الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

500 دونم فوق سطح القمر


إسرائيل لم تحتل فلسطين فقط، بل لم تكف يوماً عن تغيير معالم الأرض لخدمة ادعاءاتها التاريخية..

لم تتوقف يوماً عن طمس المواقع الإسلامية، وإخفاء القرى الفلسطينية، وإعادة تسمية المواقع العربية - بل وإعطاء الخرائب الجديدة أسماء عبرية توحي بأنها ذات تاريخ عريق يسبق التواجد العربي...

وقرية "عين الحوض" على سفح جبل الكرمل مجرد نموذج لآلاف القرى الفلسطينية التي إما طمست معالمها تماماً أو (إن كانت ملائمة للاستيطان) يُغير فيها كل شيء بحيث تلبس ثيابا عبرية..

وبعد حرب 1948 طرد كامل سكان عين الحوض وحضرت الجرافات لطمس معالمها.. غير أن أزقتها الجميلة وموقعها الساحر وتربتها الخصبة أجلت القرار بشأنها لعدة أيام.. وفي النهاية اقترح فنان يهودي من رومانيا (يدعى مارسيل جانكو) تحويلها الى مجتمع خاص بالفنانين اليهود فتم تكليفه بمهمة منحها هوية عبرية جديدة.. وهكذا تحولت القرية من "عين حوض" الى "عين هود" ونقشت أسماء الشوارع بالعبرية على جدرانها الصخرية.. وسرعان ما أصبحت مقصدا للفنانين ثم مركزا للمتنزهين الذين يأتون بسياراتهم من تل أبيب ليقضوا أياماً جميلة في بيوتها الصخرية على سفح جبل الكرمل..

وقبل فترة بسيطة شاهدت فيلما وثائقيا بعنوان (500 دونم فوق سطح القمر) من إخراج إسرائيلية تدعى راشيل ليا جونز يتحدث عن حقيقة هذه القرية.. فحين هاجرت من أمريكا وهي طفلة صغيرة تعلقت بشكل كبير بقرية الفنانين (عين هود) وكانت تظنها قرية عبرية عريقة بسبب بيوتها الصخرية ونقوشها العبرية ومعالمها اليهودية.. لم تكتشف أنها قرية فلسطينية إلا حين كبرت وقابلت عجوزاً فلسطينية أخبرتها بالحقيقة وأشارت بأصبعها الى منزلها قبل انتزاعه منها.. صدمت راشيل لدرجة تابعت البحث وقررت إنتاج فيلم وثائقي عن القرية الفلسطينية وسكانها الأصليين.. وتقول عن نفسها: لم أفهم إلا في سن الثامنة والعشرين لماذا تضم القرية يهوداً مهاجرين حديثاً من جنسيات عالمية مختلفة في حين يعود عمر القرية نفسها الى 700 عام!!

.. الفيلم التسجيلي قوبل بمعارضة شديدة في إسرائيل ولكنه عرض في عام 2002 في بريطانيا ضمن المهرجان السينمائي الثالث عشر الذي أقامته المنظمة العالمية لحقوق الإنسان العالمية.. ويتضمن الفيلم مقابلات مع من تبقى من أهالي القرية وأحفادهم بمخيم اللاجئين بجنين في الضفة الغربية.. وكانت معظم الأسر قد هجّرت قسراً الى خارج حدود 1948 غير أن أسرة (أبوحلمي) عادت لاحقا وأسست قرية جديدة بنفس الاسم القديم (عين حوض) في مكان أعلى من الجبل بحيث تطل على "عين هود" كشبح من الماضي البعيد..

تقول راشيل بكل شجاعة:

الناس في إسرائيل يختارون طواعية نسيان الحقيقة حتى حين يتجولون في شوارع القرى والبلدات الفلسطينية.. عندما تنشأ في إسرائيل ترى الخرائب في كل مكان فيخبروك وأنت طفل بأنها آثار عبرية ضاربة في القدم في حين أنها فلسطينية كانت تنبض بالحياة حتى 30 أو 40 عاماً مضت!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...