السبت، 21 سبتمبر 2019

البرازيل وجه العالم في المستقبل


البرازيل لا تختلف عن دول أمريكا الجنوبية بلغتها البرتغالية فقط، بل وبوجود تدرجات لونية وعرقية لم ألاحظها في أي دولة أخرى.. فحين تجولت في أمريكا اللاتينية (عام2013) شعرت أنني أتجول في ايطاليا وأسبانيا وجنوب أوروبا.. لاحظت أن وجوة الناس في الأرجنتين والأورجواي وتشيلي - وبنسبة أقل في البارجواي وبوليفيا - لا تختلف كثيرا عمن رأيتهم في برشلونة ومدريد وجنوب أسبانيا (خصوصا أن الجميع يتحدث لغة المستعمر الأسباني)..

ولكن؛ حين وصلت للبرازيل في نهاية رحلتي بدت لي مختلفة من نواحي كثيرة.. فبالإضافة إلى اللغة البرتغالية وموسيقى السامبا وعفوية الناس، يأتي أهلها بجميع الأطياف العرقية والتدرجات اللونية التي يمكن تصورها..

بدت لي مختلفة عن جارتها الأرجنتين باختلاف منتخب البرازيل الذي تجد فيه كل الألوان (باستثناء الأشقر) في حين لا ترى غير هذا اللون الأخير في منتخب الأرجنتين!!

فسكان البرازيل اختلطوا مرتين وثلاثا وأربعا (وبتقاطعات لا تختلف عن الأرقام الموجودة في شنطة سيمسونايت) لدرجة أصبحت البرازيل بحق صورة مصغرة لما ستكون عليه ألوان البشر بعد مائتي عام من الآن..

يصعب أن تنسب أهلها بشكل خالص إلى البرتغاليين (المستعمرين) أو الأوربيين (المهاجرين) أو الهنود الحمر (السكان الأصليين) أو الأفريقيين (الذين حُملوا من أفريقا وجزر الكاريبي).. فخلال الثلاثمائة عام الماضية امتزجت فيها جميع الأعراق بحيث أصبحت بطاقات الهوية البرازيلية تحمل أكثر من 200 تدرج لوني معترف به رسميا؛ فهناك مثلا البشرة السوداء، والبرونزية، والكراميل، والأبيض الفاتح، والأبيض الداكن، والخوخي، والبرتقالي، والبني الفاتح، والبني (شوكولاته).. الخ

وما يبدو لي أن البرازيليين أنفسهم يقعون في مشاكل حقيقية بسبب هذا الطيف الواسع من الألوان، فخلال وجودي هناك مثلا كانت المجلات تحمل صورة توأمين يشبهان بعضهما في كل شئ - حتى في لون البشرة؛ ومع هذا تم قبول الأول في الجامعة لأنه أسود (حيث يملك السود نسبة معينة في القبول) في حين رفض الثاني كونه ظهر (في الصورة) بلون الشوكولاته!!

.. ومن المعروف عالميا أن البشر يأتون بثلاثة ألوان رئيسية هي الأبيض والأصفر والأسود.. وهذه الألوان ظهرت خلال آلاف السنين من تبدل الملامح وتغير الألوان كي تناسب ظروف العيش في كل منطقة وقارة على حدة..

ولكن خلال الخمسمائة الأخيرة (وهي فترة قصيرة مقارنة بالأعمار الجيولوجية الطويلة) هاجرت أعداد هائلة من البشر لتستقر في غير أوطانها الأصلية..

هذه الهجرة السريعة تسببت في اختلاط الأعراق بنسبة لم تعرف في أي تاريخ سابق.. والمدهش أكثر أنه يكفي امتزاج ثلاثة أعراق فقط للخروج بتدرجات لونية وسلالات فرعية يصعب إحصائها (كأرقام شنطة ديبلوماسية)..

لهذا السبب تملك دول الهجرة الكبيرة كالبرازيل وأمريكا وجزر الكاريبي تدرجات لونية وسلالات فرعية تفوق ال200 للبرازيل و142 لأمريكا - بل وأصبح من الطبيعي أن تجد أربعة ألوان في البيت الواحد نتيجة تزاوج عرقين مختلفين أو انحدار الوالدين من جدين مختلطين!!

.. المهم؛

إن أردت رؤية العالم بعد مئتي عام من الآن فما عليك سوى زيارة البرازيل هذه الأيام.. وتحديدا شاطئ كوباكابانا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...