الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

عن مستشفى المدينة دعونا نتحدث


نقص الأسرّة في المستشفيات الحكومية حالة تتكرر في مدن سعودية كثيرة.. والسبب الواضح هو تخلف وزارة الصحة عن مسايرة معدلات النمو السكاني واعتمادها على سياسة الحلول المسكنة وترحيل المشاريع للأعوام القادمة...

وهناك قصة حقيقية يرددها أهالي المدينة عن الدكتور غازي القصيبي حين قام (أثناء ترؤسه لوزارة الصحة) بجولة تفتيشية على مستشفيات المملكة.. وحين وصل الى مستشفى الولادة والأطفال بالمدينة المنورة بكى (بمعنى الكلمة) بسبب حالته المتردية.. فضيق المساحة وقلة الإمكانيات وضعف الصيانة جعلت المرضى يفترشون الممرات ويعتمدون على مرافقيهم في أعمال الرعاية والتمريض..

ومن كثرة ما شاهد وسمع دخل مكتباً قريباً وأجهش في البكاء. ولأنه أدرك أن الوضع لا يحتمل الانتظار (رغم أن المسئولين أخبروه أن هناك مستشفى جديداً سينتهي خلال سنتين) أمر باستئجار عمارة ضخمة من وزارة الأوقاف واتخاذها مقراً مؤقتاً لحين الانتهاء من بناء المستشفى الجديد...

غير أن أهالي المدينة - مثل مدن كثيرة - لم يروا طوال الثلاثة والعشرين عاماً التالية سوى أرض بيضاء ولوحة صدئة تشير إلى موقع المستشفى الجديد.. وفي غفلة من الزمن تحولت السنتان إلى (عقدين) استضافت خلالها "عمارة الأوقاف" مستشفى الولادة الرئيسي في منطقة تمتد شمالاً حتى تبوك، وجنوباً حتى ينبع، وشرقاً حتى حائل!!

وخلال هذه الفترة تضاعف عدد السكان بحيث أصبح واضحاً أن المستشفى الجديد (حتى قبل اكتماله عام 1427) لن يتسع لسكان المنطقة.. وليس أدل على هذا من أنه لا يتضمن سوى 500 سرير لسكان تجاوز عددهم المليونين (نصفهم تقريباً نساء في سن الإنجاب ومعظمهم أطفال تحت سن الخامسة عشرة)...

وفي حين صمم المستشفى الحالي قبل ثلاثة وعشرين عاماً لاستقبال خمسة آلاف ولادة سنوية يستقبل اليوم 14000 حالة (مقارنة ب6000 حالة فقط لمستشفى الشميسي أو مستشفى جدة الرئيسي)!!

ومقابل عدد الولادات الكبير لا يوجد فعليا سوى10 استشاريين (مقارنة ب25 استشاريا في ولادة جدة و19 في الشميسي)!!

وفي حين يبلغ الحد الأقصى للحضانة 80 سريرا، لا يقل عدد المتواجدين فيها اليوم عن120 طفلا يحتاجون لعناية خاصة.. ومقابل عدد المتواجدين في الحضانة لا يوجد سوى أربعة استشاريين (انتهى عقد أحدهم مؤخرا في حين سيتقاعد الثاني الشهر القادم)..

من أجل كل هذا أصبح الطاقم الطبي يتعامل مع جميع الأيام كحالة طارئة (الأمر الذي حمّل معظم الأطباء قضايا تقصير قسرية) ويصبح الوضع متأزما بالفعل في أوقات الذروة وأيام الشتاء ومواسم الزيارة!

... وما يفاقم من حجم الأزمة عدم وجود مستشفيات أخرى رديفة خاصة بالولادة والأطفال (كما هو الحال في جدة مثلاً) أو مستشفيات جامعية أو تخصصية أو عسكرية كبيرة (كما في الرياض مثلاً).. وفي المقابل تعد المدينة من أكبر مناطق المملكة (من حيث عدد القرى والبلدات) ومن أكثر المدن استقبالا للزوار الأجانب (مليوني زائر في العام) ناهيك عن أنها أكبر مدينة في شمال غرب السعودية (مما يعني أنها الأقرب لسكان تلك المناطق فيما يتعلق بتحويل الحالات الصعبة)..

وكل هذا ترتب عليه نتائج مؤسفة جرى التحقيق فيها ورفعها إلى وزارة الصحة أكثر من مرة (..)

.. وفي آخر أزمة من هذا النوع وافقت الوزارة (بتوجية من أمير المدينة فيصل بن سلمان) على الاقتراح المقدم بشراء المستشفى السعودي الألماني وضمه عاجلاً لوزارة الصحة - وورد الخبر حينها في صحيفة عكاظ بتاريخ 21/1/1434ه تحت عنوان: "شراء مستشفى خاص بالمدينة لتوفير أسرّة ب 250 مليوناً"..

غير أن سنة أخرى مضت ومازالت أزمة الأسرّة تشكل هاجساً حقيقياً لسكان المنطقة..

سنة أخرى تسربت خلالها الأخبار بأن وزارة الصحة اختلفت مع ملاك المستشفى على مبلغ الشراء - رغم أن فرق السعر لا يعد مشكلة لوزارة تنال دائماً حظاً وافراً من ميزانية الدولة!!

ورغم أنني لا أرى حلولاً جذرية في شراء المستشفيات الخاصة (خشية أن تتحول إلى عمارة أوقاف جديدة) إلا أن الوضع الحالي يحتم فعل ذلك كأسرع حل للأزمة..

وتخيلوا فقط لو أنه انتظر بناء المستشفى الجديد!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...