الخميس، 12 ديسمبر 2019

ما هو احتمال عودتنا إلى عصر ما قبل النفط؟


كتبت قبل فترة بسيطة مقالاً بعنوان "لن ينضب النفط قبل مناجم النحاس".. ورغم أنني مازلت عند رأيي باستمرارية تدفقه؛ لا يعني هذا أن العالم نفسه سيستمر في استخدام النفط إلى الأبد.. ففي حين مازلت أعتقد أن النفط من مكونات الأرض الأصيلة (وهو مايعارضه خبراء النفط عطفاً على طبيعته العضوية) لن تتوقف الدول الصناعية عن البحث عن طاقة جديدة وبديلة للنفط..

وكما هو معلوم يستهلك قطاع النقل في العالم معظم الإنتاج النفطي (ويشكل 30% من استهلاكنا المحلي) وبالتالي سيصبح وضعنا محرجاً بمجرد اختراع سيارة تسير بالكهرباء أو الهيدروجين أو زيت النخيل.. حتى كلمة (اختراع) هنا غير دقيقة ولا تعبر عن الواقع.. فالسيارة الكهربائية موجودة بالفعل وظهرت قبل السيارة النفطية.. والسيارة الهيدروجينية موجودة أيضاً ولم يمنع انتشارها سوى تقنيتها المكلفة.. والسيارات التي تعمل على زيت الذرة والنخيل رأيتها بنفسي تمشي على طرقات البارجواي والبرازيل...

وماجعلني أفكر بكتابة هذا المقال اكتشافي لصورة (التقطتها في جوالي) لمجموعة سيارات كهربائية في النرويج تشحن نفسها بالكهرباء.. فبدل التوقف في محطات النفط لتعبئة الوقود؛ تقف السيارات الكهربائية أمام منازل أصحابها أو في مواقف خاصة لشحن بطارياتها طوال الليل..

وما أثار رعبي بحق أن السيارات التي رأيتها كانت من ماركات معروفة ولا يمكن تمييزها عن السيارات العادية التي نراها في شوارعنا (ولتمييز الفكرة بشكل أفضل سأضع الصورة في حسابي الشخصي على "انستغرام" بالتوافق مع هذا المقال)..

والسيارة الكهربائية بالذات ليست اختراعاً حديثاً وكانت شائعة في مطلع القرن العشرين.. كل مافي الأمر أنها اختفت بالتدريج مفسحة المجال لسيارات أكثر فعالية وأقل تكلفة تسير على النفط الرخيص.. وفي نهاية القرن العشرين بدأت الكفة تميل مجدداً للسيارات الكهربائية بسبب أسعار النفط المرتفعة وازدياد الوعي البيئي في الدول المتقدمة.

وفي أيامنا توجد في شوارع أوروبا أكثر من تسعة ملايين سيارة كهربائية أو هجينة (تعمل بالطاقة الكهربائية والنفطية).. كما ظهرت شركات متخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية فقط لعل أكثرها شهرة ونجاحاً شركة "تسلا" الأميركية.. وبجانب هذه الشركات المتخصصة تملك شركات السيارات المعروفة كتويوتا ومرسيدس وفورد ونيسان موديلات كهربائية أو هيدروجينية لمن شاء اقتناءها بسعر مرتفع (فهي أيضاً تريد اقتسام جزءٍ من الكعكة، ولا تريد التوقف عن العمل حين يتوقف العالم عن استهلاك النفط)!!

... وبالإضافة للسيارة الكهربائية يمكن لسياراتنا أيضاً التحرك باستعمال بدائل معروفة وموجودة مثل الهيدروجين والزيوت النباتية.. وكنا قبل عشر سنوات تقريباً (قبل أن يصيبنا الرعب من تدفق البترول الصخري) أصبنا بالرعب من فكرة استخلاص وقود السيارات من محاصيل الذرة والشعير في الولايات المتحدة الأميركية (وهو بالمناسبة مايحصل منذ ثلاثين عاماً في البرازيل ودول أميركا اللاتينية).. ولكن ما يجعل البترول يتفوق في كل جولة هو سعره الزهيد وفعاليته الكبيرة مقارنة بحجمه الصغير.. أما لو نجحوا مثلاً في تصغير بطاريات السيارة الكهربائية، أو اكتشفوا وسيلة رخيصة لاستخراج الهيدروجين من الماء، أو قررت دول العالم التوسع في إنتاج الوقود النباتي.. سيتم حينها الاستغناء عن مواردنا النفطية بلا تردد!

... باختصار

السيارات البديلة ليست اختراعات جديدة وتتراجع خلف السيارة التقليدية لأسباب اقتصادية.. وهذا يعني أن أي ارتفاع مبالغ فيه في أسعار النفط، أو انخفاض تكاليف تصنيعها من شأنه إعادتنا (نحن) إلى عصر ماقبل النفط!!

ولا تعتقدوا أنني أبالغ.. فالسيارات الكهربائية التي رأيتها في شوارع النرويج بدأت في الانتشار رغم أن النرويج نفسها دولة نفطية كبيرة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...