الخميس، 3 ديسمبر 2020

الجشع الحميد

 يوجد في العالم مال يكفي جميع الناس؛ لأن الناس ببساطة هـم من يوفرون المال.

فـالمال ترجمة لجهود البشر واحتياجاتهم، ويتكاثر بالتوازي مع تكاثرهم في أي مجتمع.
تـبـدأ عملية إيجاده حين نبذل (طاقـة) للعمل وتقديم خدمات يحتاج إليها المجتمع، خـذ كمثال العامل الذي يبني لك المنزل أو المزارع الذي يبيع محصوله في السوق، العامل يوفر المال من العدم لأن (جهده العضلي) يتحول إلى أجر مالي يتسلمه منك ـ ثم يدفعه لاحقا لصاحب البقالة أو المطعم، الذي ينفقها بدوره لشراء الملابس أو الأدوية.
أيضا؛ المزارع يوفر المال كونه يبيع منتجاته مقابل أوراق نقدية (أو أي مظهر آخر للمال) يستعملها لاحقا لتسديد شركة الكهرباء أو الماء ـ التي تدفع بدورها رواتب الموظفين وضرائب الدولة.
وكي تستمر حركة التداول بيسر وسهولة تراقب الدولة احتياج المجتمع للأوراق النقدية، فتطبع منها كميات إضافية تناسب نمو الأعمال الجديدة ـ وفي الأغلب ضمن ما يعرف بـعملية التيسير الكمي Quantitative Easing
وكل هـذا يعني أنه؛ كلما ارتفع عدد الناس ظهرت أموال جديدة تكفي جميع الناس ـ وبالتالي لا تصدق من يخبرك بأن ارتفاع عدد السكان يتسبب في فقر المجتمعات. لو كانت الأموال شحيحة بطبيعتها، لكانت الدول التي تضم ملايين البشر تعاني الفقر ونقص المال المستمر. ولكن الواقع يثبت أن المجتمعات الصناعية والمزدهرة، هي الأكثر ثراء بصرف النظر عن عدد سكانها، لاحظ مثلا كيف يتجاوز دخل المواطن الأمريكي 66000 دولار رغم أن عدد سكان أمريكا يتجاوز 331 مليون نسمة. وفي المقابل لا يتجاوز سكان جنوب السودان 13 مليون نسمة، ولكن دخل المواطن ينحدر إلى 244 دولارا ـ رغم تمتع البلد ذاته بثروات طبيعية هائلة،
ما يتسبب في فقر الناس هو الجهل أولا، وعـدم المساواة ثانيا، فالجهل بطرق استقطاب المال من أهم أسباب فقر الإنسان حتى في الدول الثرية ـ بدليل كثرة المشردين في شوارع أمريكا، أما عدم المساواة فـيتسبب في استقطاب (القلة العارفة) لأغلب الأموال التي يوفرها بقية الناس من العـدم.
يزداد الفقراء فقرا، ويزداد الأثرياء ثراء؛ لأن أغلب الناس يستعملون المال للاستهلاك في حين يستعمله الأثرياء للاستثمار وزيادة تدفقاتهم النقدية. يعرف الأثرياء أن هناك أموالا جديدة تتولد باستمرار فيصبح هاجسهم الأول: كيف أستحوذ عليهـا قبل غيري؟، ومجرد محاولتهم فعل ذلك تفتح عليهم أبواب الثراء ومضاعفة الدخل ـ في حين يتخلى عن نصيبه في "الكعكة" من يجهل وجودها أصلا.
لا يمكنك لوم الأثرياء على ثرائهم (إلا إن كنت شيوعيا تؤمن بالماركسية) ولكن يمكننا لومك على جهلك بطرق جمع المال (إلا إن كنت زاهدا تعيش في مغارة صحراوية)، ليس للمجتمع دخل في مستواك الاقتصادي، وتصبح الملوم وحدك على قلة دخلك في حال كنت جاهلا أو فاشلا أو لا تـتمتع بقدر مرتفع من الجشع الحميد.
وبالمناسبة (الجشع الحميد) مصطلح ابتكرته للتـو، ويعني حقك في جمع أكبر قـدر من المال، دون أن تخالف القانون، أو تهضم حقوق الآخرين، أو تـغبن الناس في أرزاقهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...