الخميس، 12 ديسمبر 2019

دوبونت وبوش


حين فكرتُ بالحديث عن أقوى العائلات في العالم لم أتصور أن يمتد الفكر الى ثلاثة أجزاء.. فرغم أنني وضعت لنفسي شرطين للاختيار فقط.. ورغم علمي بأن معظمها سيقتصر على عائلات يهودية (أميركية الجنسية أوروبية الأصل) ظلت مساحة الزاوية أقصر من أن تستوعب الجميع..

وكنت في آخر مقالين قد تحدثت عن النفوذ العالمي لثلاث عائلات هي روتشيلد ومورجان وروكفلر في حين سيقتصر مقال اليوم على عائلتين فقط..

العائلة الأولى هي دوبونت التي بدأ نفوذها عام 1802 حين أنشأ رينيه دوبونت مصنعا ضخما للبارود.. وخلال سنوات قليلة أصبحت المزود الرئيسي لذخيرة الجيش الأميركي، ثم تولت بالنيابة عن الحكومة الأميركية التفاوض مع نابليون لشراء ولاية لويزيانا من فرنسا.. وبحلول الحرب العالمية الأولى كانت مسؤولة عن صنع 40% من القنابل والذخيرة التي تستعملها الأطراف المتحاربة.. وخلال الحرب العالمية الثانية تحملت مسؤولية توفير مادة البلوتونيوم لإنتاج القنابل النووية الأميركية.. وهذه الأيام تمتلك عائلة دوبونت عددا كبيرا من البنوك والمصانع وتعد أكبر منتج للبذور الإستراتيجية في العالم (بل وتملك مشروع يوم القيامة الذي يخزن أفضل البذور الحية لإعادة نشرها بعد انتهاء أي كارثة نووية)!!

أما العائلة الثانية -في مقال اليوم- فمعروفة لمعظمنا تقريبا..

ففي عام 1895 ولد بريسكوت شيلدون بوش مؤسس عائلة بوش ذات التأثير السياسي القوي في أميركا. وفي عام 1933 حاول القيام بانقلاب سياسي على الرئيس روزفلت بدعم من روكفلر ومورجان ودوبونت (الذين كانوا يتخوفون من رفض روزفلت دخول الحرب العالمية الثانية وضياع فرصة تمويلها).. ولكن.. بفضل نفوذه السياسي نجا من فعلته واهتم بتنمية استثماراته في مجال النفط وإدارة بنك الاتحاد العمالي - ومازالت عائلته تملك استثمارات هائلة في شركات النفط والطاقة والأسلحة..

وبعد توليهما منصب الرئاسة في ولاية تكساس نجح جورج بوش (ابن بريسكوت بوش) وحفيده (دبليو بوش) في الوصول لمنصب الرئاسة واستغلال أزماتها الدولية لاحتلال افغانستان والعراق لصالح شركات النفط والأسلحة والتموين - وهذه الأيام يستعد الحفيد الثاني جيب بوش (حاكم ولاية فلوريدا) لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة!!

بقي أن أشير الى أن اختياري لجميع العائلات (في هذا المقال والمقالين السابقين) تم وفق شرطين أساسيين هما:

امتداد نفوذ العائلة الى خارج نطاق بلدها الأصلي وتأثيرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على العالم اجمع..

والثاني أن يكون هذا التأثير مستمرا وقائما حتى اليوم ولم يدخل بعد كتب التاريخ (ولهذا السبب لم أتحدث مثلا عن عائلة رومانوف في روسيا، أو هابسبيرج في النمسا، أو غاندي في الهند، أو حتى سلالة مينج في الصين)!!

.. وحين تتأمل مسيرة هذه العائلات القوية تلاحظ ثلاث حقائق أزلية:

الأولى حتمية وجودها في (كل مجتمع) وتحكّمها بشؤون الاقتصاد والسياسة وتأثيرها على حياة الناس رغم عددها الضئيل نسبيا..

والثانية: أن هذه العائلات أطول عمرا وأعمق تأثيرا من أي شخصية فردية (مهما بلغ ثراؤها ونفوذها)..

والثالثة: أن هذه العائلات مسؤولة عن تخريج معظم الأثرياء ورجال المال المعروفين في أي بلد - بدليل اشتراك أعداد كبيرة منهم ب"اسم العائلة" سواء في أميركا أو اليابان أو حتى في العالم العربي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...