الاثنين، 9 ديسمبر 2019

«تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»


العنوان اسم لكتاب ألفه أبي بكر المرزبان المحولي البغدادي المتوفى عام 309ه.. وهو كتاب سوداوي يتأسف على انحطاط أخلاق الناس وكيف أن الكلاب أصبحت تفوقهم وفاء وكرم أخلاق.. وقد ضمنه قصصاً كثيرة عن وفاء الكلاب - وأبياتاً شعرية تؤكد ذهاب الأخلاق وانعدام الإخلاص والوفاء لدى الجيل الجديد (وهي الاسطوانة المشروخة التي نسمعها في كل زمان)!!!

ومما جاء في كتاب المرزبان قوله:

واعلم - أعزَّك الله - أن الكلب لِمن يقتنيه أشفق من الوالد على ولده والأخ على أخيه.. ذلك أنّه يَحرس سيده، ويحمي داره شاهداً وغائباً ونائماً ويقظانا، لا يقصِّرُ وإن جَفوه، ولا يخذُلهم وإن خذلوه.. روى عمر بن شعيب: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قتيلاً، فقال: ما شأن هذا قتيلاً، فقالوا: سرق غنم أبي زهرة فوثب عليه كلبُ الماشية فقتَلَه، فقال: قتل نفسَه وعصى ربه، وخان أخاه، وكان الكلب خيراً من هذا الغادر.. ورأى عمر بن الخطاب أعرابياً يسوقُ كلباً فقال: ما هذا، قال: هذا نِعم الصاحبُ إن أعطيته شَكَر وإن منعته صبر قال عمر: فاستمسِك به.. وقال الشعبي: خير خصلةٍ في الكلب أنّه لا ينافقُ في محبَّته ولا ينتقم من صاحبه، وقال ابن عباس: كلبٌ أمين خيرٌ من إنسانٍ خؤونٍ... وقال مالك بن دينار عن كلبه: هذا خير من جليسِ سوء.. وذكر الفضل بن يحيى أنه كان يِشربٍ وبين يديه كلبٌ فقيل له: أتنادِمُ كلباً، قال: وفِّي أمين يمنعني أذاهُ ويكفّ عني أذى سواهُ!!

والحقيقة هي أن جميع الشعوب تتفق على وفاء الكلاب وإخلاصها وتعتبرها أفضل صديق للإنسان.. وفي كل تراث لابد أن تجد قصصاً تؤكد وفاء هذا المخلوق (الذي دجنه الإنسان قبل عشرة آلاف عام) وتفوقه على أقارب وأصحاب تحكمهم نزوات ومصالح شخصية.

أما الأغرب من هذا فهو عدم تردد بعض الشعوب في تكريم الكلاب بصنع تماثيل ومقابر لها.. فضمن مقابر الجنود الذين قضوا في الحربين العالميتين توجد مقابر مخصصة لكلاب عسكرية مخلصة ووفيه ساهمت في إنقاذ أصحابها.. وحسب علمي يوجد حول العالم أكثر من سبع مئة تمثال لكلاب أثبتت وفاء وإخلاصاً يصعب نسيانه.. ومن أشهر هذه التماثيل (التي تصورت معها) تمثال لكلب يدعى هاتشيكو يقف خارج محطة شيبيويا في طوكيو.. وهو في الأصل كلب خاص ببروفيسور أعمى يدعى سابورو كان يربطه قرب المحطة قبل أن يركب القطار ثم يعود لأخذه بعد نهاية عمله.. غير أن البروفيسور توفي ذات يوم بنزيف دماغي في الجامعة فبقى الكلب ينتظره عند باب المحطة رافضاً مغادرة مكانه أو تناول الطعام من غيره حتى مات جوعاً!!

ومثل هذه القصص يوجد لها مثال في جميع البلدان وذكر مثلها المرزبان في كتابه مثل قوله:

كان للربيع بن بدر كلبٌ وفيّ فلّما مات ودُفن لم يبق عند قبره غير كلبه الذي جعل يضرب على قبره حتى مات.. وكان للعامر بن عنترة كلابُ صيد فلما مات تفرّق عنه الأهل والأقارب فيما لزمت الكلاب قبره حتى ماتت عنده.. وكان للأعمشِ كلبٌ يتبعه من بعيد يحرسه ويذود عنه فسأله الناس عن قصة هذا الكلب فقال: رأيتُ صبياناً يضربونه ففرقتهم عنه فشكر ذلك لي ثم رق لكبر سني فأصبح يتبعني ليحرسني من الناس!!

وفي الختام أيها السادة لا نحتاج للتذكير بأن عنوان المقال يبقى صالحاً حتى في هذا الزمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...