الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

كيف تسبق الحقيقة الخيال!؟


ثلاث فئات تحاول إخبار الناس بالمستقبل:

الخبراء، والدجالون... وبقية الناس..

وحين تخرج النبوءة من أحدهم يصبح لدينا ثلاثة احتمالات:

إما أن تكون النبوءة خاطئة، أو صحيحة، أو تسبق قدرتنا على التخيل!!

ففي عام 1894 مثلاً تنبأ رئيس الجمعية الملكية للعلوم اللورد كالفن بأن البث الراديوي لن يكون له مستقبل كون الناس تفضل تبادل الأحاديث مباشرة.. ولكن بعد ثلاث سنوات فقط افتتح في انجلترا أول مصنع لإنتاج أجهزة الراديو وكان الناس يشترونها قبل وصولها لمحلات التجزئة في حين فاق عدد محطات البث اليوم ال33000 (وهذا مجرد مثال لنبوءة خاطئة جداً).

وفي المقابل كثيراً ما نؤجل إدراكنا للحقائق الصحيحة، لمجرد وجود حقيقة خاطئة تتمتع بمنطق مخادع للحواس.. فمن السهل مثلاً أن تقنع الناس بأن الأرض مسطحة بدل أن تكون كروية (لأن تسطحها أقرب للعقل والمنطق)..

ومن السهل أيضا إقناعهم أن الأرض ثابتة بدل أن تكون متحركة (لأن الاحتمال الأول يتفق مع إحساسهم بثباتها)..

وكان العالم الإغريقي فيثاغورس قد أكد قبل2600 عام أن الأرض مكورة ولكنه فشل في إقناع أحد.. وبعد وفاته بثلاث مئة عام أشار اريثتاركوس إلى أن الأرض تدور حول الشمس فلم يصدقه أيضا أحد.. ولكن حين ادعى بوتليمي في القرن الثاني بعد الميلاد أن الأرض ثابتة وأن الكون يدور حول الأرض صدقه الجميع طوال ال1400عام التالية (لأن كلامه كان أقرب للمنطق ويتفق مع إحساسهم بذلك)!!

... وأحياناً تكون توقعات الخبراء مبنية على منطق سليم؛ ولكن من قال إن المنطق ذاته ثابت أو عصي على التغير!؟

ففي مطلع القرن العشرين تنبأ خبراء الصناعة في ديترويت (معقل صناعة السيارات في أمريكا) أن العالم لن يستوعب مستقبلاً أكثر من 4 ملايين سيارة لصعوبة وجود متخصصين في قيادة آلة معقدة كهذه.. غير ان هذه النبوءة أصبحت خاطئة (جداً جداً) كون قيادة السيارة تحولت إلى ثقافة شعبية في كافة الدول ولم تعد بحاجة الى متخصصين لقيادتها (كطائرات الهليكوبتر مثلاً)!

... وكثيراً ما نفترض أموراً خاطئة لأننا ببساطة لم نأخذ بالحسبان حاجة الناس إلى فترة زمنية طويلة للتأقلم معها.. فحين كنت طفلاً صغيراً دخل التلفون إلى منزلنا لأول مرة.. لم نعرف حينها كيف نستعمله أو نعرف أحداً غيرنا يستخدمه فوضعته والدتي فوق الدولاب لفترة طويلة حتى بدأنا نتصل على خالتي ثم بعض الجيران وبالتدريج بدأنا ندرك أهميته.. وهذه المفارقة حدثت أيضاً في أمريكا وبريطانيا في أول 15 عاماً من إنتاج الهاتف (بل إن البرلمان البريطاني رفضه رفضاً قاطعاً بحجة أن لديه ما يكفي من فتيان المراسلة)!!

... وتاريخ العلوم بالذات يمتلئ بمثل هذه التوقعات الخاطئة(جداً جداً) رغم أنها بدت منطقية في زمانها (جداً جداً)..

والدرس الذي نتعلمه اليوم هو ضرورة تقبلنا للأفكار الجديدة برحابة صدر وتسامح (مهما بدت غريبة أو شاذة أو مستحيلة) .. فرغم أنها قد تبدو كذلك بمعاييرنا الحالية إلا أنها في المستقبل لا تصبح فقط معتادة ومقبولة بل وتساهم في تغيير حياتنا نحن كي نتواءم معها (وخذ كمثال الكهرباء والسيارة والهاتف وكيف غيرت حياتنا بشكل جذري)!!

باختصار شديد:

تتفوق الحقيقة على الخيال؛ لأن معظمنا يتمتع برؤية قاصرة لاترى أكثر من خطوة للأمام، في حين تتشعب الأفكار بطريقة هندسية (وتتضاعف بطريقة حسابية) تفوق كافة توقعاتنا البشرية!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...