الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

لنختلف دون ضغينة


اختلاف الآراء أمر طبيعي ومتوقع في أي مجتمع..

أمر طبيعي ومتوقع حتى بين الأشقاء وأفراد العائلة وأي صديقين يجلسان في مقهى..

المهم هو ألا تتحول خلافاتنا إلى عداء وكراهية، أو اختلافاتنا إلى أعمال عنف وتنكيل..

لا يجب أن يحدث ذلك؛ لأن رغبتنا في التعبير أمر طبيعي ومحتم ويكاد يصل لمستوى الغريزة - التي يصعب حتى على صاحبها التحكم بها.. وبناء عليه يصبح من الحماقة محاولة أي طرف منعها أو احتواءها أو ادعاء "عدم وجودها"..

صحيح أنه يمكنك تكميم بعض الأفواه لفترة قصيرة، ولكنك لا تستطيع تكميم كافة الأفواه لفترة طويلة.. يمكنك إغلاق صحيفة أو صحيفتين ولكنك لا تستطيع إغلاق المجالس الخاصة ووسائل الإعلام المفتوحة..

ولأن التعبير عن الرأي فعل محتم وواقع بديهي تعلمت المجتمعات الناضجة أهمية التعايش السلمي مع تداعياته.. علمها التاريخ أن منح حرية التعبير أفضل بكثير من ظهور محاكم تفتيش فكرية، أو سيطرة تيارات أحادية، أو ظهور سلطة دكتاتورية.. وحين تتأمل عالم اليوم تلاحظ أن المجتمعات التي تتمتع بحرية التعبير (كبريطانيا وفرنسا وكندا) تتمتع أيضاً بنعمة الاستقرار والتعايش السلمي، بل وتنعم فيها الأقليات المسلمة بالأمن والأمان بعكس الدول التي ماتزال تستعين بالمطرقة والسندان (كبورما وفيتنام وكوريا الشمالية)..

ومن هنا نفهم سر الاهتمام الكبير، وبعد النظر، الذي أبداه القادة العظام تجاه حرية التعبير والدور الذي تلعبه في بناء وتقويم المجتمعات.. خذ كمثال قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها".. وقوله لحذيفة (حين قال له: والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك): "الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقوموني إذا اعوججت"..

أما في أوربا فلم تنقشع عصور الظلام إلا بعد اقتناع الجميع بأهمية التعبير دون ضغط أو محاولة تأثير، لدرجة قال الفيلسوف الفرنسي فولتير: "قد أختلف معك في كل كلمة تقولها ولكنني سأدافع عن حقك في التعبير حتى الموت"..

أما في أمريكا فأدرك جورج واشنطن أن حق البشر في التعبير هو ما يميزهم عن البهائم فقال لأبناء شعبه: "إذا سلبنا حرية التعبير فلن نختلف عن الدواب البكماء التي تقاد إلى المسلخ"...

وكنت قد كتبت مقالاً قلت فيه إن الحرب العالمية الثانية بدأت حين غزت ألمانيا جارتها بولندا.. وكي يضمن هتلر خنوع بولندا وعدم قيام معارضة فيها قتل كافة المفكرين والمثقفين والكتاب، في حين أبقى على القساوسة والساسة ورجال الأعمال.. كان يرى ببساطة أن المجموعة الأولى هي الرأس المفكر في كل بلد والمسؤولة عن تنوير المجتمع وكشف الحقائق للجمهور، في حين يمكن شراء ذمم البقية بالمال والمناصب وعضوية الحزب النازي.. وبالفعل أثبتت هذه الإستراتيجية نجاحها حيث كانت بولندا - مقارنة ببقية الدول التي غزتها ألمانيا- الأكثر خنوعاً واستسلاماً وأقيمت فيها أكثر المعسكرات فظاعة (أبرزها أوشفيتز وماجداناك التي تذكر الجميع بخطورة سيطرة أي رأي وحيد)!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...