الاثنين، 9 ديسمبر 2019

ماذا تعرف عن الزونوسايس؟


ارتفعت مؤخرا نبرة التأكيد على دور الإبل في نقل فيروس الكورونا وأصبح لوزارة الصحة إعلانات تتضمن صور"نياق".. فرغم مبادرات تقبيل الإبل في اليوتيوب اتضح أن فيروس الكورونا موجود فعلا في الإبل (وبالذات منطقة الأنف لدى صغار الإبل).. ولكن المحير فعلا أن حالات الإصابة بين الرعاة أنفسهم تكاد تكون معدومة الأمر الذي يشي بحملهم مناعة ضد الفيروس (ربما بسبب طول العشرة والالتصاق أو امتلاك الإبل مناعة ضد الفيروس)!!

ومالا يعرفه معظم الناس أن الشبهات كانت في البداية موجهة لخفافيش بيشة (حيث وقعت عدة إصابات قبل أن يوجه الاتهام للإبل الموجودة هناك).. وكان من البدهي حينها اتهام الخفافيش لثبوت مسؤوليتها عن حمل الفيروسات التاجية في الدول الأخرى.. والفيروسات التاجية مسؤولة عن معظم الأمراض التي شغلت العالم في السنوات الأخيرة كانفلونزا الطيور والخنازير والسارس - وآخرها الفيروس المعروف اختصارا بMERS-CoV واتضح وجوده في صغار الإبل.

ومن المعروف أن هناك ما يعرف باسم زونوسايس (Zoonosis) أو الأمراض الحيوانية القابلة للانتشار لدى الانسان.. وهي ظاهرة أزلية تقف خلف أمراض وأوبئة كثيرة مثل السعار والجرب والتيفوئيد والطاعون والملاريا والانفلونزا والحصبة والحمى الصفراء.. ويمكن للأمراض الحيوانية أن تنتقل للانسان بطرق عديدة كأكل اللحوم المصابة (ومثال ذلك جنون البقر) أو دخول البكتيريا والفيروسات لمجرى الدم (كالملاريا بسبب البعوض أو السعار بسبب الكلاب) أو انتقال البكتيريا الضارة لطعام الانسان (من خلال الذباب أو القوارض مثلا).

وكثيرا مايكون الحيوان حاملا للمرض ولكنه غير مريض بذاته (كحال الإبل مع فيروس الكورو نا).. وأعظم حالة وباء معروفة هي الطاعون الأسود الذي اجتاح العالم في القرن الرابع عشر من خلال الفئران السوداء.. وبلغت قوة انتشاره حد قضائه على ثلث سكان الصين وآسيا الوسطى وأوروبا - التي وصلها من الصين عن طريق سفن البضائع.

أما في عصرنا الحديث فمر العالم بموجات وبائية تسببت بها فيروسات حيوانية متحورة لم تكن تؤثر في الانسان سابقا.. ولعل أشهر مثال فيروس الإيدز الذي لطالما كان موجودا في القردة الأفريقية الخضراء دون تأثر الانسان به.. وبنهاية القرن العشرين انتقل فيروس "غرب النيل" لأمريكا من خلال القوارض، وجنون البقر من بريطانيا من خلال اللحوم الملوثة، وانفلونزا الطيور والخنازير بعد تحورها لشكل "انساني" لم يكن معروفا من قبل.. وفي العشرين عاما الأخيرة بدا وكأن العالم يعيش موجات (أو موضات) أمراض عالمية جديدة.

ويعود السبب في نظري إلى تميز عصرنا الحالي بعاملين لم يتواجدا في أي عصر سابق:

الأول التركيز الإعلامي ونشر الأخبار بطريقة تلفزيونية وإلكترونية تفوق حجم الكارثة.. ولكن الحقيقة أنه في عز انتشار إنفلونزا الخنازير لم تصل نسبة الوفيات حول العالم إلى (واحد بالمائة) ممن ماتوا بسبب الإسهال في الدول الفقيرة (فمن سمع عنهم؟).

والثاني هو سرعة انتقال الأمراض ذاتها على نطاق جغرافي واسع من بلد لبلد وقارة لأخرى.. فبفضل الطائرات التجارية، والسفن البحرية، وحركة الطرود العالمية، أصبح بإمكان فيروس ايبولا أن ينتقل من أفريقيا لأمريكا خلال ساعات.. وانفلونزا الطيور الوصول الى أوروبا عبر رحلة طيران عادية قادمة من الصين.

وللحد من هذه الظاهرة تمنع أستراليا دخول أي منتجات حيوانية أو عضوية (يحملها المسافرون القادمون إليها) ولم تعد السويد تربي الخنازير على أراضيها (كونها أعظم مرتع للفيروسات المتحولة) وتوقفت أمريكا عن استيراد الحيوانات الأليفة من خارج حدودها.. كما أصبح العالم كله يرفض دخول منتجات الإبل لأراضيه بعد سماعه بفيروس الكورونا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...