الخميس، 19 مارس 2020

معاركنا ضد الفئران


لا تستهينوا بقدرة الفئران أبداً.. فهي ثاني أعظم عدو للإنسان «بعد بعوضة الملاريا»، وتسببت بأوبئة تاريخية عظيمة قضت على ملايين البشر «كان أسوأها الطاعون الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا والشرق الأوسط في القرن الرابع عشر».

وبالإضافة للأوبئة الخطيرة تأتي الفئران في المركز الأول من حيث التسبب بالخسائر الاقتصادية للإنسان.. في جاوة الغربية مايزال الفلاحون يطلبون ممن يخطب بناتهم تقديم 200 ذنب فــأر.. والهدف من هذه العادة الغريبة هو الحد من أعداد الفئران التي طالما أتلفت محاصيل الأرز.. وفي العام 1970 لجأت الصين لطريقة مشابهة لمكافحة التناسل الرهيب لجرذان المزارع، حيث أمرت كل مواطن بتقديم ما يثبت قتله لمئة جرذ على الأقـل قبل استلام راتبه للشهر القادم.

وفي مدينة كوتا باهرا في ماليزيا تقام مسابقة مشابهة للقبض على الفئران، فهذه المدينة الزراعية تعاني من تكاثر الفئران وتدميرها للمحاصيل «مثل معظم المناطق الآسيوية». ولمكافحتها ينظم مجلس المدينة مسابقة لاصطياد الفـئران مقابل رنجت واحد لـكل فأر ميت. وفي آخر مسابقة فاز المواطن إسماعيل حمزة بلقب صياد الفئران الأول في المدينة ونال جائزة قدرها 3756 رنجتاً!!

أما الصين فكثيراً ما استعانت بعدد سكانها الهائل للقضاء على الفئران والجراد والأفاعي والأرانب والذباب.. في زمن ماوتسي تونج مثلاً كان ملايين المواطنين يجبرون على الخروج لإنقاذ المحاصيل من الفئران والجرذان. وكانت هذه الحملات تحقق نجاحات خارقة ليس فقط بسبب كثرة المشاركين، بل لأن قتـل فأر واحد خلال موسم الحصاد يمنع ألف فأر من نسله..

غير أن الحملات الصينية تعد حديثة مقارنة بما يجري في الهند من آلاف السنين.. فحين تنتشر الفئران في الحقل ما على المزارع سوى استئجار أسرة من قبيلة الكارباتي للعيش في المزرعة لعدة أسابيع.. فأفراد هذه القبيلة «من طبقة المنبوذين» يتغذون أساساً على الفئران والجرذان، ويملكون مهارة كبيرة في مطاردتها والعثور عليها حتى تحت الأرض.

وبالإضافة لحملات التخلص من الفئران نظمت دول كثيرة حملات مشابهة للتخلص من الأفاعي والأرانب والغربان والجراد.. دول مثل كمبوديا وفيتنام أجازت بيع لحوم الكلاب في محلات الجزارة لتشجيع الجزارين على اصطياد الكلاب الضالة من الشوارع.. أما أستراليا فتنظم مسابقات سنوية لصيد الأرانب والثعالب، وتملك طائرات متخصصة في القضاء على الجمال السائبة «التي استوردتها من الأحساء قبل مئتي عام، وتكاثرت بلا ضابط في الصحراء الأسترالية»!!

ولكن - رغم تنوع الضحايا - تبقى الفئران الهدف الأول في آسيا.. فهي تأكل في الهند ما يكفي 60 مليون مواطن، وتشكل في الصين وبنغلاديش جيوشاً تدمر قرى بأكملها، وتسبب في فيتنام مجاعات قتلت أضعاف الغزو الأميركي - وهذا غير تسببها بأوبئة الطاعون التي قضت قديماً على ملايين البشر.. وفي حين يصعب الجزم بنجاح حملات إبادتها في الهـند ونيبال والتيبت «حيث يعتقد الناس أنها تحمل أرواح الأسلاف» نجحت بامتياز في الصين وبنغلاديش ودول الملايـو!

وحين أفكر «على ماذا قضينا نحن؟» لا أتذكر غير أشجار صحراوية قليلة، ومخلوقات بـريـة نادرة تخلصنا منها بلا هدف أو سبب واضح..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...