الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

كل ممنوع مرغوب


المعادلة الموجودة في العنوان ليست فقط صحيحة بل ويمكن نسج جمل مماثلة لها.. خذ على سبيل المثال:

كل مستور مفضوح

وكل محجوب مكشوف

وكل محرم مُجرب

وكل غامض جذاب

وكل واحدة من هذه يمكنها أن تتضخم (وتحاك حولها المبالغات والأساطير) حتى يتم كشفها وتجربتها فينتهي اهتمامنا بها وتعود بسرعة الى حجمها الطبيعي!!

... ذات يوم قالت إحدى شقيقاتي مازحة:

لو كشفت جميع النساء وجوههن لما رغب الرجال بالنظر لمعظمهن.. أجبتها وهذا رأيي أيضا كون الشباب بالذات يتصورون أن جميع المنقبات "ملكات جمال" في حين أن9 من10 لا يلفتن الأنظار لو رأيتهن على الطبيعة!

وأنا هنا لا أنفي صفة الجمال عن المرأة السعودية (معاذ الله أن أكون من الجاحدين) بل أحاول لفت أنظاركم الى وجود آلية نفسية تجعل الانسان يتعلق ويبالغ في تصوراته حيال كل ممنوع ومحجوب وغامض ومجهول. فحين تقدم لطفل مجموعة من الحلويات (وتطلب منه اختيار واحدة فقط) سيترك الأنواع التي يعرفها إلى القطعة المجهولة التي تم تغليفها بعناية.. ولكن بمجرد فتحها وتذوق طعمها (وانتهاء فضوله حيالها) سيتركها جانبا ويلتقط قطعة معروفة سبق له تجربتها..

لهذا السبب لن تموت رغبتنا في التطلع واختلاس النظر.. ولن ينتهي هوسنا ومبالغتنا بالجنس الآخر.. إلا حين نتوقف عن القلق على وجهة المرأة ونغلق باب النقاش حول كشفه أو تغطيته (وهي آلية نفسية معروفة تذكرنا بقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: انتهى السحر في أوروبا بمجرد توقف الكنيسة عن مطاردة الساحرات)!

... على أي حال؛ لا تعتقد أنني أحاول إقناعك برأيي في النقاب أو الحجاب (فلو كنت أرغب بذلك لبدأت بزوجتي وشقيقاتي المنتقبات)..

ولا تعتقد أنني أحاول إقناعك بأن ما أتى عن الرسول الكريم (في كشف الوجه والكفين) مُقدم على أقوال الفقهاء الذين أفتوا لاحقا بتغطيته..

فموضوع النقاب مجرد مثال لتوضيح العلاقة بين آلية المنع والجذب في نفوس البشر.. مجرد أنموذج لحالات أخرى كثيرة (مبالغ فيها) لم تسلم منها حتى التقنيات الحديثة..

حالات بدأت بتحريم البرقية واللاسلكي بدعوى أنها من عمل الشيطان وطالت الراديو والتلفزيون بدعوى أنها تضاهي خلق الله.. حالات حرمت فيها الكاميرا والفيديو والشخصيات الكرتونية والدراجة الهوائية (حمار أبليس) قبل أن تتسلل بهدوء الى حياتنا ونكتشف متأخرا أنها ليست بالسوء الذي كنا نتصوره..

كلنا يتذكر كيف كانت الدشات وجوالات الكاميرا عدوة المتحفظين (وألفوا في أخطارها كتبًا لا تحصى) قبل أن تصبح سلعا عادية ارتقى المجتمع فوق سلبياتها المحتملة.. وما يجعل قيادة المرأة هذه الأيام قضية شائكة ليس العائق الشرعي (الذي أصبح ينفيه المزيد من المشايخ) بل مبالغتنا في الحديث عنها وتضخيمها إلى مستويات توحي بهلاك الأمة بعدها (في حين أن 90% من نسائنا لا يعرفن القيادة أصلا ولن ينزلن الى الشوارع حتى لو سُمح لهن بذلك)!!

أنا أول من يعترف أن لكل شيء في الدنيا وجة سلبي وآخر ايجابي.. ولكن المنع اعتمادا على الشاذ والمحتمل والنادر حدوثه هو مايخلق حالة فضول وهوس ورغبة دفينة في كسر الممنوع وتذوق المحرم.. المبالغة في التحريم (ناهيك عن تقييد المباح) هو ما يقسم المجتمع بين متطرف يؤمن بهلاك الأمة غدا، ومتحرر تعب من كل المحرمات فلم يعد يلقي بالاً لأحد!!

... المشكلة باختصار أن كل ممنوع ليس فقط مرغوبًا، بل ويتم تضخيمه لدرجة خلق رغبة مبطنة بكسره واقتحامه..

وقبل أن تغادر الى الصفحات الرياضية ياليت تبحث في النت عن مقال بعنوان "تظهر المخاطر بقدر إيماننا بوجودها"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...