الاثنين، 9 ديسمبر 2019

تحتاج لعيني طفل!


قبل فترة طويلة كتبت مقالاً بعنوان "تأملات في أخلاق الأطفال" قلت فيه:

إن أردت معرفة الأخلاق الفطرية للإنسان.. أو التعرف على جوهره الحقيقي وغرائزه الأساسية.. أو رؤية دوافعه الأصيلة قبل تأثره بأخلاق المجتمع وتربية الوالدين.. أو حتى كيف كان الإنسان البدائي يتصرف قبل ملايين السنين.. راقب ببساطة تصرفات الأطفال! فالأطفال أنانيون (يستحوذون على الأشياء الجميلة لأنفسهم) وبخلاء (لا يتشاركون فيها مع غيرهم) وأصحاب مصالح (لعبني وألعبك) وعنيفون (يتعاركون لأدنى سبب) وعنصريون (يستثنون دائماً الصغير والغريب والجنس المختلف عن مجموعتهم).

وقلت حينها إن هذه ليس تهماً، بل دليل على أصل الإنسان ودوافعه الأساسية قبل أن تهذبه تربية الوالدين وقيم المجتمع.. فقبل أن تُهذب التربية أخلاق الإنسان يتصرف كطفل نقي وصفحة بيضاء لم يكتب عليها شيء.. يتصرف كما هو في الأصل، مخلوق يصارع من أجل مصلحته الشخصية قبل مصلحة الآخرين!!

أضف لهذا؛ هناك ملاحظة معاكسة (ولكنها إيجابية هذه المرة) مفادها أن الإنسان في أصله وفطرته مخلوق مبدع وعبقري ولا يكف عن التساؤل.. يتضح ذلك من كثرة الأسئلة التي يطرحها الأطفال وتصيبنا في كثير من الأحيان بالحيرة والصداع..

أذكر أنني قرأت دراسة روسية تفيد بأن نسبة المبدعين بين الأطفال تصل إلى90% حتى سن الخامسة ثم تنخفض بسرعة إلى10% في سن السابعة وما أن يصل الطفل إلى سن الثامنة حتى تنحدر موهبة الإبداع لديه إلى 2% فقط . وما يحدث هنا (حسب تصوري) أن ثماني سنوات من الإرشاد والتوجية ناهيك عما يفرض عليه في المدرسة تؤدي إلى طمس موهبة التمرد والتساؤل والاستغراب لدى الأطفال (وهذه العناصر بالذات من أهم المواهب الواجب توفرها في أي مكتشف ومبدع).

وفي الحقيقة كل من درس دوافع الإبداع لدى العباقرة يكتشف أن معظمهم احتفظ بطريقة ما بدهشة الطفولة حتى سن متقدمة من العمر؛ فالأسئلة الطفولية الساذجة (لماذا وكيف ومتى وأين؟) التي نسمعها من أطفالنا الصغار هي المحرض الأول للاستكشاف والإبداع.. أما حين نكبر؛ تصاب أدمغتنا بالصدأ، وتستسلم عقولنا للمسلمات، وتتحول الظواهر حولنا إلى بديهيات وماهي كذلك!

وما يبدو لي أن العباقرة هم الفئة الوحيدة التي ماتزال تحتفظ بدهشة الطفولة وتطرح أسئلة ساذجة نعرفها كلنا.. خذ كمثال مونغوليفيه الذي اخترع المنطاد بعد سؤال طفولي ساذج (لماذا يصعد الدخان إلى الأعلى؟) وأديسون الذي اخترع المصباح بعد تساؤله (لماذا يضيء السلك حين يسخن؟) وفارادي الذي أكتشف المحرك الكهربائي بعد (لماذا يجذب المغناطيس الحديد؟) ونيوتين الذي اكتشف الجاذبية بعد (لماذا يسقط التفاح من الشجر؟)... وهي بلا شك أسئلة طفولية تذكرنا بأسئلة سمعناها من أطفالنا مثل لماذا لون السماء أزرق؟ ولماذا لا يغرق السمك؟ وكيف أصبحت البحار مالحة؟..

ومقالي اليوم مجرد تذكير بوجود أصل فطري للعبقرية وحب الاستكشاف في أعماق الإنسان.. دعوة للعودة إلى دهشة الطفولة وعدم التحرج من طرح الأسئلة التي قد تبدو لأول وهلة أنها ساذجة في حين أنها أصل العبقرية والإبداع.

حبيب قلبي ؛ المعجزات تحيط بنا من كل جانب، وكل ما تحتاجه عيني طفل صغير!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...