الخميس، 12 ديسمبر 2019

لغة العالم المشتركة


في ذات مقال تحدثت عن دور الأدباء والكتّاب والعلماء في ابتكار كلمات جيدة تضاف إلى لغاتهم الأم.. وضربت مثلاً بشيكسبير الذي كان مسؤولاً عن خلق أكثر من 600 كلمة في اللغة الانجليزية، والأديب الروسي دوستويفسكي الذي أضاف 411 كلمة للغة الروسية، والأديب الكولومبي غابرييل غارسيا المسؤول عن 72 كلمة في اللغة الأسبانية في حين ساهم المتنبي والمعري والجاحظ وابن المقفع في إدخال آلاف الكلمات الجديدة الى لغتنا العربية.

أما الأكثر غرابة وجراءة فهو محاولات اختراع أبجديات أو لغات كاملة لم تكن معروفة من قبل، فمنذ أن اخترعت الكتابة قبل 3000 عام لم تكف محاولات ابتكار أبجديات خاصة بشعوب ترغب في التميز أو الانفصال اللغوي عن محيطها، وأقدم محاولة أعرفها من هذا النوع قام بها العالم اللغوي منشروب ميشدوتس (361-441) الذي ابتكر أبجديتين جديدتين هما أبجدية أرمينيا وجورجيا المستعملتين حتى يومنا هذا.

وخلال الخمس مئة عام الماضية حاول بعض الفلاسفة والمفكرين اختراع لغة عالمية موحدة يفهمها جميع البشر، فهذا الحلم الجميل من شأنه كسر الحواجز اللغوية بين الأمم وتسهيل التفاهم بين مختلف الثقافات والجماعات البشرية، وكان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارد أول من نادى بتبني هذه الفكرة في القرن السابع عشر، ولكنه لم يبذل أي محاولة لاختراعها، ومنذ ذلك الحين تم اختراع أكثر من 200 لغة جديدة أمل أصحابها أن تتحول الى لغة عالمية مشتركة بين جميع البشر؛ فهناك مثلا لغة الفولابوك والانترجلوسيا والإيدو والإسبرانتو والإسبيلين (ومعظمها ابتكر في أوروبا)، غير أن جميع هذه اللغات لم يكتب لها النجاح والانتشار باستثناء لغتين هما الفولابوك والإسبرانتو، فلغة الفولابوك المدمجة من كلمتي العالم يتكلم، اخترعها قسيس ألماني يدعى جو شيلر عام 1879 وجمعت عناصرها من الكلمات الأوروبية المشتركة.

وبحلول عام 1889 كان هناك 200 ألف مواطن أوروبي يتحدثون بهذه اللغة، في حين لا يزيد عدد المتحدثين بها اليوم عن 19 ألفاً، أما اللغة الثانية فهي الإسبرانتو التي اخترعها طبيب بولندي يدعى زامينوف عام 1887(وتعني في اللغة البولندية: يأمل) ويعتمدها محرك جوجل للترجمة مثل أي لغة أخرى.

وتعد الإسبرانتو حالياً من أنجح اللغات العالمية كونها تنتشر في 90 بلداً وترجمت إليها مئات الأعمال الأدبية والكلاسيكية وتصدر بها أكثر من مئة صحيفة ومجلة. ومع ذلك لا يمكن الادعاء أن الإسبرانتو وصلت لمرحلة العالمية مالم تتبناها كافة الحكومات (كلغة ثانية) وتعتمدها الأمم المتحدة (كلغة أولى) يتواصل بها أعضاء المنظمة!.

.. على أي حال؛ رغم وجود 200 محاولة معروفة لاختراع لغة عالمية مشتركة يبدو أن اللغة الإنجليزية هي الأقرب حالياً للفوز بهذا اللقب (وأقول الأقرب مجاملة للفرنسيين وعشاق سيبويه)، فبالإضافة إلى كونها لغة الدبلوماسية والتجارة والمراسلات الدولية يتحدثها اليوم نصف سكان الأرض وتعتمدها 88 دولة كلغة رسمية ثانية وتدرسها 112 دولة في مدارسها العامة ناهيك عن تغلغل مفرداتها في معظم اللغات الحية!!

... والعجيب فعلاً أن الإنجليز أنفسهم لا يبذلون أي جهد لنشرها (على الأقل مقارنة بالفرنسيين أو العرب) ومع هذا وصلت من الانتشار والتشعب درجة التفرع إلى عدة "إنجليزيات" نسمعها بطرق مختلفة في نيوزيلندا والهند وبورتوريكو وكندا وجنوب أفريقيا وعشرات البلدات المتناثرة في جنوب أميركا!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...