الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

السعودية والصين


الصين دولة لا يمكن تجاهلها في أي معادلة دولية، كما أن السعودية دولة لا يمكن تجاهل وزنها العربي والإسلامي وثقلها النفطي والاقتصادي.. أما العلاقة بين الشعبين فتعود إلى أكثر من ألفي عام - بحيث يمكن القول إن علاقة الركود التي سادت في الحقبة الماركسية كانت حالة طارئة في تاريخ الطرفين.. فتجار الجزيرة العربية وصلوا إلى بكين منذ آلاف السنين (وكانوا يدعونها خان بالق) وكانوا يستوردون منها الحرير والنحاس والورق وكان وجودها واضحاً في أذهانهم على الدوام بدليل (أطلبوا العلم ولو في الصين).

والمدهش أن العلاقة بين الدولتين تطورت بسرعة كبيرة خلال الثلاثين عاماً الماضية - خصوصا بعد تحرر الصين نفسها من سطوة الإيدلوجية الماركسية.. فبعد أن كانت العلاقات شبه معدومة حتى عهد الملك فهد بدأت تتلحلح مع شراء السعودية صواريخ رياح الشرق (التي عُدت ضربة استخباراتية فاجأت العالم) ووصلت اليوم لمستوى أصبحت فيه الصين الشريك الاقتصادي الأول للسعودية، والسعودية إلى أحد مصادر الطاقة المهمة والمأمونة للصين.

لهذا السبب لم يكن مستغربا أن تكون الصين ذاتها ضمن محطات التوقف الرئيسية للأمير سلمان خلال جولته الأخيرة في القارة الآسيوية.. لم يكن مستغرباً توقيع اتفاقيات ذات وجوه متعددة شملت الجانب العسكري الاقتصادي والتجاري - ناهيك عن تعميق الروابط الإسلامية التي تمثلت في استقبال رؤساء وعمداء الجاليات والأقليات المسلمة هناك..

أيضا هناك الجانب السياسي الذي - رغم العلاقات الهادئة التي تتميز بها علاقات البلدين - سيحظى بدوره بمزيد من القوة والزخم بعد هذه الزيارة.. ولأن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة يتوقع أن يكون لزيارة الأمير سلمان دور في حلحلة الموقف الصيني من الأزمة السورية الراهنة (الذي حسب المصادر الصينية لا يقف ضد الشعب السوري بل ضد التدخل الغربي في سورية).

أيضا هناك رسالة مهمة توجهها السعودية للعالم من خلال زيارة الأمير سلمان للصين - ودول الشرق الآسيوي عموماً.. رسالة مفادها أن السعودية دولة غير مستقطبة من أي جانب أو محور عالمي.. فالسعودية كما أنها شريك تجاري وعسكري مهم لأمريكا وأوربا والدول الغربية، هي أيضاً شريك مهم للصين والباكستان واليابان والدول الشرقية.. وحتى حين تبدو لأنظار المراقبين مياله إلى جانب معين؛ فإنها في الحقيقة تراعي مصالحها السياسية والاقتصادية في المقام الأول.. وكونها عززت من روابطها الاقتصادية (خلال آخر ثلاثة عقود) مع الدول الكبرى في الشرق، فلأن هذه الدول ببساطة أصبحت مستورداً رئيسياً للمنتجات النفطية، وفي نفس الوقت مُصدراً أساسياً للصناعات التقنية والعسكرية - في وقت بدأت فيه أمريكا تخفف من استيراد النفط الخارجي بفضل نفطها الصخري، وفي وقت أصبحت فيه الدول الغربية تشتكي من منافسة وتفوق الصناعات الآسيوية.

وبين الجميع تقف السعودية معتمدة على مبدأ التوازن في سياساتها الاقتصادية واحتفاظها بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف الدولية.. فموقعها الجغرافي، واستقرارها السياسي، وثقلها العربي، ومخزونها النفطي يجعلها دولة عصية على الاستقطاب ومتوازنة في علاقتها مع الجميع.. وليس أدل على هذا من أن زيارة الأمير سلمان الأخيرة شملت الهند كما شملت الباكستان، وشملت الصين كما شملت اليابان، وطافت بدول الشرق الآسيوي في الوقت الذي تستعد فيه لاستقبال الرئيس الأمريكي بعد أيام قليلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...