السبت، 21 سبتمبر 2019

بخصوص مترو الرياض


الرياض مدينة لا يمكنها الاستمرار بدون مشروع نقل عام ضخم وفعال.. الازدحام فيها وصل إلى حد الاختناق والإضرار بالمصالح وإضاعة أوقات الناس.. أصبح سكانها يعزفون عن الانتقال الى أطرافها البعيدة لقناعتهم بأن زمن الرحلة يستغرق وقتاً أطول وأكثر أهمية من الحاجة نفسها.

وكنت شخصياً قد كتبت أكثر من مرة في هذا الموضوع - كان آخرها مقالاً بعنوان مملكة السيارات - قلت فيه بأننا استوردنا بين عامي 2009 و2013 أكثر من 4 ملايين سيارة (ربعها تقريباً) صب في شوارع الرياض.. وفي ظل عدم وجود بدائل أخرى أصبح الازدحام أمراً طبيعياً ومحتماً - خصوصاً في ظل وجود مليون عائلة تملك كل منها ثلاث وأربع سيارات تقريباً.

وفي المقابل وجود نظام للنقل العام هو مايجعل مدناً أكبر من الرياض (كطوكيو وساوباولو وشنغاهاي) تتمتع بحركة مرورية أكثر منها سهولة وانسيابية.. والمسألة ليست صعبة رياضياً كون الباص يُلغي 40 سيارة، والمترو ينقل مليون راكب في اليوم!!

ولا أخفي عليكم عطفاً على تجربتنا الفاشلة من شركة النقل الجماعي كنت أخشى أن يمر أي مشروع جديد بنفس حالة التراجع والتراخي، لولا وجود مؤشرات تبشر بالخير بخصوص مشروع النقل الجديد:

فالمشروع أولاً يحضى بمتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين..

كما يحمل ثانياً اسم المؤسس الملك عبد العزيز.

ورصدت له ثالثاً ميزانيات مقطوعة وعقود تم توقيعها فعلاً من شركات عالمية..

أضف لهذا أنه يأتي في مقدمة أوليات صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر أمير منطقة الرياض الذي وجه بعقد لقاء مع الإعلاميين وكتاب الرأي لتعريفهم بالمخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض ومشروع النقل العام - وكان لي شرف حضوره يوم الأربعاء الماضي في مقر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.

وفي حين اعتمد المخطط الاستراتيجي الشامل على ماسيتم مستقبلاً (سوف، وسيتم) يأتي نظام النقل العام كتطبيق فعلي لأهم مخرجات هذا المخطط.. وما زادني سعادة أنني - وبحكم استعمالي لمرافق النقل العام في الخارج - كلما جال بخاطري سؤال وجدت إجابته قبل طرحه خلال اللقاء.

كنت أتساءل مثلاً إن كانت محطات القطار توفر مواقف للسيارات بحيث يمكن للمواطن ترك سيارته مثلاً عند نقطة معينة ثم إكمال الرحلة بالمترو؟.. وكان الجواب قبل طرحه "نعم".

كما تساءلت إن كانت الشبكة قادرة مستقبلاً على استيعاب المزيد من العربات والمركبات على ذات الخط؟.. فكان الجواب "نعم" حيث ستبدأ ب202 عربة قابلة للزيادة إلى 338 في حين تبدأ طاقة المشروع بمليون راكب قابلة للزيادة مستقبلاً إلى 3,6 مليون.

الشئ الوحيد الذي لم أرتح إليه هو أن عدد القطارات والحافلات مايزال أقل من الكثافة العمالية ناهيك عن المواطنين أنفسهم.. أيضا هناك سؤال لا يمكن لأحد أن يجيب عليه هو مدى إقبالنا نحن ورغبتنا في استعمال وسائل النقل العام.. ففي آخر مقال قلت إن أكثر شعبين يستعملان القطارات في العالم هما اليابانيون والسويسريون - رغم أن اليابانيين يصنعون سيارات العالم، والسويسريين يمكنهم شراء سيارتين وثلاثاً لكل مواطن.. ولكن استعمال وسائل النقل العام في المجتمعات المتقدمة تحول إلى ثقافة ووسيلة لتقليل الهدر المالي والكربوني واختصار الوقت والجهد (ناهيك عن تلافي مشاكل الازدحام وقلة المواقف وارتفاع الوقود من جهة أخرى)!!

وأنا شخصياً متفائل بتبلور هذه الثقافة لدينا بشكل تدريجي.. متفائل لأنه سيوفر لنسائنا وأطفالنا وطلابنا وسيلة نقل آمنة بعيدة عن الحوادث والمضايقات وأقل كلفة من استقدام السائق أو استعمال التاكسي.. متفائل لأن النقل العام يستقطب بوجه خاص العمال والزوار وأصحاب المداخيل المحدودة وبالتالي يخفف تلقائياً من نسبة تدفق السيارات في الشوارع!!

.. الأمر لم يعد حلماً ولا رسوماً ثلاثية، بل قراراً سيادياً، وإتلافاً عالمياً، وجهوداً تعمل في الشارع.. وما أتمناه فعلاً أن يخرج المشروع (بعد انتهائه) من معطف الدولة ويتم تشغيله كمشروع تجاري يحقق أرباحاً توجه لاحقاً لصيانته وتطويره باستمرار.

وبدون شك نجاحه في أكبر مدينة سعودية يحفز على نجاحه تالياً في جميع المدن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...