السبت، 21 سبتمبر 2019

موسم مطاردة الجراد


قرأتُ قبل أيام أن أسراباً هائلة من الجراد غزت منطقة الباحة، وأن الأهالي (بدل أن يطالبوا الدولة بالقضاء عليها) طالبوا بعدم رشها بالمبيدات الحشرية استعدادا لأكلها.. وحتى موعد قراءتي لهذا الخبر كنت أظن أن أخوالي في القصيم فقط هم من يأكل الجراد - بل ويتفننون في طبخه وتخزينه للأشهر العجاف.

وحين بحثت في هذا الموضوع اتضح أن لنا تاريخا طويلا مع الجراد بدليل ما جاء في صحيح البخاري "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستاً كنا نأكل معه الجراد".

وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية لحديث ابن عمر" أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال" ولم يشترط تذكيته غير المالكية (واختلفوا في صفة ذلك فقيل بقطع رأسه وقيل إن وقع في قدر أو نار حل).

ويقال إن اسم الجراد مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده من أطرافه - الأمر الذي يتسبب كل عام في خسارة محاصيل هائلة في المناطق التي يمر بها..

على أي حال؛ طالما لا تعافه النفس؛ وطالما كانت بلادنا جرداء أصلاً، فلا يمكننا فقط أكل الجراد بل وتصنيعه وتصديره في معلبات (كما يفعل التايلنديون مع حشرات كثيرة من بينها الصراصير)..

وكنت في الحقيقة قد سبق وكتبت مقالا قلت فيه إن الحشرات عموما تعد مصدرا غذائيا أساسيا ومعتادا.. فمعظمها يحتوي على نسبة عالية من البروتين (تتراوح بين 40 إلى 90%) الأمر الذي يجعلها مفضلة في 113 بلدا حول العالم.. ففي الهند مثلا يأكل المزارعون الدبابير والديدان التي تستوطن أراضيهم.

وفي تايلند تباع الخنافس والصراصير والذباب المجفف ب"الكيلو"، وفي المكسيك توجد مطاعم (تدعى دونشون) تقدم أطباقا قوامها يرقات البعوض (التي تقدم كفطيرة هشة)، وفي الصين رأيت بأم عيني عقارب مشوية وصراصير مقلية ودودا مجففا تؤكل ك"سناك"!!

.. وما حرضني حينها على كتابة المقال (وكان بعنوان العالم يأكل الحشرات) دخولي أسواقاً شعبية في بكين تبيع الحشرات المجففة في براميل ضخمة - وكيف كان المارة يمدون أيديهم لتذوقها كما نتذوق نحن الفستق والكاجو والفول السوداني..

وأذكر حينها أنني تساءلت عن سر تفاوت الأمم في أكل طعام دون آخر، أو الإقبال على طعام يعد مستهجناً لدى الآخرين..؟

.. الإجابة ليست سهلة؛ ولكن إن تجاوزنا النصوص الدينية لا يبقى لدينا غير عادات اجتماعية وخلفيات تاريخية وظروف معيشية ترتبط بكل مجتمع على حدة.. ودليل ذلك ما جاء عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى اليه الرسول يريد ان يأكل منه فقالوا يارسول الله هو ضب فرفع يده عنه؛ فقلت: أحرام هو يارسول الله!؟ قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فقال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله ينظر.

أنا شخصياً لا أستطيع أكل الجراد كونه غير شائع في أرض قومي، ولا أعرف أحدا من أهلي يأكله.. حتى خالي الصقعبي - رحمه الله - علمني أكل الكلاوي والكبدة نية (على غير عادة أهل المدينة)، ولكنه نسي تعليمي أكل الجراد..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...