الخميس، 12 ديسمبر 2019

شخص بمكانين


جميعنا سمع بالمثل القائل "يخلق من الشبه أربعين".. غير أن دراسة من الصين أكدت أنه يخلق من الشبه الواحد هناك 1300 شخص (في حال تحدثنا عن تطابق الملامح بنسبة 100%) ويخلق من الشبه 18 مليون نسمة (في حال تحدثنا عن تطابق الملامح بنسبة 80%) ومن الشبه مليارين أمام عجزي أنا وأنت عن التفريق بشكل دقيق بين كافة الوجوه التي قد نراها في الصين!

ومعدلات مرتفعة كهذه تجعلني أتساءل عن نسبة الشبه التي توجد بين جميع البشر على كوكب الأرض وما إن كان شبهاء رؤساء أوباما وأردوغان وبوتين يتجاوزن في الدول الكبرى كالهند والبرازيل وألمانيا سكان دولة صغيرة كالفاتيكان وموناكو وسنغافورة!!

... ورغم أنني سبق وكتبت مقالاً عن توظيف شبهاء لرؤساء الدول لدواعٍ أمنية (وضربت مثلاً بأربع شبهاء للرئيس العراقي السابق صدام حسين)؛ قد يكون وجود الشبهاء بشكل عفوي هو التفسير المناسب لظاهرة القرين الفيزيائي أو الشبيه الطيفي؛ ففي هذه الظاهرة يُشاهد الشخص في مكانين اثنين في نفس الوقت. فقد يدعي احدهم مثلاً أنه شاهد "فلاناً" في حفل زفاف فيجيبه الآخر مستغربا "ياشيخ كان معانا طول الليل في المزرعة".. وفي الغالب يتراجع الطرف الأول بسرعة لأنه غير متأكد مما رأى فعلاً!!

وأنا بدوري لست متأكداً ما إن كان لظاهرة التشابه هذه علاقة بالقصص التي تتضمن رؤية نفس الشخص في مكانين أو حتى عدة أماكن التي تزخر بها ثقافات عالمية كثيرة.. خذ كمثال الباحث الإنجليزي فريدرك مايرز الذي جمع أكثر من 141 حادثة عالمية عن أشخاص شوهدوا في نفس الوقت في أماكن مختلفة ضمن حكايات تتجاوز حدود العقل والمنطق ولكنها مقبولة ومتوقعة في ثقافات أصحابها..

ففي التيبت مثلاً يدعي الناس أن للكاهن الأعظم القدرة على إرسال روحه إلى عدة معابد متفرقة حيث يراه الناس في تلك المعابد أثناء صلواتهم.

وفي الثقافة المسيحية ينظر لهذه الظاهرة كمعجزة ربانية أو خدعة من عمل الشيطان.. ففي أكثر من مناسبة ادعى أشخاص أنهم رأوا البابا في مناطقهم وقت الكوارث في حين لم يغادر روما أبداً.. وقيل نفس الشيء عن قديس ميلانو "سانت امبروس" والقديس رافينا "سانت سيفيريوس" وسكرتير الفاتيكان "بارديو بينو" في حوادث متفرقة.. وأقدم ادعاء موثق في الثقافة المسيحية يعود إلى عام 1774 حين شوهد القس "الفونسو - ديليجوري" بقرب البابا أثناء احتضاره رغم انه كان محتجزاً في فرنسا تحت حراسة الجيش الملكي!!

أما في تراثنا الإسلامي فهناك قصة مشهورة حدثت في معركة بدر حين تمثل إبليس للمشركين بهيئة سراقة بن مالك وكان من أشراف بني كنانة. وحينها وقف فيهم خطيباً ووعدهم بالمساندة ضد المسلمين وأخبرهم أن بني كنانة قادمون لنصرتهم. ولكن ما أن شاهد الملائكة تضرب أعناق الكفار حتى هرب وهو يقول (إني أرى مالا ترون).. ويحكي الرواة أن سراقة بن مالك (الحقيقي) حين زار مكة لاحقاً تشبث به أهلها وهم يصرخون: ياسراقة خرمت الصف وأوقعت فينا الهزيمة وهو يهرب منهم ويردد: والله ما علمت بأمركم حتى ظهرت هزيمتكم!!!

.. عند هذا الحد أفضل التمسك بالمثل الذي بدأنا به المقال: "يخلق من الشبه أربعين"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...