتمعات المكبوتة والمنغلقة..

هل يرتبط فعل الخير بالتدين؟


كتبتُ هذا المقال بعد نشر مقال بعنوان "أثرى فقيرين في العالم" تحدثت فيه عن صورة التقطتها بنفسي لمحمد يونس مبتكر فكرة بنوك الفقراء، ورئيس الأروغواي خوزيه موخيكا أفقر رئيس دولة في العالم (وهذا الأخير لا يملك منزلا ولا حسابا بنكيا ولا سيارة لائقة، ومع هذا يتبرع بتسعين بالمئة من راتبه لفقراء بلاده)!!

.. وبعد نشره عاتبني أحد القراء على مدح رئيس الأروغواي كونه رجلا ملحدا ونسي أنني مدحت أيضا محمد يونس المسلم.. وما جعلني أكتب هذا المقال أنني سمعت تعليقا مماثلا حين نشرت الصورة ذاتها في أنستجرام - حيث استغرب البعض أن يفعل موخيكا ذلك (وهو رجل غير مسلم)!!

وحينها برزت في رأسي الأسئلة التالية:

هل يجب أن يكون الانسان متدينا كي يكون محسنا ومحبا للخير؟

هل الإيمان وحده دليل على الصلاح وحب الفقراء والمساكين؟

هل سيتوقف الناس عن فعل الخير حين لا ينتسبون لأي دين؟

الحقيقة التي لا يريد أن يسمعها البعض هي (لا)..

فمن الخطأ ربط فعل الخير ب(أي دين) كون ذلك يطعن في دين من يقول (نعم)..

من الخطأ فعل ذلك لأنه (لو كان الارتباط بينهما حتميا) لما رأينا أعمال خير في مجتمعات تعتنق ديانات مختلفة وتؤمن بآلهة متعددة - وبعضها لا يؤمن بشيء أصلا.. وليس أدل على انتفاء هذه العلاقة من أن فعل الخير كان موجودا لدى العرب في الجاهلية؛ وحين أتى الإسلام أقر الحسن منها وشجع على استمراره - كعتق الرقاب ورفادة الحاج وعابري السبيل..

ولأن الخير والإحسان (فطرة إنسانية) لا يمكن إنكارهما أيضا لدى المتدينين ولا دخولهما ضمن تعاليم الدين.. غير أن هذا بالضبط ما يجعلهما واضحين بشكل أقوى لدى (غير المتدينين) كون فعلهم لا يرتبط بثواب أو عقاب..

وحين يفعل الخير أشخاص غير متدينين - مثل معظم الموجودين في قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم - يصبح هذا بذاته دليلا على فطرية الخير ووجوده في أعماق البشر منذ وجدوا على سطح الأرض وقبل ظهور الأديان ذاتها!!

.. المفاجأة التي لا يتوقعها أحد أن أعظم المحسنين في تاريخنا الحديث لا ينتسب معظمهم الى أي دين..

افعل كما فعلت أنا - قبل كتابة هذا المقال - وضع في محرك جوجل الجملتين التاليتين:

أعظم الواهبين في العالم The World’s Biggest Givers

أو أعظم المحسنين في التاريخ The biggest charity people in history

ستكتشف عدم وجود اسم عربي أو إسلامي واحد !!

وحين تستعرض القائمة التي تصدرها سنويا مجلة فوربس لأعظم المحسنين الأحياء (ممن تبرعوا بأكثر من بليون دولار حول العالم) تكتشف أن ثلاثة أرباعهم يحملون الجنسية الأمريكية وثلثهم ملحدون أو غير متدينين أصلا!!

.. والمدهش أكثر أن بيل غيتس (الذي يأتي في أول القائمة) أقنع وارن بافيت (ثاني أغنى رجل في أمريكا) بالتبرع بنصف ثروته بعد وفاته.. أما الخطوة التالية فكانت اشتراكهما في تأسيس منظمة تدعى Giving Pledge أخذت على عاتقها إقناع بليونيرات أمريكا بالتبرع بنصف ثرواتهم خلال حياتهم أو بعد وفاتهم - ونجحت حتى الآن في أخذ تعهد رسمي بذلك من 81 بليونيرا!!

.. أخشى أيها السادة أن العكس هو الصحيح؛ فقمة النفاق أن تظهر بمظهر الزاهد القنوع، وترفع يديك أمام الناس داعيا الله أن يحييك مسكيناً، ويميتك مسكيناً، ويحشرك في زمرة المساكين؛ في حين لم تكفّ يوما عن جمع الملايين!!

.. (أقسم بالله) لو أخرج البعض فقط الزكاة المفروضة، لما رأيت فقيراً في هذا البلد..

صفّح ما لم ترَهُ في حياتك


في الحرب العالمية الثانية كانت القاذفات الأمريكية تعود لقواعدها بإصابات خطيرة في الجناح وأسفل الطائرة.. وهكذا ببساطة عمد سلاح الجو إلى تصفيح الجناح وأسفل الطائرة ضد رصاص المقاومة الألمانية.

ولكن؛ رغم ذلك لم ينخفض معدل سقوط القاذفات.. ولحل هذا اللغز استشار سلاح الطيران عالم رياضيات يدعى إبراهام وولد نصحهم بتصفيح المواقع التي لم يروها حتى الآن في أي طائرة تعود الى القاعدة (لماذا؟)

.. لأن الطائرات التي تعود الى القاعدة هي الطائرات التي نجت رغم إصابتها (وهذا دليل على أن إصابات الجناح وأسفل الطائرة ليست قاتله ولا تحتاج لتصفيح). في حين أن الطائرات التي لا تعود للقاعدة - ولم يرها أحد أصلاً - هي التي تصاب في أماكن قاتله وحساسة تتسبب بسقوطها فعلاً.

وهكذا تُركت الأجنحة وأسفل الطائرة على حالها، وتم تصفيح الذيل وخزانات الوقود وحجرة القيادة (في حين أن تصفيح كامل الطائرة يجعلها أثقل من قدرتها على الطيران) وهكذا ارتفعت نسبة الطائرات العائدة للقاعدة والناجية من رصاص الألمان!!

وهكذا هي حياة الإنسان؛ فنحن بدورنا نتعرض لإصابات خطيرة، ولكن ليست كلها مميتة أو تمنعنا من العودة لقواعدنا بنجاح.. لهذا السبب يجب أن تصفح نفسك (ليس ضد المخاطر التي مررت بها ونجوت منها في الماضي) بل ضد المخاطر التي لم ترها سابقاً ولا تتوقع حدوثها مستقبلاً.

لا أنكر صعوبة ما مررت به في الماضي، ولكنه على الأقل لم يقتلك واكتسبت حياله خبرة ومناعة.. الخطير فعلاً هو مالم تره بعد، ولا تعرف احتمالات حدوثه غداً.. هل فكرت مثلاً باحتمالات إصابتك مستقبلا - لا قدر الله - بحادث مميت أو سكته قلبية أو سرطان بنكرياس أو خسارة المشروع الذي يوفر رزقك.. إن لم تفعل ذلك عليك البدء منذ الآن بتصفيح نفسك والاهتمام جدياً بمبدأ التأمين والسلامة في كل ما تفعله وتحاول إنجازه في حياتك.. يجب أن تصفح نفسك بعمل تحاليل خاصة بأعظم قاتلين للبشر (القلب والسرطان) وأن تؤمن على حياتك وممتلكاتك لدى شركة موثوقة (لضمان تدفق المال في حال خسارتك، ولعائلتك في حال خسارتهم لك)!!

لا تهتم كثيرا بالإحصائيات واحتمالات الوفاة لأنها تظل بعيدة ونادرة ولن تطالك غالباً.. تأمل معي مثلاً الاحتمالات التالية:

340 ممن يعيشون اليوم سيكونون في أعداد المتوفين العام القادم.

احتمال موتك بسبب التدخين يساوي واحداً من200 مدخن!

واحتمال موتك وأنت تقود سيارتك واحد في كل 30000 مشوار!

واحتمال موتك في غرفة العمليات واحد من 40,000 مريض!

واحتمال موتك من جراء الوقوع من الدرج يزيد بسبع مرات عن احتمال موتك بتحطم طائرة!

هذه الاحتمالات (رغم أنها موثقة من أرشيف الوفيات في أمريكا) لا يجب أن ترعبك بل على العكس تؤكد أنك إنسان محظوظ (كونك مازلت على قيد الحياة رغم تدخينك مع 199 شخصاً غيرك) كما تؤكد نجاتك من آلاف المشاوير في السيارة، وضآلة احتمال موتك في طائرة أو مرورك أساساً بأي عملية خطيرة..

باختصار شديد،

لا تخشَ أي احتمالات خطيرة لأن مجرد وجودها، أو مرورك بها في الماضي، يؤكد أنك نجوت منها فعلاً (بدليل انك تقرأ اليوم هذا المقال)..

مايجب أن تخشاه فعلاً - وتُصفّح حياتك من أجله - هو مالم يحدث لك حتى الآن، ولا يعلم أحد مدى تأثيره عليك وإصابتك في مقتل سواك!!

صناعة الخطابة


ليس الغريب أن يكون الحديث أمام الجمهور من أكثر أنواع الفوبيا انتشاراً، بل أن لا يكون كذلك وأن لا يتملكنا الهلع من مئات الأعين التي تنظر إليه بشكل مباشر..

وبقدر ما وقفت أنا أمام الناس سواء لإلقاء كلمة أو محاضرة لم أستطع التخلص من شعوري بالخوف والتردد وأن انشقاق الأرض وابتلاعي أهون علي من الوقوف أمامهم..

غير أن هذه ليست حال جميع الناس، كون هناك من تحول إلى "محترف خُطب" يجيد الحديث والارتجال في مختلف المواقف.. ومن هؤلاء فئة أكثر ندرة حولت مهاراتها في الخطابة إلى مهنة تدر أموالاً (وأحيانا شرهات) لا يتصور وجودها أحد..

أما حين تجتمع موهبة الإلقاء، مع الشهرة والمنصب المرموق، يحقق الخطيب ثروات صغيرة بمعنى الكلمة.. وحسب علمي أعلى أجر ناله إنسان من أجل خطبة كان الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجن الذي نال مليوني دولار من شركة فوجي سانكي نظير محاضرتين في اليابان عن السياسة الخارجية (والطريف أن مواهبه السابقة في التمثيل كانت تلقي على محاضراته طابعاً مميزاً وفرت له المزيد من العروض)!!

ويأتي بعده رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترمب الذي نال مليوناً ونصف المليون دولار على محاضرة ألقاها في مؤتمر العقار العالمي الذي أقيم في نيويورك عام 2007 ...

أما بيل كلينتون فنال مليون ريال مقابل المحاضرة التي ألقاها في منتدى جدة الاقتصادي عام 2002.. ويُعتقد ان بيل كلينتون كسب من محاضراته في أول عام (من مغادرته البيت الأبيض) اكثر من الثماني سنوات التي قضاها فيه.. وهو يتعامل مع مؤسسة علاقات متخصصة في تنظيم المحاضرات والندوات للمشاهير ويقدر انه تلقى حتى الآن 1500 دعوة لايقل عائدها عن 150 مليون دولار..

وكان قد سبقه في مهنة الخطابة سياسيون متقاعدون ساهموا في إدارة العالم.. فمارجريت تاتشر، وجون ميجر، وميخائيل جورباتشوف، ورونالد ريجان، وهيلموت شميت، والرئيس الفرنسي السابق ميتران؛ كسبوا بعد تقاعدهم مبالغ تفوق التي حصلوا عليها خلال فترة رئاستهم..

وبالطبع لا يمكن لهذه الظاهرة أن تحدث في عالمنا العربي لسببين أساسيين؛ الأول عدم مهارة معظم الرؤساء العرب في فنون الخطابة، والثاني أنه لايوجد أصلاً زعيم عربي متقاعد!!

ويمكن القول إن هنري كيسنجر (وزير خارجية أمريكا السابق) هو أول من رسم الخطوط العريضة لهذه الصناعة. فخبرته الأكاديمية السابقة (كأستاذ في العلوم السياسية) أتاحت له الحصول على 80000 دولار مقابل كل محاضرة سياسية يلقيها. أما في أوروبا فقد عمل الرئيس الفرنسي السابق ميتران على تقاضي 75ألف دولار لتلبية أي دعوة من هذا النوع.. أما في ألمانيا فلا تتحرج المستشارة الحالية ميركل من تقاضي 50 ألف يورو عن كل محاضرة تلقيها داخل البلاد و100 ألف خارجها !!

.. بقي أن أخبركم بأن بعض الخطباء لدينا يأخذ ألف ريال على الخطبة، في حين يكتفي شخصي المتواضع باحتساب الإفطار ضمن إيجار الفندق !!

لا يمكنهم البقاء أحياء


يصعب عليّ تصديق قصة الجساسة، ووجود الخضر منذ عهد آدم الى زمن موسى - عليهما السلام -، وعيش الإمام الثاني عشر لأن الخلود حلم لم يُكتب لأحد..

ما يحدث غالبا - حتى خارج ثقافتنا الاسلامية - أن الشعوب ترفض فكرة وفاة أحدهم فتتبنى (كبديل) فكرة اختفائه حتى حين..

ولكن المشكلة أن حادثة الاختفاء تصبح بمرور الزمن عقودا ثم قرونا حتى يتحول الادعاء الى أسطورة مقدسة.. فقصة الخضر مثلا تروى منذ ثلاثة آلاف عام على أنه رجل صالح كتب له الخلد حتى أدرك موسى عليه السلام - ورافقه في قصة قتل الغلام وخرق السفينة حتى قال هذا فراق بيني وبينك..

وقصة الإمام المهدي محمد بن الحسن الذي (حسب الرواية الشيعية) اختفى عن الأنظار منذ ما يزيد على الألف عام ومايزال حيا حتى الآن.. أما الجساسة (أو الدابة التي تحدث عنها تميم الداري) فلم تكن فقط مربوطة في مكانها منذ آلاف السنين بل وأخبرتهم بأمور غيبية لا يعلمها غير الله..

وليس أدل على أن للظاهرة دوافع عاطفية (ترفض فكرة الموت وتتحايل عليها بفرضيات الاختفاء) من أنها مازالت تتكرر حتى يومنا هذا..

فمعظم الأمريكان مثلا يؤمنون بأن إمليا إيرهارت (التي اختفت طائرتها عام1937) ومغني الروك ألفيس برسلي (الذي توفي عام 1977) ورئيس العمال جيمي هوفا (الذي اختفى في يوليو 1975) وحتى مايكل جاكسون (الذي توفي 2009) مايزالون أحياء ولكن بشخصيات مزورة..

وفي ألمانيا يؤمن النازيون بأن هتلر لم يمت وأنه فبرك حرق جثته عام 1945 ومايزال يعيش في الأرجنتين (رغم أن هذا يرفع عمره الآن الى 130 عاما)..

أما الروس فيصدقون بأن الأمير الكسندر الأول اختفى عن الأنظار عام 1825 منتحلا شخصية فلاح بسيط كونه لا يرغب بتولي العرش (ويؤمن بعضهم أنه موجود حتى اليوم)!!

حتى في بريطانيا مايزال البعض يرفض فكرة وفاة الأميرة ديانا ويعتقدون أنها عقدت اتفاقا مع الأسرة الحاكمة للاختفاء عن الأنظار برفقة عشيقها دودي مقابل احتفاظها بالامتيازات الملكية!!

وفي فرنسا يؤمن أنصار الملكية بأن الطفل لويس السابع عشر (الذي تم سجنه بعد الثورة الفرنسية ويعد آخر ملوك فرنسا) مايزال حيا بفضل بركة نالها من بابا الفاتيكان!!

أما أحدث من دخل القائمة فهو زعيم القاعدة أسامة بن لادن.. فالاعتقاد بعدم موته - واختفائه عن الأنظار - لا يتبناه فقط أتباع القاعدة حول العالم، بل ويؤمن به قطاع كبير من الأمريكان أنفسهم (كون فرقة الاغتيال لم تقدم أي صور للجثة مدعية أنها رمتها على عجل في البحر)!!

.. وكما ذكرت في بداية المقال، الصورة الذهنية (لشخص ما) قد تعظم وتترسخ لدرجة تصبح أكبر من التصديق بإمكانية وفاتها كبقية الناس.. وهذا في الحقيقة ما كاد يحصل مع بعض الصحابة حين سمعوا بوفاة نبينا الكريم لدرجة رفع عمر بن الخطاب سيفه وقال: من قال إن محمدا مات قتلته بسيفي هذا وإنما رُفع الى السماء كما رفع عيسى عليه السلام.. فقام أبو بكر وقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد إله محمد فإنه حي لا يموت وقرأ قوله تعالى "وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" فرجع الناس لرشدهم وقال عمر: كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبوبكر..

الحقيقة أيها السادة هي أن الخُلد لم يكتب حتى لسيد الخلق، فكيف ندعيه لأي مخلوق آخر؟

"وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون"!!

لا تتوقع نتيجة مختلفة حين تفعلها بنفس الطريقة


يقول أنشتاين: من الجنون أن تفعل الأشياء دائماً بنفس الطريقة ثم تتوقع نتيجة مختلفة!!

وعلى نفس السياق أقول أنا:

من الجنون أن تتوقع تحسن بعض الوزارات دون تغيير الأساليب العتيقة والجماجم القديمة فيها..

من المستحيل أن تستمر بنفس العقليات الإدارية المتصلبة وتتوقع نتيجة إبداعية مختلفة..

لا يمكنك ببساطة منافسة العالم وأنت تحارب التجديد وتقاوم الأفكار والمفاهيم الرائدة..

فقبل الحصول على نتيجة مختلفة يجب إحداث حراك في الأقسام الإدارية ذاتها أو تغييرها بالكامل.. كي تحصل على إبداع جديد عليك (كما هو دارج في عالم الابتكارات) أما تطويره، أو تعديله، أو تكبيره، أو تصغيره، أو دمجه، أو تحسينه، أو اختصاره، أو الإضافة إليه، أو خفض كلفته... أو إلغاؤه نهائيا إن كان عصياً على التطوير واستبداله بشيء جديد ومختلف...

فتجربة هذه التغييرات تعد أحد أسس الابتكار (بمفهومه العام) وتأتي ضمن طريقة تدعى سكامبر تحدث عنها لأول مرة خبير التفكير بوب أبيتل..

دعنا أولا نضرب مثلاً بعالم الاختراعات والأجهزة التقنية الحديثة؛ فكل جهاز جديد (يكتسح الأسواق ويحقق نجاحاً خارقاً) إما ظهر من العدم أو تعرض بقسوة لأحد التغييرات السابقة.. حاول أن تكتشف بنفسك عناصر النجاح في أي منتج تجاري ناجح وحاول تطبيقها على أي جهاز عتيق تراه الآن أمامك.. اسأل نفسك ماهي الاحتمالات المتوفرة مثلاً لتطوير آلة نسخ الأوراق الموجودة في مكتبك أو في حال افترضنا أنك أصبحت فجأة مديراً لشركة شارب أو هيتاشي..

لديك عدة خيارات تندرج تحت (تطويرها) بحيث تطبع بطريقة أسرع أو(تعديلها) بحيث تطبع على القماش والخشب أو(تصغيرها) بحيث يمكن حملها بحقيبتك أو(دمجها) مع كاميرة الجوال مثلاً أو(تحسينها) بحيث لا يعلق الورق بداخلها أو(حذف مالا يلزم منها) مثل الأجنحة البارزة والغطاء الثقيل أو(الإضافة إليها) كأن نزودها بكاميرا بصرية أو ببساطة (خفض تكاليفها) بحيث يمكن لصغار الموظفين شراؤها..

ولكن ماذا إن كان المنتج أو القسم أو الجهاز عصياً على التغيير والتطوير والتعديل... وكل الاحتمالات السابقة!؟

هذا لوحده دليل على أنه وصل لطريق مسدود، واستُنزف حتى النهاية، ولم يعد هناك أمل في تحسينه (وبالتالي) يجب إلغاؤه نهائياً واستحداث جهاز بديل ومختلف شكلاً وفكراً ومضموناً..

فأول قاعدة في الإبداع هي كسر كل القواعد السابقة (وأكون سعيداً لو نسيت كل المقال وتذكرت هذه الجملة فقط)..

شركة آبل فعلت ذلك حين تجاوزت كل التطويرات المحتملة في الهواتف وأجهزة اللابتوب وفاجأت العالم بابتكار شيء مختلف تماما يدعى "آيفون" و "آيباد" في حين ماتت شركة نوكيا بسبب تمسكها بالهواتف التقليدية وعجزها عن ابتكار أفكار إبداعية جديدة!!

ولأن كثيراً من الأقسام الإدارية في مؤسساتنا الحكومية فات الأوان على تطويرها، حان الوقت لإلغائها تماماً ومفاجأة المواطن (قبل العالم) بابتكار شيء جديد ومختلف وغير متوقع!!

... المؤكد حتى الآن هو أن لا تتوقع نتيجة مختلفة حين ترى نفس الوجوه التي رأيتها قبل أربعين عاماً وأصبحت عصية على التطوير والتغيير والتعديل والحذف والإضافة.

أثرى فقيرين في العالم


في حسابي على الإنستجرام توجد صورة لرجلين جمعهما حب الفقراء والمساكين. صورة التقطها بنفسي في نوفمبر 2013 تجمع بين محمد يونس عالم الاقتصاد البنغالي، وخوسيه ألبرتو رئيس الأروجواي وأفقر رئيس دولة في العالم.

الأول حاز على جائزة نوبل لتأسيسه بنوك الفقراء في بنجلاديش ومساعدته آلاف الأرامل على تأسيس أعمال صغيرة ومربحة يمتلكنها بأنفسهن.

والثاني رئيس زاهد وفقير يعيش في مزرعة زوجته ويقتني سيارة فلوكسواجن قديمة (قدرت صحيفة الموندو سعرها ب1945 دولار فقط).

الأول ساهمت فكرته في انتشار فكرة بنوك الفقراء حول العالم وانتشال آلاف المحتاجين من مستنقع الفقر والحاجة (حسب المبدأ النبوي اشتر فأسا واحتطب)..

والثاني يتبرع ب90% من راتبه كرئيس للفقراء والمشاريع الناشئة، ويرفض السكن في القصر الرئاسي، ومع هذا أصبحت الأرجواي في عصره أحد أسرع الاقتصاديات نموا في العالم!!

.. ويقوم بنك الفقراء على فكرة القروض متناهية الصغر لإنشاء مشاريع يمتلكها الفقراء بأنفسهم (وهي فكرة لا تهتم بها البنوك التجارية كونها لا تحقق لها فائدة ربحية عالية).. وكان محمد يونس الذي يدرس علم الاقتصاد بجامعة شيتاجونج قد أيقن أن ما يُدرسه لا يحل مشاكل الفقراء فقرر أن يتصرف بنفسه فأعطى مجموعة من النسوة الفقيرات قروضا لا تتجاوز 6 دولارات لشراء مواد يصنعن بها السلال ويبعنها بأنفسهم (بدل بيعها على تاجر الجملة).. وخلال أيام نجحن كلهن في تحقيق أرباحا مجزية واستطعن رد المبلغ إليه كاملا.. وبتكرار الفكرة قرر تطبيق البرنامج على مستوى أوسع فأسس عام 1976 بنك القرية أوGrameen Bank

وبحلول 2008 كان للبنك 2100 فرع في قرى بنجلاديش ونجح في انتشال 12,5 مليون انسان من تحت خط الفقر (96% منهم من النساء والأرامل) في حين أثبتت حسابات البنك أن نسبة عدم السداد لا تتجاوز 2% من إجمالي عدد القروض (وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة تعثر الأغنياء مع البنوك التجارية)!!

وسرعان ما انتشرت فكرة بنوك الفقراء في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبقية العالم، ويقدر أنها انتشلت حتى الآن 47 مليون انسان من قسوة الفقر والحاجة.. وفي عام 2006 فاز محمد يونس بجائزة نوبل للسلام وتبرع بنصف قيمة الجائزة للبنك نفسه (وكنت شخصيا قد كتبت عنه مقالا قبل ذلك توقعت فيه فوزه بجائزة نوبل.. ولكن.. في الاقتصاد)!!

.. أما رئيس الأرجواي خوسيه ألبرتو موخيكا فبدأ حياته مقاتلا في منظمة توباماروس الثورية اليسارية. غير أنه سرعان ما أدرك أن السلاح لا يُصلح أحوال الناس فانخرط في العمل التطوعي والسياسي. وسرعان ما أصبح وزيراً للثروة الزراعية، ثم انتخب في مجلس الشيوخ، ثم فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2009.. ورغم أنه يحظى باحترام عامة الناس إلا أن رجال الصناعة والأعمال كانوا يخشون -في حال توليه السلطة- أن يحول الأرجواي الى الاقتصاد الاشتراكي أو يفرض عليهم ضرائب خاصة بالمشاريع الخيرية (خصوصا أنه كان في شبابه يسارياً معارضاً للطبقة الأرستقراطية وسلطة رجال الدين).. غير أن موخيكا أثبت أنه أكبر من كل المخاوف كونه على عكس ذلك فتح الأسواق، وشجع الاستثمار، وحمى المبادرات الفردية، وارتفع دخل المواطن في عهده عدة مرات، في حين لم يتغير هو ولم يشترِ لنفسه سيارة جديدة ولم يفتح حسابا في أي بنك حول العالم!!

.. شاهدوا الصورة التي جمعت بين أثري فقيرين في العالم على:

Instagram.com/fahadalahmdi

قبل سفرك هذا الصيف


اقتربت الإجازة وبدأت إجراءات الحصول على "فيزة" السفر للخارج.. بدأ موسم المكاتب المعنية وتكرار الأسئلة السنوية أي الدول تتطلب، ولا تتطلب فيزة، وأيها يسمح بالحصول عليها من المطار؟

وقبل أن أجيبكم على هذا السؤال أشير من واقع خبره إلى أن أكثر الدول صعوبة ومماطلة في منح الفيزة للسعوديين هي كندا وأستراليا وسنغافورة.. فكندا التي كانت من الدول التي يذهب إليها السعوديون بدون فيزا أصلاً أصبحت أكثر تشدداً وبطئاً ومماطلة حتى من أمريكا (التي أجبرتها على طلب فيزا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر).. أما أستراليا فوضعها غريب فعلاً إذا يمكنك الحصول عليها خلال 6 أيام أو 6 أشهر أو قد تمنح لفرد دون آخر من العائلة نفسها، (كما حصل لزوجة شقيقي الأصغر حين منعت من السفر معه لأن عمرها حسب التاريخ الميلادي مايزال أقل من 18 عاماً).. أما سنغافورة فمن الدول التي تتشدد في طلباتها لدرجة "تطفيشك" واستعدادك لرمي أوراقك قائلاً: "خلاص بطلنا فالذهاب لإسرائيل أرحم" (كما قلت أنا لموظف القنصلية في جدة)!

وفي حين أصبحت الحصول على الفيزا الأمريكية أسهل بكثير (بعد تخلصها من تبعات الحادي عشر من سبتمبر) تعتمد فيزة شنجن الأوربية على سفارة الدولة التي تتقدم إليها ومزاجها موظفيها في ذلك الوقت من العام..

وفي حين يمكنك الحصول على الفيزا من مطارات تركيا وأندونيسيا وتايلند وآذربيجان ونيكاراجوا يكاد يستحيل عليك الحصول على "فيزا" لزيارة دول كثيرة مثل سنغافورة وكمبوديا وبوتان وفيتنام (ودولتين عربيتين) بسبب شروطها التعجيزية.. وفي حين يمكنك زيارة نيوزلندا وهونج كونج والفيليبين وكوريا الجنوبية وبقية الدول العربية (بدون أي فيزا) قد تمنعك سلطات بلدك من زيارة دول مثل إسرائيل والعراق وأفغانستان والبوسنة وتايلند وسورية هذه الأيام.

ومن جهة أخرى قد لا تكون هناك موانع سياسية لا من دولتك ولا من الدولة المضيفة ومع هذا تظل هناك عقبات اجتماعية أو مشاكل دولية أو خصوصيات محلية أو أي شيء آخر يحول دون زيارتك لدول ومواقع كثيرة حول العالم، (وإن كنت مهتماً بهذا الجانب أنصحك بالبحث عن مقال سابق بعنوان: أماكن يحرم عليك زيارتها)..

على أي حال؛ اسمح لي الآن بإعادة ترتيب الأسماء السابقة وإخبارك باختصار عن أهم الدول التي:

لا تطلب فيزا لزيارتها (إن كنت تحمل جوازاً سعودياً) وأبرزها نيوزلندا، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، والفيلبين، والمالديف، وسريلانكا، وجورجيا، وكوسوفا، والدومينيكان، والإكوادور، وهايتي، وبنما، وجزر موريشوس، ناهيك عن جميع الدول الخليجية ومعظم الدول العربية.. المهم أن تلاحظ أن فترة السماح في معظم هذه الدول تغطي فترة محدودة لا تزيد غالباً عن ثلاثة أسابيع وبالتالي يتطلب جلوسك لفترة أطول طلب ذلك من سفارة الدولة المعنية في بلدك!!

أما أبرز الدول التي يمكن للسعوديين الحصول على فيزتها من مطاراتها فهي:

تركيا، وإندونيسيا، ولاوس، ومكاو، وتايلند، وأذربيجان، ونيبال، وكمبوديا، وبنجلاديش، ونيكاراغوا(فقط لا تنس أن تأخذ معك دولارات كافية).

وهذا يعني أن جميع الدول التي لم يرد اسمها في القائمتين السابقتين (كالصين وكندا وأمريكا ومجموعة شنجن الأوروبية) تتطلب حصولك على تأشيرة مسبقة من دخولها قبل مغادرتك من مطار بلدك!

وللتأكد أكثر قم بزيارة موقع الجوازات، أو ضع (جنسيتك) في الموقع التالي:

http://www.visahq.com/citizens/

ممنوع لسبب.. غير وجيه


المواطن السعودي يثير الفضول في الخارج لأسباب كثيرة..

يثير الفضول بطريقة لبسه وحديثه وصلاته والفكرة المسبقة التي يتبناها الناس عن بلاده.. أصبحت - من فرط التجربة والتكرار - أعرف أهم الأسئلة التي ستطرح علي في الخارج.. أسئلة تتعلق غالبا بالإسلام والديمقراطية والمرأة والحريات الشخصية.. يمكنني الإجابة عنها كلها بشكل بليغ ومنطقي (كوني مررت بها كثيرا) باستثناء سؤالين أو ثلاثة لا أعرف كيف أجيب عنها فعلا..

لا أعرف كونها غير منطقية فعلا فأجيب عنها بطريقة ضبابية أو مطاطية "ليس هناك سبب فنحن هكذا" أو "هذه من الخصوصيات التي يصعب عليك فهمها" أو "بصراحة أنا نفسي لا أفهم لماذا!؟"

أسئلة مثل: لماذا تمنعون المرأة من قيادة السيارة؟ أو لماذا لا تملكون دورا للسينما؟ أو هل صحيح أنكم تحرمون اللون الأحمر في عيد الحب (وكأننا اعترفنا به أصلا)؟

.. أسئلة كهذه يمكنني أنا وأنت التجادل حولها حتى الصبح (ماعندك مشكلة)؛ ولكن كيف تقنع شخصا أجنبيا بأن قيادة المرأة فيه خطر على حياتها أو أنه يفتح بابا لفسادها (فالأولى توحي بأنك تعيش في بلد مضطرب أو ينعدم فيه الأمان، والثانية توحي بأن نساءنا يجنحن للفساد بمجرد انطلاقهن بأي اتجاه، أو أن مستويات التستيرون لدى شبابنا وصلت حد الهجوم على أي امرأة تتجول وحدها)!!

حتى السؤال الثاني - الخاص بدور السينما - لا يمكنني الإجابة عنه، ليس فقط لأن السينما تسلية بريئة في نظر بقية الشعوب (خصوصا العلني والمفتوح منها) بل لأننا نعيش حالة نفاق واضحة حيالها كوننا أكبر مُنتج للبرامج التلفزيونية وأعظم مستهلك للأفلام المشفرة.. بشكل غير علني وغير مفتوح..

أما بخصوص عيد الحب فلا يسعني سوى القول إننا نعيش أعياد حب طوال العام (مع ماما وبابا وأخواتي وشريكة حياتي) وبالتالي لا نحتاج لتخصيص يوم له.. وأتجاهل مسألة الورد الأحمر تماما !!

.. الحقيقة (بلا مزاح) أنه حين يكون المانع جدليا أو غير عقلاني، يصبح الجواب فضفاضا وماكرا وغامضا بطريقة "هكذا نحن" أو "يصعب تفسير الأمر" أو "لن تفهم لأنك لم تعش في السعودية" !!

.. ومن التقنيات التي تساعدني - على تجاوز هذه النوع من الأسئلة - تنبيه السائل إلى أن العالم لا يخلو (مثلنا) من ممنوعات غير وجيهة ومحرمات لا تملك سببا مقنعا..

فإن كانت المسألة مسألة ورود وألوان وتقليعات أمريكان فلدي قائمة كبيرة بمحرمات عالمية يمكنني شغله بها:

فماليزيا مثلا تمنع لبس القمصان الصفراء كونها أصبحت علامة مميزة لبعض التنظيمات العمالية المناهضة لحكومة مهاتير السابقة..

والصين لا تحرم فقط تويتر والفيسبوك بل ومنعت بيع الياسمين في شوارعها (خوفا من تأثر شعبها بثورة الياسمين في تونس)..

أما إيران فتحافظ على هويتها التقليدية بمنع قصات الشعر الأمريكية (ومايزال الحلاقون هناك يحاولون عد الطرق التي يحلق بها الأمريكان رؤوسهم)!

والخوف من ثقافة الأمريكان لا يقتصر على إيران؛ ففرنسا تحرم استخدام الكاتشب في كافتريات المدارس، وبوليفيا أغلقت كافة مطاعم ميكدانولد، وروسيا تمنع مراهقيها من ارتداء ملابس الروك!

حتى الدنمرك بلد الحريات (والتفليت) تملك قائمة محدودة بالفرق الغنائية التي يسمح لها بدخول البلد كل عام (ومن حسن الحظ لم يسألني أحد إن كنا نملك تنظيما مشابها في السعودية)!

.. كل هذا يثبت أننا لسنا بدعا من القوم، وأنه من حقنا تحريم ما نريد، ومنع ما نريد لأسباب ليست وجيهة بالضرورة!!

.. أقول قولي هذا وأنا أخشى أن يسألني أحدهم ذات يوم: هل صحيح أنكم تحرمون تحليل دماء الخادمات غير المسلمات في المدينة المنورة بالذات؟

ماذا يحدث لو جلست داخل الهرم؟


هل مرت عليكم (طاقية الإخفاء) في قصص ألف ليلة والشاطر حسن!؟

هذه الطاقية دليل على أن العرب أول من ابتكر فكرة الاختفاء عن الأنظار (بفضل مخزونهم الهائل من قصص الجن والشياطين) وآخر من سينجح في تطبيقها كاختراع ملموس ومنتج تقني (أيضا بفضل مخزونهم الهائل من قصص الجن والشياطين)!!

وفي المقابل نجح اليابانيون في فعل ذلك عام 2007 حين ابتكرت شركة سوني جاكيتاً طويلاً يُخفي لابسه عن الأنظار بفضل تقنية النانو (التي تعكس أمام الجاكيت ما يحدث خلفه).. ورغم أنني لا أعلم لماذا فشلت تجارب الأمريكان في إخفاء جنودهم في العراق وأفغانستان أو لماذا لم يستعيروا الجاكيت السابق من اليابانيين إلا أنهم نجحوا منذ الثمانينات في صنع مقاتلات "ستيلث" يعجز عن رؤيتها ورصدها الرادار...

على أي حال؛ من قال إن الاختفاء هو الهدف الوحيد من صنع "الطواقي" المتقدمة؛ فقبل فترة مثلاً قرأت عن اختراع "طاقية" من شأنها زيادة الذكاء وتحفيز الإبداع في استراليا.. وهي عبارة عن قبة معدنية توضع على الرأس وتبعث نبضات كهرومغناطيسية إلى مناطق مختارة في الدماغ.. وبدأت الفكرة حين لاحظ العلماء (في مركز أبحاث العقل في سيدني) أن بعض الإصابات في الرأس يمكن أن تطلق مواهب الإنسان في ناحية معينة كأن يصبح فجأة موهوباً في الرسم أو العزف أو الرياضيات.. وهكذا فكروا بمحاكاة هذه الظاهرة من خلال تحفيز مناطق معينة في الدماغ بواسطة "طاقية كهربائية" تطلق نبضات كهرومغناطيسية موجهه لهذا الهدف!!

أما بخصوص الهرم فهناك احتمال بأن يكون أقدم طاقية ابتكرها الإنسان لزيادة الذكاء وحث الإبداع.. فالفراعنة اكتشفوا القدرات المدهشة للأشكال الهرمية قبل آلاف السنين بل وبنوها بمقاييس هائلة كما يتضح من أهرامات الجيزة.. وفي المقابل لم يكتشف العالم ميزات الشكل الهرمي إلا عام 1930 بفضل المستكشف الفرنسي أنطوان بوفيس الذي دخل هرم الجيزة فلاحظ وجود جثة هرة وبعض الحشرات الميتة لم يطالها التعفن أو التحلل. وحينها تساءل عما إذا كان للشكل الهرمي علاقة بحفظها سليمة رغم وفاتها منذ زمن بعيد خصوصاً أنه كان في الغرفة التي فيها جثمان الملك والذي يفترض أن ينتقل للآخرة بكامل أجزائه.. وبعد تلك الحادثة عمد إلى صنع عدة أشكال هرمية صغيرة وضع فيها أنواعاً متعددة من المواد العضوية فلاحظ احتفاظها بنكهتها الطازجة وعدم تعفنها..

وبفضل ملاحظات وتجارب بوفيس أجريت تجارب مدهشة في أنحاء العالم أثبتت أن الشكل الهرمي (دون غيره من الأشكال) يعمل كعدسات تجمع وتستقطب طاقة "من نوع ما" تساعد على تحسين نوعية المواد وإطالة عمرها الزمني كما تمنع تعفن الأطعمة وتحلل المواد العضوية.. وهناك خبير يدعى "جرايدون ريكسون" يؤكد في كتابه "اكتشف الطاقة الهرمية" أن الجلوس داخل أي شكل هرمي ينبه الطاقة الفكرية للإنسان ويزيد من الذكاء والشفافية ويدعي أنه جرّب ذلك شخصياً وأثبت فعاليته من خلال جهاز لقياس موجات ألفا الدماغية.. وفي نهاية الكتاب ينصح جرايدون ببناء المدارس بشكل هرمي ولبس قبعات هرمية لمدة ساعتين في اليوم!!

... أصدقكم القول لست متأكداً من تأثير القبعات الهرمية؛ ولكنني في طفولتي جربت وضع نصف تفاحة داخل هرم من القصدير فلم تتعفن بالقدر الذي طال النصف الذي تركته خارجها..

كيف لا تمرض بنسبة 30%


حين اكتشف الطبيب الألماني فيلكس هوفمان الأسبرين في القرن الثامن عشر تم تداول الخبر بطريقة واسعة وغير مسبوقة.. ظهرت حوله ادعاءات ومبالغات أوحت للناس أنه علاج شامل لكل شيء.. وما أدهش الأطباء فعلاً أنه كان(حينها) قادراً على علاج معظم الأمراض - في حين أنه لم يكن كذلك بحسب دراساتهم الخاصة.

لم يدركوا حقيقة مايحدث حتى تبلور مفهوم البلاسيبو أو Placebo في عالم الطب.

والبلاسيبو هو الوهم الحميد للدواء الذي يتأثر به معظم المرضى بطريقة إيجابية - حتى لو لم يكن له فعالية حقيقية.. وكلما ارتفعت نسبة الاعتقاد والتوقع والشعبية والقصف الإعلامي تجاه العقار الجديد، كلما ارتفعت بسببه نسبة البلاسيبو واحتمال شفاء المريض بطريقة ذاتية - لدرجة أن حالات سرطانية لم يجد لها الطب علاجاً حتى اليوم، شفيت تماماً في ذلك الوقت بسبب الهوس بالأسبرين.

واليوم أصبح مؤكداً أن تأثير الوهم يلعب دوراً كبيراً في علاج المرضى بنسبة تزيد أو تنقص بحسب قناعة المريض (في حين يعد العقار ناجحاً حين تتجاوز حالات الشفاء منه نسبة البلاسيبو المقدرة ب30%).

وهناك دراسة موسعة أجريت في مدينة شتوتغارت عام 1982 على مرضى بسرطان القولون قيل لهم إن علاجاً جديداً سينزل إلى الأسواق يحقق نسبة شفاء كبيرة - "ولكنه للأسف لن يكون متوفراً قبل أربعة أشهر من الآن"..

وخلال فترة انتظارهم كان المرضى يستقبلون بشكل يومي رسائل ومعلومات عن محاسن العلاج الجديد (وخواصه الخارقة) حتى تشبعت به أدمغتهم وأصبحوا على قناعة كبيرة بفعاليته العالية.. وفي الموعد المحدد بدأوا بتناول العلاج الجديد (الذي لم يكن أكثر من سكاكر صلبة) فشفي 60% منهم خلال أسبوعين، ثم 80% بنهاية الشهر، في حين قال البقية إن حالتهم تحسنت دون شفاء كامل!!

وحتى وقت قريب كان الأطباء يعتقدون أن تأثير البلاسيبو يعتمد فقط على أفكار المريض وموقفه من العلاج؛ ولكن اأتضح أن الجسم نفسه يتخذ إجراءات حقيقية تساعده على الشفاء بفضل الأدوية الوهمية.. ففي حالات مرضية كثيرة بدا وكأن جهاز المناعة يقوم فعلاً بإنتاج الأدوية المناسبة - التي تقابل في تركيبتها العقاقير المفترضة.. فلأن جسم الإنسان يتضمن مواد كيميائية شافية - تنتج بأوامر عصبية من الدماغ - يصدر الدماغ أوامره بإنتاج هذه المواد بنفسه حين يخضع لتأثير البلاسيبو.. خذ كمثال المسكنات الوهمية التي تعطى للمريض (على أنها مسكنات حقيقية) واتضح أنها تحث الدماغ على قطع الاتصال مع نهايات الأعصاب وكأنه واقع بالفعل تحت تأثير مسكنات حقيقية.. وفي مستشفى مونتريال العام قام الأطباء عام 2000 بسلسلة عمليات جراحية لمرضى الزهايمر لم يفعلوا خلالها غير فتح الجمجمة ثم إعادة تلحيمها (ومن المعروف أن هذا المرض ناجم عن تآكل حقيقي لبعض خلايا الدماغ). ولكن الأطباء أقنعوا المرضى أنهم سيزرعون في أدمغتهم خلايا بديلة وحين استيقظوا وشاهدوا آثار جراحة حقيقية شهد ثلثهم تحسناً فورياً وحقيقياً!!
والآن؛ ماذا نستفيد من هذا كله؟

.. فائدتان:

الأولى أن من يعتمدون على الطب الشعبي أو يذهبون للمشعوذين (أو حتى الرقاة) قد يشفون فعلاً بفضل البلاسيبو وقناعتهم بإمكانية الشفاء بهذه الطريقة!!

والثانية أن موقفنا من المرض ذاته يمكنه أن يرفع من نسبة شفائنا أو وفاتنا بحسب موقفنا وقناعتنا بمدى نجاتنا منه.. فإن كنا نملك موقفاً إيجابياً وقناعة بالشفاء سنشفى - بإذن الله - وإن كنا في حالة نفسية سيئة وقناعة بهزيمتنا أمام المرض سننتكس وينتهي بنا الأمر إلى الوفاة لاقدر الله!

الدول الموجودة داخل أمريكا


نخطئ في الجغرافيا حين نتحدث عن أمريكا ككتلة واحدة..

ونخطئ في الاقتصاد حين نظنها كتلة اقتصادية متماسكة..

ونخطئ في السياسة حين ننظر الى واشنطن أو أوباما كزعامة تحتكر القرار..

فهي أولا لاتُدعى أمريكا (فهذا اسم القارة) بل "الولايات المتحدة الأمريكية".. وهذا يعني أنها "ولايات" ذات كيانات مستقلة اتفقت على الارتباط بطريقة فيدرالية (حيث توجد سلطة عليا يختارها الجميع دون المساس بسلطات الولاية المحلية).

وما يجعل أمريكا قوية هو تفوق كل ولاية من ولاياتها (الواحدة والخمسين) على معظم دول العالم سواء في الاقتصاد أو التقنية..

فلو أخذت مثلا ولاية كاليفورنيا ستكتشف أنها - في حال انفصلت عن الاتحاد الفيدرالي - ستصبح رابع أقوى دولة في العالم، وثامن أفضل اقتصاد بين ايطاليا والبرازيل.. وفي حال انفصلت ولاية تكساس ستصبح خامس أكبر دولة من حيث المساحة، ورابع أكبر دولة من حيث انتاج النفط.. أما ولاية نيومكسيكو فيفوق ناتجها المحلي عُمان وتضم بين جنباتها قنابل نووية تفوق أي دولة في العالم (حتى روسيا نفسها)..

وإذا اكتفينا بالناتج المحلي فقط (الذي يعرف اختصارا بالGDP ويشمل كامل القيمة السوقية للسلع والخدمات) نكتشف أن:

الناتج المحلي لكاليفورنيا يساوي الناتج المحلي لدولة متقدمة مثل كندا..

والناتج المحلي لتكساس يساوي دولة ضخمة كالمكسيك..

والناتج المحلي لولاية كلورادو يساوي مصر (أكبر دولة عربية في السكان).

والناتج المحلي لولاية ألينوي يساوي السعودية (ثاني أكبر منتج للنفط في العالم).

والناتج المحلي لولاية نيويورك يساوي كوريا الجنوبية (تاسع أكبر اقتصاد في العالم).

والناتج المحلي لولاية فلوريدا يساوي سويسرا (أحد أغنى دول أوروبا).

والناتج المحلي لولاية سياتل (حيث يوجد بيل غيتس) يساوي دولة نفطية كفنزويلا.

والناتج المحلي لولاية ميتشغان يساوي دولة اتحادية كالإمارات.

والناتج المحلي لولاية انديانا يوازي دولة تملك 400 صاروخ نووي تدعى اسرائيل.

.. ولاحظ هنا؛ أننا قارنا هذه الولايات بدول إما كبيرة أو متقدمة أو لها ثقل اقتصادي كبير (كالسعودية وكندا وكوريا الجنوبية) في حين تصبح المفارقة شاسعة حين نقارن الولايات الأمريكية بدول أقل تقدما أو ثقلا اقتصاديا مثل:

الناتج المحلي لولاية لويزيانا (التي أغرقها الطوفان) يساوي الناتج المحلي للباكستان.

والناتج المحلي لولاية كونكتكت يساوي الناتج المحلي للجزائر.

والناتج المحلي لولاية نيفادا الصحراوية يساوي الناتج المحلي لبنجلاديش.

والناتج المحلي لولاية أيوا يساوي الناتج المحلي لدولة كفيتنام.

والناتج المحلي لولاية أريزونا الفقيرة يساوي الناتج المحلي للفيليبين.

وفي حين تعتمد هذه المقارنات على "الناتج المحلي" تتفوق بعض الولايات على مستوى العالم في الانتاج الصناعي والتقني.. فولاية ميتشغان مثلا مسؤولة عن انتاج معظم السيارات في أمريكا.. وولاية سياتل عن صنع طائرات البوينج العملاقة.. وميسوري عن الطائرات الحربية المقاتلة.. وتكساس عن انتاج النفط والطاقة.. ونيويورك عن خدمات المال والبورصة.. في حين تحتل ولاية كاليفورنيا المركز الأول عالميا في انتاج الصواريخ والأسلحة الحربية - ناهيك عن تضمنها لاستوديوهات هوليود ووادي السليكون حيث توجد جوجل وأبل وتويتر والفيسبوك وجميع الشركات التي تعرفها!!

.. هذه الولايات - القوية بذاتها - تصبح أكثر قوة ومنعة بارتباطها فيدراليا ضمن دولة اتحادية كبرى.. دولة ندعوها "أمريكا" هي في الواقع "إمبراطورية" مكونة من عدة دول تتحكم باقتصادات العالم أجمع - ناهيك عن جيش يملك 144 قاعدة عسكرية حول العالم، وميزانية تساوي عشرين جيشا تاليا له في الترتيب!!

أعرف أن البعض سيرى في هذا المقال تبجيلا لأمريكا؛ ولكنه في الحقيقة يأتي من باب "اعرف عدوك أو صديقك" مهما بلغ حجمه..

.. وبالطبع؛ يمكنك تجاهل كل ما سبق، ولكن "التجاهل" ليس أفضل حل للتعامل مع الرجلين..

إلغاء السلبيات أولى من إضافة الإيجابيات


يجب أن تتوقف عن تدمير ذاتك من خلال تبني أفكار سوداوية ومواقف سلبية تضرك أكثر من أي مؤثر خارجي.. يجب أن تلغي من حياتك سلبيات كثيرة، قبل أن تضيف إليها ايجابيات كثيرة تجعل منك إنسانا أفضل.. قبل أن تفكر بالثراء والشهرة والوظيفة - وكافة الطموحات الجميلة - يمكنك أن تصبح إنسانا أفضل بمجرد التوقف عن اتخاذ مواقف، وتبني هواجس، تجعلك غير قابل أصلا للتحسين والإضافة.

لهذا السبب يجب أن تتوقف (أولاً) وقبل فوات الأوان عن:

جلد ذاتك والتقليل من قدراتك.

عن تذكر الأخطاء التي ارتكبتها وفات أوان إصلاحها.

وعن تكرار الأخطاء نفسها في المستقبل.

وعن الأخذ بثأرك أو الانتقام ممن ظلمك.

وعن قول "نعم" وأنت ترغب بقول "لا".

وعن التدخل في حياة الآخرين بحجة النصيحة (فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

وأن تتوقف عن الاستمرار في مصادقة الفاشلين (فالفشل معد بالفعل).

وعن محاولة تقليد شخص آخر..

وتتوقف عن الكذب على نفسك وتجاهل السلبيات في شخصيتك.

وعن محاولة شراء السعادة بالمال.

وعن البحث عن السعادة لدى الآخرين.

وعن محاولة شراء احترام الناس بالمال أو المنصب أو اسم العائلة.

وعن محاولة العيش بمثالية (فالكمال لله وحده).

وعن تأجيل أي عمل جميل حتى تكون مستعدا.

وعن إضاعة عمرك بالمنافسة أو الغيرة أو الحقد على أحد.

وتتوقف عن النزول لمستوى من يغار منك أو يحقد عليك.

وعن محاولة إصلاح الناس (فرحم الله رجلا شغلته نفسه عن إصلاح غيره).

وعن الاعتقاد بأن الناس أو المجتمع في انحدار مستمر (فمن قال هلك الناس فهو أَهلكُهُمْ).

وعن الاعتقاد بأنك مميز أو أن ما تفكر فيه لم يخطر على بال أحد غيرك.

وعن القلق على البعيد أو مالا يحتمل حدوثه (فلا تفكر بعبور الجسر إلا حين تصل إليه).

وعن الخوف من التجربة وارتكاب الأخطاء (فمن خلالها نصل للنتيجة الصحيحة).

وتتوقف عن أي قول أو فعل يوحي بالغرور أو الانتقاص من الآخرين.

وعن القلق على مستقبل أطفالك (فرزقهم قد كتب قبل ولادتهم).

.. يجب أن تتوقف عن كل ذلك ان أردت العيش في سعادة بعيدا عن القلق والتوتر وهموم الدنيا.. فإلغاء السلبيات أولى من إضافة الايجابيات كون الإيجابيات (كربح المزيد من المال أو الانتقال لوظيفة أعلى) قد تصيبك بالقلق والتوتر وتضيف لحياتك المزيد من الهموم والمشاغل.. قد تسعد بها في البداية (كسعادتك بارتفاع رصيدك أو تعيينك في مرتبة أولى) ولكن سرعان ما تتعود عليها وتكتشف أنها - هي ذاتها - أصبحت من السلبيات الدائمة في حياتك.

باختصار:

ما تحتاجه كي تعيش سعيدا وخاليا من الهموم هو التقليل من السلبيات وليس إضافة المزيد من الايجابيات.. ما تحتاجه ببساطة هو أن تتوقف (أولاً) عما جاء في القائمة السابقة..

أطول الرحلات فوق السحاب


ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي في سن العاشرة من المدينة إلى القاهرة.. تركت في نفسي أثراً عميقاً لدرجة بقيت لعدة أشهر أحرك يدي في الهواء كجناح الطائرة (الذي أذهلني بقدرته على الامتداد والانقباض أثناء الهبوط والإقلاع).. أما كرت الصعود للطائرة فكنت آخذه معي دائماً إلى المدرسة كدليل على تحليقي فوق السحاب دون بقية الطلاب..

...أما اليوم فلا أكاد أحصي عدد الرحلات الجوية التي قمت بها، ولكنني بالتأكيد مازلت أذكر أطولها وأكثرها عناء وإرهاقاً..

الرحلة الأولى كانت في منتصف الثمانينات بين جدة ونيويورك واستغرقت 13 ساعة (ترتفع إلى 19 ساعة إن احتسبنا معها رحلتي من المدينة وفترة الترانزيت).

والثانية عام 2010 من دبي إلى ملبورن في استراليا واستغرقت 13,25 ساعة (ترتفع إلى 19 ساعة إن احتسبنا معها فترة الترانزيت).

والثالثة في ديسمبر الماضي من ساوباولو إلى الدوحة واستغرقت 15 ساعة (ترتفع إلى 28 ساعة إن احتسبنا معها فترة الترانزيت)...

وكان عصر الطائرات قد بدأ بقطع 39 متراً لمدة 12 ثانية فقط (في ديسمبر 1903 حين حلق الأخويين رايت بأول طائرة على شاطئ كيتي هوك).

وبسرعة تقدم الطيران - من حيث الارتفاع والسرعة - لدرجة أن ولبر رايت كان لا يزال على قيد الحياة حين هبط الأمريكان على سطح القمر عام 1969.

وخلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أصبحت الطائرات أسرع وأعلى وتنتج بشكل جماعي..

وخلال الفترة التي فصلت بين الحربين العالميتين تطورت الطائرات في معظم البلدان، حتى في اليابان التي سيطرت طائرتها المقاتلة ميتسوبيشي 6 على المحيط الهادي ودكت بقنابلها ميناء بيرل هاربر الأمريكي..

وحين بدأت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أصبحت الطائرات أكثر قدرة وسرعة وظهر خلالها المحرك النفاث.. وحين انتهت تحولت كثير من القاذفات العملاقة إلى طائرات ركاب ضخمة - كالبوينج التي كانت في الأساس قاذفة قنابل ضخمة..

أما أطول رحلة تجارية (تجاوزت العشرة ساعات بلا توقف) فنظمتها الخطوط الأرجنتينية عام 1967 بين بوينس أيرس ومدريد واستغرقت 12 ساعة..

وبحلول منتصف السبعينات كانت هناك رحلات تجارية كثيرة تجاوزت 11 ساعة مثل خط طهران نيويورك، ونيويورك سيدني، وسيدني سان فرانسسكو، وتل أبيب لوس انجلوس، وجدة نيويورك...

أما الرحلة التي حققت رقما قياسيا بلا توقف (على خط تجاري منتظم) فكانت تقوم بها الخطوط السنغافورية بين سنغافورة ونيوآرك في ولاية نيوجرسي وتستغرق 18 ساعة متواصلة، غير أن هذه الرحلة توقفت العام الماضي (2013) وبالتالي أصبحت أطول رحلة طيران منتظمة هي الرحلة رقم 41 التي تقوم بها الخطوط السعودية بين جدة ولوس أنجلوس وتستغرق 17 ساعة تقريباً!

...والآن، هل أخبركم سراً ليس له علاقة بالطائرات؟

كثيراً ما أجلس أمام الكمبيوتر لكتابة فكرة معينة، ثم أجدني قد انحرفت إلى فكرة مختلفة تماما.. فهذا المقال مثلا لم يكن الهدف منه الحديث عن الأرقام القياسية للطائرات التجارية، بل عن تقديم نصائح وإرشادات خاصة بالرحلات الطويلة - والخيارات الضئيلة التي تملكها في إنبوب معدني طويل، فوق كرسي صغير، وصفوف مكتظة بأشخاص لا تعرفهم!؟

...أعدكم بالكتابة عن هذا الموضوع قبل الإجازة القادمة...

أنشتاين اليهودي


خلقنا الله بأفكار ورؤى وتوجهات مختلفة - كثيرا ما تتقاطع وتتصادم حتى بين الأخوة والأصدقاء.. لهذا السبب تعود الكتاب والإعلاميون سماع آراء متناقضة، وردود فعل مختلفة - ينتظم أغلبها تحت خانة "مؤيد" أو "معارض".

غير أن هناك مساقا مختلفا (عن التأييد والمعارضة) يتخذ من المغالطات أسلوبا، ومن التحجر منهجا بحيث تحتار فعلا في كيفية التعامل معه:

فهناك مثلا من يترك الحمار ويمسك بالبردعة (وهذا بالمناسبة مثل مصري).

وهناك من ينظر الى الإصبع حين تشير أنت إلى القمر (وهذا مثل إيطالي).

وهناك من يعاني أصلا من قصر نظر فلا يرى سوى كلمة أو كلمتين يختطفهما من سياق الفكرة (بطريقة ويل للمصلين).

أما الأسوأ من الجميع فهو من يملك بصرا قويا ولكن عيناً ساخطة لا يرضيها شيء (وعين السخط لا تبدي المساوئ فقط؛ بل تختلقها عند اللزوم).

وهذا ما حدث لي بعد نشر مقال "أنشتاين الحكيم" حين اعترض البعض منذ البداية على كلمة "حكيم" - وكأن الحكمة فضيلة خاصة بنا دون بقية البشر!!

كما انتقد البعض ما رآه تبجيلا في رجل "يهودي" رغم أن اليهودية ديانة وليست تهمة - ورغم أن أنشتاين نفسه كان يحتقر اليهودية ويعتبرها ديانة عنصرية!!

.. وحتى الآن لم يكن هناك ما يستحق الكتابة عنه كونها من التداعيات المتوقعة لأي مقال.. الجديد فعلا (والذي من أجله كتبت هذا المقال) هو أن يتصل بي من يصف نفسه بالشيخ الدكتور ليلقي علي محاضرة في الولاء والبراء ويتهم (شنتناين) بأنه غير معروف بالعلم الشرعي وليس له ذكر بين علماء المسلمين..!!

حاولت التعقيب على كلامه ولكنه كان يصدني دائما بجملة "لم أكمل كلامي بعد" حتى قررت التوقف نهائيا عن فكرة الحوار معه بعد قوله: "غير معروف بالعلم الشرعي"!!!

لم أملك حتى فرصة إخباره أن أنشتاين ليس ابن عمي ولا تهمني آراؤه الشخصية ولا أشغل نفسي بالدفاع عنه.. وسواء أحببنا الرجل أم كرهناه لا يقلل هذا من إنتاجه العلمي ولا من القيمة المعنوية لأقواله الحكيمة (خصوصا قوله: العلم شيءٌ نزيه حتى يعتاش منه أحدهم).

وبصراحة.. مجرد حديثنا في أمر كهذا دليل ليس فقط على تحديقنا بالإصبع، بل وعجزنا الأزلي عن التفريق بين "الرسالة" و"حامل الرسالة".

على أي حال؛ بما أن أنشتاين لا يمت لي بصلة أشير الى أنه في شبابه كان يؤيد الصهيونية كفكرة تجمع الشتات اليهودي.. غير أنه كان يعارض قيام دولة يهودية على حساب اضطهاد شعب موجود أو أرض مغتصبة.. وليس أدل على ذلك من الرسالة التي بعثها الى وايزمان عام 1920 محذرا فيها من تجاهل المشكلة العربية ونصح الصهاينة بأن لايعتمدوا في بقائهم على الانجليز وأن يتعاونوا مع العرب ويعقدوا معهم مواثيق شرف.

كما نبه في رسالة أخرى إلى الخطر الكامن وراء الهجرة الصهيونية وحذر بأن شعورا بالظلم والقهر سيتشكل لدى الأجيال الجديدة من العرب والمسلمين.

وفي عام 1946، مَثل أمام اللجنة الأنجلو - أمريكية وأعرب عن عدم رضاه عن فكرة الدولة اليهودية وقال "كنت ضد هذه الفكرة دائماً".

وفي أبريل سنة 1948 أعلن تأييده للحاخام يهودا ماجنيس الذي كان يروج لفكرة إقامة دولة (عربية - يهودية) لا تميز بين مواطنيها على أساس الديانة أو القومية..

وحين قامت الدولة الصهيونية بالفعل رفض تولي منصب (أول رئيس لدولة إسرائيل) ورد على خطاب الدعوة بقوله: "لا يشرفني رئاسة دولة تقوم على العنصرية والفصل الديني المقيت"!

.. ورغم كل هذا؛

ليس المهم رأينا في أنشتاين ذاته، بل مبدأ التفريق بين الرسالة وحامل الرسالة.. بين الفكرة وجنسية المفكر.. بين مصدر الحكمة وحقيقة أنها "ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أحق بها".

وفي جميع الأحوال:

"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"..

أضرار الوظيفة الحكومية.. (أكشن ثاني مرة)


لنبدأ السيناريو بهذه الطريقة:

لديك خياران لتحصيل رزقك في الحياة..

الأول بدخل منخفض وأمان مرتفع (كأن تعمل في وظيفة حكومية).

والثاني بدخل مرتفع وأمان منخفض (كأن تستثمر في الأسهم والعملات).

معظم الناس لدينا تفضل الخيار الأول بسبب ميزة الأمان الوظيفي التي توفرها الوظائف الحكومية رغم اعتراف الجميع بأن الراتب لا يكفي..

وبطبيعة الحال يوجد موظفون حكوميون في جميع الدول، ولكن نسب التوظيف ذاتها تتفاوت بين دولة وأخرى لدرجة لا تزيد نسبة الموظفين الحكوميين في بعض الدول عن 15% (كاليابان وكوريا وألمانيا) في حين تنخفض بنسبة أكبر في تايوان وسنغافورة وهونج كونج (بل وتعاني الأخيرة من عزوف الناس عن العمل في الحكومة التي لا توظف سوى 2% من القوى العاملة فقط)!!

أما في السعودية فالوضع يعد خطيراً بلا مبالغة حيث هناك عزوف واضح عن الأعمال الحرة والقطاع الخاص، وإقبال كثيف وغير صحي على الوظائف الحكومية.. أكبر نسبة تتواجد لدينا في وزارة التعليم (أكثرمن98%) وأقل نسبة في الصناعات الكيميائية والغذائية حيث لا يشكل السعوديون سوى 1% من القوى العاملة...

وأنا شخصياً أرى أن السبب الأول هو سبب ثقافي وتربوي حيث ينشأ الطفل لدينا على ضرورة نيل "شهادة نظرية" ليحصل بها على "وظيفة حكومية" (وهذه وصفة للفقر شرحها بشكل رائع روبرت كيوساكي في كتابه الجميل: أب غني وأب فقير)!!

صحيح أن هناك عقبات وبيروقراطيات ومحسوبيات تقف حجر عثرة أمام المشاريع الصغيرة، ولكن يظل السبب الأول وجود توجه ذهني مسبق يقضي ب(انتظار الوظيفة) في حين نحتاج إلى مفهوم ذهني جديد يعتمد على (خلق الوظيفة)..

وهذا الخلل في اختيار وسيلة الرزق يعد طارئاً على مجتمعنا ولم يتبلور إلا خلال فترة الطفرة الأولى.. فجيل الآباء والأجداد لم يكونوا يعرفون البطالة ولا تجد بينهم عاطلاً عن العمل (رغم عدم وجود وظائف حكومية وقتها) لأنهم نشأوا حينها على مفهوم العمل بأنفسهم وليس العمل لدى الغير...

أذكر أن شاباً اتصل بي شاكياً من بطالة استمرت لسنوات.. وحين سألته عن تخصصه أجاب: حاسب آلي.. فقلت: ربما لم يكتب لك الله رزقاً في هذا المجال.. قال: ولكنه تخصصي الذي تعبت في دراسته.. قلت: صحيح ولكن لماذا لا تستغل تخصصك في إنشاء مشروع خاص (فصديقي علي الحازمي متخصص بدوره في الحاسب الآلي وأنشأ صحيفة سبق الإلكترونية).. قال: لا أعرف كيف؟.. قلت: وهل تعرف لماذا لا يعاني أشقاؤنا الحضارم من البطالة؟.. فقال مستغرباً: أخبرني أنت.. قلت: لأنهم يتمتعون بذهنية مرنة تبحث عن رحابة المهنة لا ضيق التخصص، عن خلق فرصة العمل لا انتظار قدومها (وخلال هذه المحادثة التلفونية تبلور في رأسي مقال: من يعرف حضرمياً عاطلا عن العمل)!!

أيها السادة:

ليس لديّ أدنى شك بأن الوظائف الحكومية لها نتائج ضارة وغير مباشرة على الفرد والمجتمع (مثل رفع نسبة البطالة، وقتل الأفكار الرائدة، والحد من المشاريع الصغيرة، وتضخم ميزانية الرواتب على حساب المشاريع الخدمية).. وهذه جميعها تداعيات سلبية وغير مباشرة فصلتها في مقال نشرته قبل فترة بسيطة يحمل عنواناً مشابهاً.. "أضرار الوظيفة الحكومية على الفرد والمجتمع"...

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...