الخميس، 5 نوفمبر 2020

عباقرة التوحد

 رأيت قبل فترة برنامجا عن الأطفال المتوحدين تضمن طفلا يملك موهبة فنية خارقة لا يجاريها أي رسام معروف، والعجيب أكثر، أنه يملك ذاكرة خارقة تتيح له رسم أي تفاصيل معقدة "كالبرلمان البريطاني" من أول نظرة فقط. حين شاهدته تذكرت رساما عجيبا قابلته في جزيرة بـالي اتفقت معه على رسم ثلاث لوحات شخصية "بورتريه". اللوحة الأولى للملك سلمان، والثانية لأم كلثوم، والثالثة لشخصي المتواضع.

فتحـت جوالي ليشاهد الصور فــألقى عليها نظرة خاطفة اتفقنا بعدها على السعر وتسليم اللوحات بعد أسبوع.
سألته: هل لديك إيميل كي أبعث لك الصور من جوالي؟ تأخـر في الـرد ثم قال بكسل قـاتل، لا داعي لذلك.
لم أفهم، لأنـه يحتاج إلى الصور الفوتوغرافية كي يرسم اللوحات، لم أتصور قدرته على حفظ تفاصيل الوجوه من أول نظرة، فـقلت بتهديد مبطن، إن لم تتطابق اللوحات مع الصور الموجودة في الجوال لن آخـذها. هــز رأسه ولم يجب، فمضيت في طريقي وأنا متوجس من هـدوئه الغريب.
وحين عدت بعد أسبوع، وقبل دخولي مرسمه، وجدت اللوحات معروضه خارج الاستديو. أصبت بدهشة مضاعفة بسبب قوة ذاكرته وكمية التفاصيل الدقيقة في اللوحات ذاتها "وسأضعها اليوم في حسابي على تويتر ليراها الجميع".
ورغم غرابة هذه الحالة، إلا أنها معروفة لدى معظم المتوحدين ممن يتفوقون ويبرزون في مجال معين دون غـيره، فقد يعاني الطفل مثلا تأخرا ذهنيا "أو هكذا نعتقد" ولكنه يبرز في مجال الرسم أو الموسيقى أو الرياضيات أو الحسابات الخارقة. وفي حين يحتاج الإنسان العادي إلى أعوام من التمرين والممارسة لإتقان مهارة معقدة كـالعزف والرسم يتصرف هؤلاء الأطفال وكأنهم ولـدوا بهذه الموهبة وينفذوها بدقة مدهشة - في حين لا يأخذ منهم حـل المعادلات الرياضية أكثر من جزء من الثانية.
وهذه المواهب قد لا تكون مفهومة بشكل كامل للعلماء، ولكنها دليل على امتلاك أدمغتنا قدرات خفية وكامنة لا نعلم عنها شيئا ـ ولا نعلم لماذا لا يتمتع جميع الناس بها.
الجديد في الموضوع، اكتشاف أن كثيرا من المتوحدين لا يبدون من الخارج كـمتوحدين. اتضح أن كثيرا من العباقرة كانوا يعانون التوحد بنسبة خفيفة "وغير ملاحظة بالضرورة" بدليل عزلتهم، وهدوئهم، وانطوائهم على أنفسهم، وعزوفهم عن المناسبات العامة.
ولا أخفيكم، حـين أخــذت لوحاتي أدركت أنني قابلت للتــو واحدا منهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...