الخميس، 12 ديسمبر 2019

ابحث لنا عن رجل


صحيح أن "الغرب" وصل لمرحلة متقدمة في سن القوانين والمبادئ المتعلقة بحقوق المرأة..

وصحيح أننا في "الشرق" وصلنا لمرحلة متقدمة في تجاهل أو تذويب حقوق المرأة..

ولكن الحقيقة هي أن جهات الدنيا الأربع تتساوى في تفضيل الرجل على المرأة حين يتعلق الأمر بالمال والوظائف والمسؤوليات الإدارية.

الفرق أن "الشرق" صريح في تفضيله الذكور على الإناث، في حين يحدث هذا بطرق ملتوية وغير مباشرة في "الغرب"..

فطبيعة الأنثى تكلف الشركات أموالا إضافية بسبب إجازات الحمل والولادة ومشاكل الحضانة والتأمين.. وأجواء المنافسة تجعل من الصعب على الشركات -والموظفات الطموحات- التوقف عن العمل أو تأجيله لأي ظروف أنثوية.. وفي دول مثل اليابان وكندا وألمانيا وروسيا وأمريكا تتهرب الشركات من إجازات الأمومة والحمل والولادة والحضانة بفصل الأم بكل بساطة تحت أي عذر.. ولأن الشركات والمؤسسات الخاصة لا تود أن تظهر بمظهر المناهض لحقوق المرأة تحاول منذ البداية التهرب من التزامات كهذه..

أحد الأطباء السعوديين في باريس أخبرني بقصة طريفة تستحق ذكرها كنموذج غير مباشر يحدث في "الغرب"..

فقد كان يعمل ضمن فريق أبحاث يرأسه بروفيسور مشهور.. وكان هذا البروفيسور يكره النساء ويرفض توظيفهم في أبحاثه بسبب مشاكلهن وإجازاتهن الكثيرة على حد تعبيره.. غير أن الشركة التي تمول أبحاثه فرضت عليه توظيف عالمة أحياء شابة فوافق أخيرا على مضض.. وبعد شهرين اتضح أنها "حامل" فأخفت الخبر عنه، في حين لم يلاحظ شيئا حتى نهاية حملها.. وذات يوم سأل عنها فأخبروه أنها أخذت إجازة وضع فاستشاط غضبا، وقال: ألم أخبركم أنني لا أريد امرأة معي، ماذا نفعل الآن؟ هل سنعيد العمل على كافة النتائج؟.. الطبيب السعودي لم يحاول التخفيف فقال: المشكلة أن الشركة سترسل غدا باحثة أخرى.. ازدادت عصبيته وصرخ مجددا: قلت لا أريد امرأة معي.. فقال الطبيب: ولكن ماذا إن أصرت الشركة؟.. تذكر البروفيسور أن الشركة تمول أبحاثه فحاول أن يتماسك وقال بحنق: إن أصرت على موقفها تأكد هذه المرة من أنها امرأة مثلية (أو lesbienne بالفرنسية)!!

.. مواقف كهذه وصلت حد تبني إجراءات أكثر شذوذا في بعض الشركات والمؤسسات الغربية؛ فبنك جي.بي مورجان في نيويورك مثلا كان أول مؤسسة في أمريكا تتكفل بعلميات تغيير جنس موظفاته الإناث.. واليوم يوجد أكثر من 1333 موظفة في فروع البنك تحولن لذكور - في حين يفتخر البنك بمناخ الحرية السائدة فيه كونه يضم أكبر نسبة من المثليين والمتحولين جنسيا في كامل أمريكا!.

.. وكما يحدث دائما؛ حذت شركات كثيرة حذو بنك مورجان وقدمت برامج صحية تغطي تكاليف عمليات تغيير الجنس، وتجميد البويضات، وتأجير الأرحام، وتبني الأطفال - وهذا كله من أجل تجاوز مرحلة الانقطاع بسبب الحمل والولادة وإجازات الحضانة الطويلة..

وقبل فترة كتبت شخصيا عن نجاح المنظمات النسائية في أمريكا في إجبار الشركات على دفع تكاليف تجميد بويضات موظفاته الطموحات (وكان ذلك تعليقا على موافقة شركتي آبل وميكروسوفت كأول شركتين توافقان على تحمل تكاليف هذه العملية)..

لا أعلم أيهما أسوأ من الآخر؛

"شرق" صريح في تحيزه ضد المرأة، أم "غرب" ينافقها ويتصنع الوقوف معها!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...