الاثنين، 9 ديسمبر 2019

من أين يأتون بهذه الأكاذيب؟ (1-2)


لا يمكنك تصوّر عدد المحطات المذهبية والدينية المتطرفة حتى تبدأ بتقليب تلفزيونك عشوائيا أو تصاعديا من الرقم 100 مثلا.. فكثيرا ما أتوقف شخصيا عند أشباه مشايخ وأنصاف علماء يطلقون فتاوى شاذة أو مثيرة للجدل بهدف لفت الأنظار الى المحطة ذاتها.. أشاهد الحلقة بالكامل لأتأكد هل سينسب كلامه أو فتواه في النهاية الى "قال الله وقال الرسول" أو يخبرنا على الأقل بما يتفق مع المنطق والعقل والفطرة السليمة.

معظمهم للأسف لا يفعل ذلك.. ولكن مظهره وفصاحته وخلفيته الدينية تجعله يبدو كذلك.. لا يتردد في توثيق آرائه الشاذة بأحاديث موضوعة أو التركيز على ماجاء (في الأثر) أو قال فلان عن فلان - ناهيك عن قوله "حدثنا بعض الثقات" التي أتوقع بعدها إطلاق كذبة بحجم التيتانك!

خذ كمثال حلقة كانت وراء كتابتي لهذا المقال قال فيها الشيخ (بالنص ودون تغيير):

.. وأختم محاضرتي بواقعة عجيبة جدا جدا ذكرها ابن خلكان وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية الجزء 13 ص72 و236 وذكرها صاحب شذرات الذهب في الجزء الخامس ص457 قصة يا إخواني عجيبة جدا جدا قال فيها ابن خلكان بلغنا عن جماعة يوثق بهم وصلوا الى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية تدعى دير أبي سلامة وكان فيها رجل من العربان فيه استهزاء زائد بالدين فجرى يوم ذكر السواك وهو جالس في خطبة جمعة فقال الرجل "سواك آييه بس" والله لا أستاك إلا من دبري "شفت الفاجر" وبالفعل أدخل السواك في دبره فآلمه تلك الليلة ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشعر بألم في بطنه ومخرجه حتى أصابه بعدها مثل طلق الحامل فوضع حيوانا على هيئة جرذون "حاجة شبيهة بالفأر كدا" فصاح الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنة الرجل فضربته على رأسه فمات فلبث الرجل بعدها يومين ومات وقال ان هذا الحيوان مزق أمعائي وشاهد على ذلك أهل المكان وخطيب المسجد.. (انتهى كلامه)

والآن لاحظ معي كثرة المصادر دون قال الله وقال الرسول، وكيف مهد للقصة بذكر فلان عن فلان وجماعة يوثق بهم، وكيف يتم تقديمها بطريقة توحي انها من أصل الدين، وكيف حدثت أمام جميع العالمين (فكيف تكذبها أنت أيها المسكين)؟!

ولكن الحقيقة؛ هي أنها مجرد أكذوبة وتلفيق وواقعة لا تستند لنص شرعي.. ومع هذا اكتسبت بفضل توثيقها في الكتب وتداولها بهذه الطريقة رسوخا ومصداقية وربطا بالدين في أذهان عامة الناس!

المشكلة ليست في الكذب والتدليس؛ بل في إضفاء عباءة الدين عليه من قبل أناس يثق الناس بعلمهم ومظهرهم الخارجي.. ليس لدي مانع في ذكر الأمثلة والمواعظ ولكن بثلاثة شروط هي: المصداقية، وموافقة المنطق، وتنبيه الناس إلى أنها لم ترد في المصادر الشرعية للدين.. أما سردها بهذه الطريقة (وعلى سبيل التأكيد) فأمر يسيء للدين بسبب شذوذها وغرابتها وإثارتها للنفور.. وتسيء إليه بنسبة أكبر كونها لا تأتي من كافر أو ملحد أو علماني (بالمعنى السعودي) بل ممن يعتبرهم الناس مشايخ وفقهاء أعلم منهم بالدين وأقرب إليهم إلى رب العالمين.. وهنا تكمن الخطورة.

على أي حال؛ بسبب انتهاء المقال سأستعرض معكم المزيد من النماذج في مقالنا التالي.. وحتى ذلك الحين شاهدوا بأنفسكم بعض النماذج من خلال البحث عن "تخاريف الشيوخ" في الفيسبوك أو اليوتيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...