الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

ضعف البصر لدى أبنائنا هل هو ظاهرة تكيف جديدة؟


في مقال "هل تختفي النظارات مستقبلا" أشرت الى إمكانية اختفاء النظارات قريبا بفضل عمليات تصحيح البصر بالليزر.. ولكنني أشرت أيضا الى أن اختفاء النظارات لا يعني اختفاء العلة ذاتها كون ضعف البصر ظاهرة حديثة نسبيا ووباء ابتليت بهما معظم المجتمعات المعاصرة.. وأشرت حينها الى أن "قصر النظر" كان في الماضي حالة مرضية نادرة قد لا يصاب بها سوى شخص من كل ألف. أما اليوم فتحول الى وباء عالمي يعاني منه نصف الشعوب الآسيوية وثلث الشعوب الأوروبية والأمريكية وانتقل في جنوب شرق آسيا الى مرحلة الشيوع والتسيد لدرجة نادرا ما ترى شابا (لا يلبس نظارة)!!

وحين تصل المشكلة لهذا المستوى يصبح من الضروري التساؤل إن كانت هذه الظاهرة مجرد محاولة للتكيف مع متغيرات الحياة الحديثة وأسلوب عيشنا المغلق في المدن .. وما يرجح هذا الرأي أن النمو السريع لدول شرق آسيا ترافق مع إصابة 80% من شبابها بضعف البصر في حين يكفي أن تنظر لعائلتك وأقربائك لتدرك النسبة الكبيرة لصغار السن الذين يلبسون نظارات طبية هذه الأيام (ولم يحن الوقت بعد لاجرائهم عملية ليزك) !!

وهناك بطبيعة الحال فرضيات كثيرة حاولت تفسير هذه الظاهرة شبه الحديثة.. ومن آخر هذه الفرضيات فرضية جاءت من جامعة كولورادو وتحديدا من عالم بيولوجيا يدعى لورين كورداين يتهم النشويات والكربوهيدرات بإضعاف بصر الأجيال الحديثة. فحسب رأيه ان افراطنا في تناول النشويات والكربوهيدرات المكررة (كالخبز الأبيض والدقيق المصفى والكورن فليكس) تسبب زيادة السكر في الدم وبالتالي ارتفاع نسبة الأنسولين.. ومن المعروف أن زيادة السكر تؤثر في شبكية العين فتسبب مشاكل في الابصار كما يلاحظ لدى مرضى السكر في حين يتسبب الارتفاع الدائم في مستوى الانسولين (حتى لدى الانسان السليم) إلى استطالة كرة العين وبالتالي ضعف النظر ولبس النظارة !

وفي سبيله لتدعيم فرضيته يُذكرنا الدكتور كورداين بأن ضعف البصر ينتشر لدى البدناء اكثر من النحفاء، ولدى أهل المدن اكثر من الريف، ولدى الشعوب المرفهة اكثر من الفقيرة وهي فوارق تتوازى تماما مع اختلاف الطرفين في استهلاك الكربوهيدرات!!

أما الفرضية الأكثر شيوعا فهي التي تدعي أن "قصر البصر" هو فعلا محاولة للتكيف مع مستجدات الحياة العصرية وعيشنا في نطاق المدن المغلق ؛ فحياة المدن لا تسمح لنا بالنظر لمسافات بعيدة حيث تصطدم أبصارنا دائما بالحوائط والاجسام القريبة ما يجمد عضلات العين ويثبتها على الرؤيا القصيرة المحدودة.

وما يرجح هذه الفرضية أن آباءنا وأجدادنا لم يعانوا من هذا الداء كون العيش في القرى والأرياف يمنحهم فرصة النظر لمسافات بعيدة فقد أثبتت الدراسات ارتفاع عدد لابسي النظارات في الصين وتايلند وماليزيا بنسبة تساوي انتقال الناس من حياة الريف الى المدن.. أضف لهذا ان انتشار التعليم (وكثرة القراءة) ساهم في تحدب القرنية واستطالة الكرة الزجاجية و"تقسية" عدسة العين.. كما تسببت المشاهدة المستمرة للتلفزيون (والعمل على الكمبيوتر) في الحد من قدرة العضلات الخارجية على التجاوب مع الأبعاد المختلفة!!

.. والملاحظة بالذات تعيدنا الى أقدم فرضية في التاريخ..

فرضية جدتي وجدتك التي تتهم القراءة وشاشة التلفزيون بخطف بصر الأطفال !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...