الخميس، 12 ديسمبر 2019

عودة التيكانانا


علم الوراثة تطور إلى مستوى سمح بظهور ما يسمى بالهندسة الوراثية..

والهندسة الوراثية سمحت بظهور محاولات استنساخ ناجحة بدأت باستنساخ النعجة دوللي في يوليو1996 واستمرت باستنساخ أجنة بشرية يتم التخلص منها قبل أن تدب فيها الحياة (بحكم القانون)..

وفكرة الاستنساخ ذاتها ليست جديدة كونها استطرقت منذ وقت طويل في أساطير الشعوب وقصص المشعوذين وروايات الخيال العلمي.. ففي الهند مثلاً توجد أسطورة تيكانانا الشيطان الذي لا يمكن قتله لأنه يعود للتخلق من جديد من أي عضو في جسده.. وفي العصر الحديث هناك رواية "أطفال البرازيل" حيث تهرب مجموعة من العلماء النازيين إلى البرازيل بعد هزيمة ألمانيا في الحرب الثانية وتستنسخ هتلر من بقايا شعر يخصه!!

... على أي حال لنتذكر دائماً وجود فرق أساسي بين "الاستنساخ" و "التهجين"..

فالاستنساخ ينبثق من مخلوق موجود سلفاً ويحاكي جزئياً آلية التخصيب التي تجري في أرحام المخلوقات.. أما التهجين فيتم بين مخلوقين متقاربين (أو شبة متقاربين كالحصان والحمار) ولكنه يستحيل تماماً بين المخلوقات المختلفة في النوع بفضل "الحاجز الوراثي"..

أنا شخصياً مازالت أذكر ذلك الخبر (الاستثنائي) الذي أتى من المغرب عام 2002 حين تناقلت المجلات العلمية خبر ولادة إحدى البغلات مهراً جميلاً في منطقة اولمس جنوب فاس. وبسرعة انتشر الخبر بين الأهالي فتقاطروا لرؤية المولود الجديد بل والتبرك به وتقديم الهدايا..

فمن المعروف أن "البغل" حيوان هجين بين الحصان والحمار.. والحيوان الهجين لا يمكن أن يلد أو تكون له ذرية أبداً. فهناك دائماً حاجز نوعي بين المخلوقات بحيث لا يمكن لصنفين مختلفين (كالجمل والبقرة أو الضبع والشمبانزي) أن ينجبا حتى في حالة تزاوجهما!

غير أن هناك استثناءات بسيطة يمكن أن تحدث بين الأنواع القريبة وراثيا (كالنمر واللبوة، والجمل واللاما) بحيث تنجب هجينا بين النوعين.. ولكن حتى هذا الهجين يولد عقيماً ولا تكون له ذرية أبداً (فالبغل، والراما، لا ينجبان مجدداً)!!

وما حصل في المغرب حالة نادرة جداً استقطبت اهتمام العلماء، فالحصان يحمل 64 كروموزوماً وراثياً، والحمار 62 وحين يتزاوجان يولد البغل بكروموزومات مفردة 63 فقط لا تنقسم بالتساوي وبالتالي لا يمكن أن ينجب أبداً (لدرجة شككت دائماً بصحة الخبر رغم نشره في مجلة Nature العلمية)!!

... ومن فوائد الحاجز الوراثي أن الأمراض الخطيرة في نوع ما يصعب انتقالها إلى نوع آخر. فكثير من الأمراض التي تصيب الحيوانات لا تضر الإنسان أبداً (والعكس صحيح).. ومع هذا قد يحدث تغير مفاجئ في البكتيريا أو الفيروس فينتقل المرض بين نوعين مختلفين؛ فجنون البقر مثلاً كان حكراً على الماعز فانتقل إلى البقر ثم إلى الإنسان. أما الإيدز فهو بعكس مانتصور مرض قديم جداً ولكنه كان حكراً على القردة حتى ثلاثين عاماً مضت، وفيروس الكورونا كان موجوداً لدى الإبل قبل فترة طويلة من تحوره وانتقاله للإنسان هذه الأيام!

ورغم هذا يحاول بعض العلماء كسر الحاجز النوعي بين المخلوقات باستعمال الهندسة الوراثية.. وفي حال نجحوا في هذا في المستقبل القريب أو البعيد لا تتوقع فقط ظهور مخلوقات غريبة وشاذة (نتيجة تهجين جينات الغوريلا مع التمساح مثلاً) بل وأيضاً ظهور أعداد لا يمكن إحصاؤها من المخلوقات الجديدة ..

حينها فقط يمكن القول إن الشيطان تيكانانا أطل علينا بمليون وجه جديد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...