الخميس، 12 ديسمبر 2019

الخلاف والتجني


حين تقول رأياً أمام ثلاثة أشخاص (حتى وإن كانوا أشقاءك) قد يُفهم قولك بثلاثة طرق مختلفة، فكيف حين تنشر رأيك علنا في صحيفة توزع مئتي ألف نسخة ثم يتم إعادة نشره في آلاف المواقع الإلكترونية!!

عشرون عاماً من الكتابة اليومية أكدت لي هذه الحقيقة وجعلتني أكثر تقبلا للانتقاد، وأقل طرباً لكلمات الثناء والإطراء...

ولأنني أدرك أن اختلاف الآراء وارد، وأن الناس لا تُقيم الكاتب بحسب الأدلة والمصادر التي يوردها (بل بحسب ما ألفوه ونشأوا عليه) أحاول قبل إرسال أي مقال على توقع انتقادات الآخرين لي.. أعيد مراجعته وتعديله وأحذف وأستبدل كلمات لمجرد احتمال فهمها بطريقة خاطئة.. وحين ينشر المقال فعلاً أستعد نفسياً لسماع من يشيد به أو يعتبره أسوأ مقال قرأه حتى الآن!!

المشكلة التي أواجهها دائماً ليست مع من ينتقد أو يعبر عن رأيه، بل مع من يتهم ويتجني ويتعمد الإساءة أمام الآخرين.. سبق أن فاجأني أحدهم في مجلس كبير بقوله: يا أخ فهد سبق وأنكرت السنة النبوية في مقال.. وقبل أن يكمل كلامه قاطعته قائلا: مهلاً مهلاً هذا اتهام خطير يمكنني أن أرفع عليك بسببه قضية تكفير.. أرجو أن تتفضل باختيار كلماتك وتحديد سؤالك.. عاد وقال: سبق وكتبت مقالاً بعنوان لو كان البخاري بيننا أشرت فيه إلى عدم اقتناعك بصحة بعض الأحاديث النبوية؟.

وهنا أصبح الوضع مقبولاً بالنسبة لي فقلت: أخبرني أنت أولاً عن الشروط (التي وضعها علماء الأحاديث أنفسهم) للحكم على صحة أي حديث؟.. وكما توقعت لم يعرفها فسردتها أنا له وأخبرته أن من أهمها قاعدة تشدد على سلامة المتن وعدم شذوذه حتى وإن تأكدنا من صحة السند.. وفي ذلك المقال طالبت بإعادة إحياء هذا الشرط وتطبيقه على أحاديث كثيرة يتضمن متنها إما شذوذاً واضحاً أو خرافات لا تتفق مع الثوابت العلمية الحديثة (ولا يصح ذكرها على لسان نبينا الكريم) وبهذه الطريقة نكون بالفعل قد دافعنا عن ديننا ونزهناه مما لا يليق أو يعقل أو يقبله المنطق..!

وغني عن القول أن من أول شروط الانتقاد (بل وحتى الاتهام إن أردت) فهم الموضوع الذي تناقشه وتحكم على الآخرين من خلاله.. ولكن الملاحظ أن عموم الناس لا يهمها التفاصيل، ولا يشغلها البحث، ولا تقف عند الأدلة والنصوص، بل تردد فقط اتهامات مسبقة وظنوناً جاهزة وتحكم على الآخر من خلال "معنا أو ضدنا"..

علي أي حال؛ هذه ضريبة الكتابة والتعبير عن الرأي في الصحف ومواقع الإنترنت.. وما أتمناه فعلاً أن نقتنع جميعنا (بما في ذلك من يعبرون عن رأيهم علنا) أن اختلاف الرأي أمر متوقع وطبيعي جداً (حتى بين الأشقاء الثلاثة) أما الاتهام والتجني فإساءة يتحمل صاحبها مسؤوليتها أمام الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...