جميعنا مر بتجربة الأحلام التي تتحقق في وقت لاحق.. تلك الأحلام التي ننسى معظمها ما لم يقع شيء يذكرنا بها في اليوم التالي.. وهي تجربة عالمية لدرجة قد تسمع ذات القصة ولكن بتفاصيل مختلفة حول العالم.
أنا شخصياً أعـرف ثلاث قصص (من ثلاث ثقافات ومصادر مختلفة) تتضمن نفس التفاصيل والمغزى.. القصة الأولى موجودة في موسوعة «أساطير شعبية» للأستاذ عبدالكريم الجهيـمان تتحدث عن رجل من قرية ساجر رأى في المنام من يقول له اذهب إلى بغداد للعثور على كنز مدفون. وحين تكرر معه الحلم ترك عمله وبيته وذهب إلى بغداد وهو لا يعلم كيف سيجد الكنز، وحين تعب من المشي دخل أحد المساجد فرآه شيخ مسن فسأله عن حـاله فأخبره بقـصـة الحلم فضحك الشيخ وقال: يا ولدي لـو صدّق كل منا أحلامه لفعـل مثـلك وترك عمله وأسرته، أنا شخصياً رأيت قبل أيام حلماً يخبرني بوجود كنز تحت بيت رجل يدعى فلان ابن فلان (وذكر اسمه) في قرية تدعى سجر أو ساجر، ولكنني لم أعره انتباهاً.. ومـا إن سمع الرجل كلام الشيخ حتى أسرع إلى قريته وحـفر تحت بيته فوجد الكنز!!
.. شبيه لهذه القصة تعثر عليها أيضاً في كتاب ألف ليلة وليلة، ولكن عن تاجر مصري من عصر المماليك سمع شيخاً مسناً يخبره برؤية كنز تحت أرضية الغرفة التي ينام فيها التاجر منذ زواجه.
ولضيق المساحة سأقفز مباشرة إلى قصتنا الثالثة التي تتحدث عن مزارع إنجليزي يدعى تشابمان عاش في قرية سوافهام في القرن الخامس عشر.
فليلة بعد أخرى أخذ تشابمان بمن ينصحه بالتوجه إلى جسر لندن والانتظار هناك لأن رجلاً سيقابله ويدله على ثروة ضخمة يمكن أن يعود نفعها على جميع سكان القرية. وفي لحظة تهور قصد لندن قاطعاً 100 ميل في ثلاثة أيام ولم يخبر أحداً غير زوجته التي اعتقدت أنه على حافة الجنون.
وهناك - على جسر لندن - انتظر ثلاثة أيام لعله يعثر على من يدله على الثروة ولكن دون جدوى.. وكان جسـر لنـدن في ذلك الوقت عبـارة عن سوق ضيقة تعج بالدكاكين، لاحظ أحد الباعة ضيقه وطول انتظاره، وعندما همّ تشابمان بالعودة إلى قريته لحقه ذلك البائع وسأله عن حاجته.
وبعفوية الفلاح حكى له أمر الحلم الغريب، عندئذ انفجر الرجل ضاحكاً من سذاجته وقال له: «يا لك من أبله مسكين، لو اتبع كل إنسان ما تقوله الأحلام لأصبحنا جميعاً أثرياء»، ومن دون أن يسأله عن اسمه أو مكان إقامته أكمل قائلاً: «اسمع سأحكي لك قصة مشابهة حدثت لي شخصياً: منذ فترة بسيطة حلمت بمن يقول لي: إن في قرية سوافهام حديقة لمزارع يدعى تشبمن أو تشابمان، وإن في تلك الحديقة شجرة ضخمة، مدفون تحتها كميات كبيرة من السبائك الذهبية التي خلفها الجيش الروماني عند انسحابه من بريطانيا قبل قرون.. بالطبع أنا لست في مثل حماقتك إذ لم أعر هذا الحلم أي انتباه...»!!
وفي الحقيقة لا تذكر المصادر إن كان تشابمان قد وقف لسماع نهاية القصة؛ ولكن من المؤكد أنه سارع بالعودة إلى سوافهام وحفر تحت شجرة الكمثرى في حديقته، فأخرج جرة مليئة بالذهب والمجوهرات تصدق بها على الفقراء في قريته.. ومن يومها وتشابمان بطل محبوب ونموذج مشهود للكرم والجود.. ومن يزر قرية سوافهام اليوم يستمع لتلك القصة بنفس العناصر المذكورة في أول قصتين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق