الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

ممنوع لسبب.. غير وجيه


المواطن السعودي يثير الفضول في الخارج لأسباب كثيرة..

يثير الفضول بطريقة لبسه وحديثه وصلاته والفكرة المسبقة التي يتبناها الناس عن بلاده.. أصبحت - من فرط التجربة والتكرار - أعرف أهم الأسئلة التي ستطرح علي في الخارج.. أسئلة تتعلق غالبا بالإسلام والديمقراطية والمرأة والحريات الشخصية.. يمكنني الإجابة عنها كلها بشكل بليغ ومنطقي (كوني مررت بها كثيرا) باستثناء سؤالين أو ثلاثة لا أعرف كيف أجيب عنها فعلا..

لا أعرف كونها غير منطقية فعلا فأجيب عنها بطريقة ضبابية أو مطاطية "ليس هناك سبب فنحن هكذا" أو "هذه من الخصوصيات التي يصعب عليك فهمها" أو "بصراحة أنا نفسي لا أفهم لماذا!؟"

أسئلة مثل: لماذا تمنعون المرأة من قيادة السيارة؟ أو لماذا لا تملكون دورا للسينما؟ أو هل صحيح أنكم تحرمون اللون الأحمر في عيد الحب (وكأننا اعترفنا به أصلا)؟

.. أسئلة كهذه يمكنني أنا وأنت التجادل حولها حتى الصبح (ماعندك مشكلة)؛ ولكن كيف تقنع شخصا أجنبيا بأن قيادة المرأة فيه خطر على حياتها أو أنه يفتح بابا لفسادها (فالأولى توحي بأنك تعيش في بلد مضطرب أو ينعدم فيه الأمان، والثانية توحي بأن نساءنا يجنحن للفساد بمجرد انطلاقهن بأي اتجاه، أو أن مستويات التستيرون لدى شبابنا وصلت حد الهجوم على أي امرأة تتجول وحدها)!!

حتى السؤال الثاني - الخاص بدور السينما - لا يمكنني الإجابة عنه، ليس فقط لأن السينما تسلية بريئة في نظر بقية الشعوب (خصوصا العلني والمفتوح منها) بل لأننا نعيش حالة نفاق واضحة حيالها كوننا أكبر مُنتج للبرامج التلفزيونية وأعظم مستهلك للأفلام المشفرة.. بشكل غير علني وغير مفتوح..

أما بخصوص عيد الحب فلا يسعني سوى القول إننا نعيش أعياد حب طوال العام (مع ماما وبابا وأخواتي وشريكة حياتي) وبالتالي لا نحتاج لتخصيص يوم له.. وأتجاهل مسألة الورد الأحمر تماما !!

.. الحقيقة (بلا مزاح) أنه حين يكون المانع جدليا أو غير عقلاني، يصبح الجواب فضفاضا وماكرا وغامضا بطريقة "هكذا نحن" أو "يصعب تفسير الأمر" أو "لن تفهم لأنك لم تعش في السعودية" !!

.. ومن التقنيات التي تساعدني - على تجاوز هذه النوع من الأسئلة - تنبيه السائل إلى أن العالم لا يخلو (مثلنا) من ممنوعات غير وجيهة ومحرمات لا تملك سببا مقنعا..

فإن كانت المسألة مسألة ورود وألوان وتقليعات أمريكان فلدي قائمة كبيرة بمحرمات عالمية يمكنني شغله بها:

فماليزيا مثلا تمنع لبس القمصان الصفراء كونها أصبحت علامة مميزة لبعض التنظيمات العمالية المناهضة لحكومة مهاتير السابقة..

والصين لا تحرم فقط تويتر والفيسبوك بل ومنعت بيع الياسمين في شوارعها (خوفا من تأثر شعبها بثورة الياسمين في تونس)..

أما إيران فتحافظ على هويتها التقليدية بمنع قصات الشعر الأمريكية (ومايزال الحلاقون هناك يحاولون عد الطرق التي يحلق بها الأمريكان رؤوسهم)!

والخوف من ثقافة الأمريكان لا يقتصر على إيران؛ ففرنسا تحرم استخدام الكاتشب في كافتريات المدارس، وبوليفيا أغلقت كافة مطاعم ميكدانولد، وروسيا تمنع مراهقيها من ارتداء ملابس الروك!

حتى الدنمرك بلد الحريات (والتفليت) تملك قائمة محدودة بالفرق الغنائية التي يسمح لها بدخول البلد كل عام (ومن حسن الحظ لم يسألني أحد إن كنا نملك تنظيما مشابها في السعودية)!

.. كل هذا يثبت أننا لسنا بدعا من القوم، وأنه من حقنا تحريم ما نريد، ومنع ما نريد لأسباب ليست وجيهة بالضرورة!!

.. أقول قولي هذا وأنا أخشى أن يسألني أحدهم ذات يوم: هل صحيح أنكم تحرمون تحليل دماء الخادمات غير المسلمات في المدينة المنورة بالذات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...