الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

هل يرتبط فعل الخير بالتدين؟


كتبتُ هذا المقال بعد نشر مقال بعنوان "أثرى فقيرين في العالم" تحدثت فيه عن صورة التقطتها بنفسي لمحمد يونس مبتكر فكرة بنوك الفقراء، ورئيس الأروغواي خوزيه موخيكا أفقر رئيس دولة في العالم (وهذا الأخير لا يملك منزلا ولا حسابا بنكيا ولا سيارة لائقة، ومع هذا يتبرع بتسعين بالمئة من راتبه لفقراء بلاده)!!

.. وبعد نشره عاتبني أحد القراء على مدح رئيس الأروغواي كونه رجلا ملحدا ونسي أنني مدحت أيضا محمد يونس المسلم.. وما جعلني أكتب هذا المقال أنني سمعت تعليقا مماثلا حين نشرت الصورة ذاتها في أنستجرام - حيث استغرب البعض أن يفعل موخيكا ذلك (وهو رجل غير مسلم)!!

وحينها برزت في رأسي الأسئلة التالية:

هل يجب أن يكون الانسان متدينا كي يكون محسنا ومحبا للخير؟

هل الإيمان وحده دليل على الصلاح وحب الفقراء والمساكين؟

هل سيتوقف الناس عن فعل الخير حين لا ينتسبون لأي دين؟

الحقيقة التي لا يريد أن يسمعها البعض هي (لا)..

فمن الخطأ ربط فعل الخير ب(أي دين) كون ذلك يطعن في دين من يقول (نعم)..

من الخطأ فعل ذلك لأنه (لو كان الارتباط بينهما حتميا) لما رأينا أعمال خير في مجتمعات تعتنق ديانات مختلفة وتؤمن بآلهة متعددة - وبعضها لا يؤمن بشيء أصلا.. وليس أدل على انتفاء هذه العلاقة من أن فعل الخير كان موجودا لدى العرب في الجاهلية؛ وحين أتى الإسلام أقر الحسن منها وشجع على استمراره - كعتق الرقاب ورفادة الحاج وعابري السبيل..

ولأن الخير والإحسان (فطرة إنسانية) لا يمكن إنكارهما أيضا لدى المتدينين ولا دخولهما ضمن تعاليم الدين.. غير أن هذا بالضبط ما يجعلهما واضحين بشكل أقوى لدى (غير المتدينين) كون فعلهم لا يرتبط بثواب أو عقاب..

وحين يفعل الخير أشخاص غير متدينين - مثل معظم الموجودين في قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم - يصبح هذا بذاته دليلا على فطرية الخير ووجوده في أعماق البشر منذ وجدوا على سطح الأرض وقبل ظهور الأديان ذاتها!!

.. المفاجأة التي لا يتوقعها أحد أن أعظم المحسنين في تاريخنا الحديث لا ينتسب معظمهم الى أي دين..

افعل كما فعلت أنا - قبل كتابة هذا المقال - وضع في محرك جوجل الجملتين التاليتين:

أعظم الواهبين في العالم The World’s Biggest Givers

أو أعظم المحسنين في التاريخ The biggest charity people in history

ستكتشف عدم وجود اسم عربي أو إسلامي واحد !!

وحين تستعرض القائمة التي تصدرها سنويا مجلة فوربس لأعظم المحسنين الأحياء (ممن تبرعوا بأكثر من بليون دولار حول العالم) تكتشف أن ثلاثة أرباعهم يحملون الجنسية الأمريكية وثلثهم ملحدون أو غير متدينين أصلا!!

.. والمدهش أكثر أن بيل غيتس (الذي يأتي في أول القائمة) أقنع وارن بافيت (ثاني أغنى رجل في أمريكا) بالتبرع بنصف ثروته بعد وفاته.. أما الخطوة التالية فكانت اشتراكهما في تأسيس منظمة تدعى Giving Pledge أخذت على عاتقها إقناع بليونيرات أمريكا بالتبرع بنصف ثرواتهم خلال حياتهم أو بعد وفاتهم - ونجحت حتى الآن في أخذ تعهد رسمي بذلك من 81 بليونيرا!!

.. أخشى أيها السادة أن العكس هو الصحيح؛ فقمة النفاق أن تظهر بمظهر الزاهد القنوع، وترفع يديك أمام الناس داعيا الله أن يحييك مسكيناً، ويميتك مسكيناً، ويحشرك في زمرة المساكين؛ في حين لم تكفّ يوما عن جمع الملايين!!

.. (أقسم بالله) لو أخرج البعض فقط الزكاة المفروضة، لما رأيت فقيراً في هذا البلد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...