الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

أنشتاين اليهودي


خلقنا الله بأفكار ورؤى وتوجهات مختلفة - كثيرا ما تتقاطع وتتصادم حتى بين الأخوة والأصدقاء.. لهذا السبب تعود الكتاب والإعلاميون سماع آراء متناقضة، وردود فعل مختلفة - ينتظم أغلبها تحت خانة "مؤيد" أو "معارض".

غير أن هناك مساقا مختلفا (عن التأييد والمعارضة) يتخذ من المغالطات أسلوبا، ومن التحجر منهجا بحيث تحتار فعلا في كيفية التعامل معه:

فهناك مثلا من يترك الحمار ويمسك بالبردعة (وهذا بالمناسبة مثل مصري).

وهناك من ينظر الى الإصبع حين تشير أنت إلى القمر (وهذا مثل إيطالي).

وهناك من يعاني أصلا من قصر نظر فلا يرى سوى كلمة أو كلمتين يختطفهما من سياق الفكرة (بطريقة ويل للمصلين).

أما الأسوأ من الجميع فهو من يملك بصرا قويا ولكن عيناً ساخطة لا يرضيها شيء (وعين السخط لا تبدي المساوئ فقط؛ بل تختلقها عند اللزوم).

وهذا ما حدث لي بعد نشر مقال "أنشتاين الحكيم" حين اعترض البعض منذ البداية على كلمة "حكيم" - وكأن الحكمة فضيلة خاصة بنا دون بقية البشر!!

كما انتقد البعض ما رآه تبجيلا في رجل "يهودي" رغم أن اليهودية ديانة وليست تهمة - ورغم أن أنشتاين نفسه كان يحتقر اليهودية ويعتبرها ديانة عنصرية!!

.. وحتى الآن لم يكن هناك ما يستحق الكتابة عنه كونها من التداعيات المتوقعة لأي مقال.. الجديد فعلا (والذي من أجله كتبت هذا المقال) هو أن يتصل بي من يصف نفسه بالشيخ الدكتور ليلقي علي محاضرة في الولاء والبراء ويتهم (شنتناين) بأنه غير معروف بالعلم الشرعي وليس له ذكر بين علماء المسلمين..!!

حاولت التعقيب على كلامه ولكنه كان يصدني دائما بجملة "لم أكمل كلامي بعد" حتى قررت التوقف نهائيا عن فكرة الحوار معه بعد قوله: "غير معروف بالعلم الشرعي"!!!

لم أملك حتى فرصة إخباره أن أنشتاين ليس ابن عمي ولا تهمني آراؤه الشخصية ولا أشغل نفسي بالدفاع عنه.. وسواء أحببنا الرجل أم كرهناه لا يقلل هذا من إنتاجه العلمي ولا من القيمة المعنوية لأقواله الحكيمة (خصوصا قوله: العلم شيءٌ نزيه حتى يعتاش منه أحدهم).

وبصراحة.. مجرد حديثنا في أمر كهذا دليل ليس فقط على تحديقنا بالإصبع، بل وعجزنا الأزلي عن التفريق بين "الرسالة" و"حامل الرسالة".

على أي حال؛ بما أن أنشتاين لا يمت لي بصلة أشير الى أنه في شبابه كان يؤيد الصهيونية كفكرة تجمع الشتات اليهودي.. غير أنه كان يعارض قيام دولة يهودية على حساب اضطهاد شعب موجود أو أرض مغتصبة.. وليس أدل على ذلك من الرسالة التي بعثها الى وايزمان عام 1920 محذرا فيها من تجاهل المشكلة العربية ونصح الصهاينة بأن لايعتمدوا في بقائهم على الانجليز وأن يتعاونوا مع العرب ويعقدوا معهم مواثيق شرف.

كما نبه في رسالة أخرى إلى الخطر الكامن وراء الهجرة الصهيونية وحذر بأن شعورا بالظلم والقهر سيتشكل لدى الأجيال الجديدة من العرب والمسلمين.

وفي عام 1946، مَثل أمام اللجنة الأنجلو - أمريكية وأعرب عن عدم رضاه عن فكرة الدولة اليهودية وقال "كنت ضد هذه الفكرة دائماً".

وفي أبريل سنة 1948 أعلن تأييده للحاخام يهودا ماجنيس الذي كان يروج لفكرة إقامة دولة (عربية - يهودية) لا تميز بين مواطنيها على أساس الديانة أو القومية..

وحين قامت الدولة الصهيونية بالفعل رفض تولي منصب (أول رئيس لدولة إسرائيل) ورد على خطاب الدعوة بقوله: "لا يشرفني رئاسة دولة تقوم على العنصرية والفصل الديني المقيت"!

.. ورغم كل هذا؛

ليس المهم رأينا في أنشتاين ذاته، بل مبدأ التفريق بين الرسالة وحامل الرسالة.. بين الفكرة وجنسية المفكر.. بين مصدر الحكمة وحقيقة أنها "ضالة المؤمن أنّا وجدها فهو أحق بها".

وفي جميع الأحوال:

"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...