الخميس، 24 ديسمبر 2020

السبب الأول لفشل المشاريع

 السبب الأول لفشل المشاريع الناشئة

   قبل عامين كنت في رحلة من المدينة إلى الرياض. وقبل أن تقلع الطائرة حملت المضيفة "صينية" تضم كافة الصحف السعودية. عرضتها علي أولا فاعتذرت لانشغالي بتصفح تويتر. ثم عرضتها على الموجودين خلفي ولكن جميعهم اعتذروا مثلي.. تنبهت فجأة لما يحدث؛ فتركت الهاتف، والتفت أراقب المضيفة حتى مرت على كافة الركاب فـلم أر أحــدا يأخذ أي صحيفة.. بما فيهم أنا الذي يكتب فيها مقالا يوميا!!    

تأكدت حينها من حتمية اختفاء الصحف الورقية بسبب عزوف المشترين (وهجرهم) للسلعة.. لم يأخـذ أحــد أي صحيفة رغم أنهـا كانت

توزع مجانا (وهذا أولا) وأتـت بنفسها للمستهلك (وهذا ثانيا) خلال وقـت فــراغ طويـل (وهذا ثالثا) ومن مضيفة حسناء تملك ابتسامة جميلة (وإن ناسبك؛ اعتبر هذا رابعا)... 

أنا شخصيا كنت أعـتقد (قبل ذلك) أن توزيع الصحف مجانا هـو الحل الوحيد لإنقاذها.. كنت اعتقد أن الناس لاترفض أخذ شيء بالمجان الأمر الذي سيرفع معدلات توزيعها وبالتالي عـوائد الإعلانات فيها. غير أن عزوف الركاب عن أخذها (حتى بالمجـان) الغى الفكرة من رأسي، وأكد لي بأن صحفنا الورقية ستنهار لامحالة، وأنني سأستقيل قريبا من عملي فيها (وهذا ماحدث فعلا عام ٢٠١٩ حين استقلت من صحيفة الرياض)...

أدركت حينها فقط أن السبب الأول لإنهيار الأعمال التجارية هــو: عـدم حـاجة أو رغبة المستهلكين في السلعة...

في الكتاب الذي أعمل عليه حاليا أحصيت 19 سببا لإنهيار المشاريع الناشئة؛ من بينها عدم كفاية رأس المال(29%) وعدم اختيار فريق العمل المناسب(23%) وعــدم القدرة على المنافسة(19%) وارتفاع كلفة المنتج(18%)...غير أن السبب الأول يظل: عزوف الناس عن السلعة وعـدم حاجتهم إليها...

وضعته كأول سبب؛ لأنك حين تنتج سلعة لايريدها المستهلك، لن تنجح في بيعها مهما فعلت.. لن تنجح حتى لو وزعتها مجانا، أو أوصلتها لـباب الدار، أو صنعتها بإتقان.. أنــت شخصيا لن تشرب قهوة لاتحبها أو لاتريدها لمجرد أنها مجانية أو حضرت بطريقة احترافية أو قدمت بواسطة نادلة حسناء.. ستفشل حتى لـو أعلنت عنها، أو تفوقت في صنعها منافسيك، أو قدمتها في غلاف جذاب.. 

الخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع الجـديدة أنهم يقدمون منتجا (قــد يحبونه ويجيدون تحضيره) ولكن الناس؛ لا يريدونه، أو لم يحبوه بكل بساطة..

والخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع القـديمة أنهم (يستمرون) في تقديم منتج سـئم منه الناس، أو لم يعودوا يحتاجونه، أو ظهر ماهـو أفضل منه.. وهذا حال صحفنا الورقية...

القضية المهـمة؛ ليس أن تكون ماهرا في صنع المنتج بــل: هـل يرغب فيه المستهلك؟ أو يضيف إليه قـيمة جديدة؟ أو يفضله على المنتجات الشبيهة؟

تذكر دائما بأن القهوة التي لايحبها المستهلك (تظل في ابريق صاحبها) مهما اجـتهد في تحضيرها أو حاول تسويقها.. أو حتى وزعها مجانا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...