الاثنين، 5 أكتوبر 2020

امتلك وثيقة تأمين.. وقد بأمان


حوادث مفاجئة، أزمات غير متوقّعة، ظروف استثنائية تطرأ فجأة ومن دون سابق إنذار. تأتي لتلقي بحملها الثقيل على كاهل الأفراد، محدثةً إصابات جسدية وخسائر مادية واضطرابات نفسية يصعب عليهم تحمّلها بأنفسهم. من هنا، وللتخفيف من تداعياتها السلبية على المستويات كافة، ظهر في القرن الرابع عشر مفهوم التأمين، ليكون وسيلة لمواجهة المخاطر والتخفيف من وطأتها.

ومع مرور الوقت، تزايدت أهمية قطاع التأمين لكونه يحقق مبدأ التعاون بين مكونات المجتمع كافة، ويساعد في المحافظة على الثروات، ويساهم في تفادي خسائر محتملة تفوق قدرة الفرد والشركات على تحمّلها. كما أنه يساعد على الادخار، ويوفر الطمأنينة في نفوس الأفراد، ويؤدي بالتالي إلى رفع إنتاجيتهم وتحسين جودة حياتهم. هذا بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية المرتبطة بانعكاسه الإيجابي على كل القطاعات الإنتاجية والاستثمارية، حتى بتنا نعيش وفق مقولة "اقتصاد متطوّر يحتاج تأميناً متطوّراً". 

قبل ثلاثين عاماً، كنت في مطار دالاس حينما جلس بقربي شاب لطيف تجاذب معي أطراف الحديث. وحينما اقترب موعد صعودنا إلى الطائرة، قال فجأة: "أووووه نسيت المرور على الجهاز"، فاغتنمت الفرصة وقلت بدوري: "أووووه وأنا أيضاً".. وحينما وصلنا، سألني: "كم ستضع فيه؟"، فقلت "ماذا تقصد؟". قال: "خمسة أم عشرة أم عشرون دولاراً؟؟".. ولأنه كان يعتقد أننا ــ نحن السعوديين ــ نملك آبار نفط في منازلنا، اخترت مكرهاً "العشرين".. وعلى الفور أخرج لي الجهاز إيصالاً برقم الرحلة والمقعد وبوليصة تأمين على الحـياة بعشرين مـلـيــون دولار!!!

كان الجهاز ببساطة يبيع وثائق تأمين على الحياة تدفع تعويضاً لعائلة الراكب في حالة سقوط الطائرة، ولأن كوارث الطيران نادرة في أمريكا (حيث لا تسقط طائرة أو طائرتان كل عام) غدت الفكرة مربحة لشركات التأمين.

ليس فقط تأمين السفر مسألة أساسية في حياتنا، فالبعض ربما لم يضطر للسفر أصلاً. وهنا يمرّ في ذاكرتي عدد من القضايا التي سمعنا عنها أو عايشنا قسماً منها، حول تعويضات تمّ دفعها جرّاء حوادث أو أخطاء، لعلنا لم نتوقع أنها قد تحصل ولو لمرة في حياتنا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، دفعت شركة مختصّة بصناعة المستحضرات الطبية مبلغ 40 مليون دولار لسيدة و110 ملايين دولار لأخرى بعد إصابتهما بالسرطان نتيجة استخدامهما لمنتجاتها. وفي قضية أخرى، قضت محكمة أمريكية بتعويض امرأة مبلغ 209 ملايين دولار أمريكي، خُفّض فيما بعد إلى مليون دولار، بعدما انسكب عليها كوب قهوة ساخن اشترته من سلسلة مطاعم شهيرة تسبب لها في إصابات وحروق من الدرجة الثالثة، وذلك لأن الشركة لم تطبع علامة تحذير على كوب القهوة من سخونة المشروبات.

وفي قضية غريبة، قام عامل في أحد الفنادق الأمريكية بضرب نزيل في الفندق بالحذاء على وجهه، فلجأ الأخير إلى مقاضاة شركة الأحذية لعدم كتابة تحذير أن حذاءها قد يتسبّب بأضرار كبيرة إذا تم استعماله في ضرب أحدهم، فأجبرت الشركة على تعويضه بمبلغ 60 مليون دولار أمريكي.

جميع هذه الحوادث وتداعياتها تبرز أهمية التأمين وتعويضه المعنوي والمادي على الأطراف ذوي العلاقة، لكنها في الوقت عينه هي حوادث ظرفية غير قابلة للتكرار ربما أكثر من مرة في العمر. لكن ماذا عن الحوادث التي يمكن أن تتكرر كل عام، كل شهر، كل أسبوع، بل ربما كل يوم؟! هل نعي الآن أهمية التأمين على المركبات وضرورته مثلاً، والذي ربما أجزم أنه يأتي بموازاة التأمين الصحّي، إن لم يكن أهمّ في بعض الحالات؟ إن التأمين على المركبات برأيي، هو واجب وضرورة أكبر بكل المعايير، وبخاصة في بلد كالمملكة التي تعد، وللأسف، من أعلى دول العالم نسبةً في الحوادث المرورية. ذلك لأن احتمالية الحوادث المرورية والمخاطر الناجمة عنها أكبر، نظراً إلى الكم الهائل من المركبات على الطرقات واستخدامنا للمركبات بنحو شبه يومي، وأيضاً لأن خطورة حوادث المركبات لا تكمن في مجرد حصولها فقط، بل في نتائجها الأليمة سواء على صاحب المركبة أو على الغير. وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن الالتزام بثقافة التأمين عموماً، والحرص على أن تكون جزءاً من مسؤوليتنا الحياتية خصوصاً، تجنباً لأي طارئ هو المسالة المهمة بحد ذاتها.


والآن بـقي أن أسألك أنــت، بـأي العـقـليتين تتمتع؟! 

هل تدفع مثلاً عشرين دولاراً فقط مقابل 20 مليوناً يستلمها ورثتك في حالة سقوط الطائرة (وهو احتمال لا يتجاوز واحداً على 120 مليوناً!؟) أم تدفع مبلغاً بسيطاً للتأمين على مركبتك التي تقودها بشكل يومي؟ 

إن التأمين على المركبات وُضع ليكون ذا تكلفة زهيدة، أي أقلّ تكلفة، حتى لا يزيد الوطأة الاقتصادية على المؤمن، ولكنّه، في نفس الوقت، يحفظ حقوقه وحقوق غيره. وهذا بحد ذاته عنصر اطمئنان وأمان يعزز ثقتك في قيادة سليمة وأكثر سلامة. 

وأذكر أن منظمة الصحّة العالمية أصدرت تقريراً يشير إلى أن حوادث السير (وليس السرطان أو الإيدز أو أي مرض آخر) هي السبب الأول لوفيات صغار السن في العالم. فقد اتضح أن حوالي 400 ألف شخص دون سن الخامسة والعشرين يموتون سنوياً في حوادث سير، وأن الملايين يصابون بجروح أو إعاقات دائمة. 

وهذه المفارقة وحدها تثبت أهمية الثقافة المرورية والتوعية المستمرة في تخفيض عدد الوفيات والإعاقات في أي مجتمع، والتي يأتي في مقدّمها الالتزام بامتلاك وثيقة التأمين على المركبات حمايةً لنفسك ولغيرك.

وقد أشادت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها، بجهود المملكة في تعزيز السلامة المرورية بما يحقق المستهدفات العالمية في حفظ الأرواح والممتلكات. وبيّنت المنظمة في التقرير أن هناك انخفاضاً في أعداد وفيات حوادث الطرق بنسبة 35 في المائة، وانخفاضاً في معدل الوفيات لكل 100 ألف نسمة بنسبة 40 في المائة خلال الفترة من 2016 إلى 2018. كما لفت تقرير منظّمة الصحة العالمية إلى المنهجية التي تسير عليها المملكة في تحسين السلامة المرورية، وذلك من خلال برنامج التحوّل الوطني و«رؤية 2030». 

بالتأكيد، يعود هذا الأمر إلى الوعي والاهتمام والصرامة في تطبيق قواعد المرور. وبموازاة ذلك، يبرز الوعي والحث على امتلاك وثائق تأمين ضد الحوادث بمختلف أنواعها.. وثائق تأمين تحميك، وتحمي غيرك، وتعيد تأهيل مركبتك، وتعفيك من دفع فواتير الخدمات الطبية المرتفعة في حال احتجت إليها...

امتلك وثيقة تأمين... وقد بأمان..


References:

https://www.spa.gov.sa/2031163

https://www.albayan.ae/editors-choice/varity/2019-10-09-1.3669782

https://www.okaz.com.sa/news/local/2009174

https://aawsat.com/home/article/2124861/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%AF%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-52-%D9%88%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7




‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...